وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي يَجْهَلُ مُسْتَحِقُّهَا مُطْلَقًا أَوْ مُبْهَمًا .
فَإِنَّ هَذِهِ عَامَّةُ النَّفْعِ ; لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَحْصُلُ فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالٌ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ ; إمَّا لِكَوْنِهَا قُبِضَتْ ظُلْمًا كَالْغَصْبِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَةِ وَالْغُلُولِ . وَإِمَّا لِكَوْنِهَا قُبِضَتْ بِعَقْدِ فَاسِدٍ مِنْ رِبًا أَوْ مَيْسِرٍ وَلَا يُعْلَمُ عَيْنُ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا . وَقَدْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَحَدُ رَجُلَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ عَيْنُهُ ; كَالْمِيرَاثِ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ لِإِحْدَى الزَّوْجَيْنِ الْبَاقِيَةِ دُونَ الْمُطَلَّقَةِ وَالْعَيْنُ الَّتِي يَتَدَاعَاهَا اثْنَانِ فَيُقَرِّبُهَا ذُو الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا . فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَعَامَّةِ السَّلَفِ إعْطَاءُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهَا . وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُحْفَظُ مُطْلَقًا وَلَا تُنْفَقُ بِحَالِ فَيَقُولُ فِيمَا جَهِلَ مَالِكُهُ مِنْ الغصوب وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ : إنَّهَا تُحْفَظُ حَتَّى يَظْهَرَ أَصْحَابُهَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ . وَيَقُولُ فِي الْعَيْنِ الَّتِي عُرِفَتْ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ : يُوقِفُ الْأَمْرَ حَتَّى يَصْطَلِحَا . وَمَذْهَبُ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا جَهِلَ مَالِكُهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْمَصَالِحِ : كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَفِيمَا اسْتَبْهَمَ مَالِكُهُ الْقَرْعَةُ عِنْدَ أَحْمَد وَالْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَلْفٌ مِنْ الْمَسَائِلِ النَّافِعَةِ الْوَاقِعَةِ . وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا فَرَضَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي كِتَابِهِ " الغياثي " وَتَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ : إذَا طَبَقَ الْحَرَامُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى الْحَلَالِ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلنَّاسِ قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْحَاجَةُ أَوْسَعُ مِنْ الضَّرُورَةِ . وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ إذَا اسْتَوْلَتْ الظَّلَمَةُ مِنْ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَمْوَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَثَّتْهَا فِي النَّاسِ وَإِنَّ زَمَانَهُ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ فَكَيْفَ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَزْمَانِ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فَرْضٌ مُحَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ ; لِمَا ذَكَرْته مِنْ هَذِهِ " الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ " : فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ قِسْمَانِ : مُحَرَّمٌ لِعَيْنِهِ كَالنَّجَاسَاتِ : مِنْ الدَّمِ وَالْمَيْتَةِ . وَمُحَرَّمٌ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ : مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَتَحْرِيمُ هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعُودُ إلَى الظُّلْمِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَحْرُمُ لِسَبَبَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا قَبْضُهَا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهَا وَلَا إذْنِ الشَّارِعِ . وَهَذَا هُوَ الظُّلْمُ الْمَحْضُ ; كَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغَصْبِ الظَّاهِرِ . وَهَذَا أَشْهَرُ الْأَنْوَاعِ بِالتَّحْرِيمِ . ( وَالثَّانِي ) قَبْضُهَا بِغَيْرِ إذْنِ الشَّارِعِ وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُهَا وَهِيَ الْعُقُودُ والقبوض الْمُحَرَّمَةُ كَالرِّبَا وَالْمَيْسِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ حَصَلَتْ بِيَدِهِ رَدُّهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللُّقَطَةِ : { فَإِنْ وَجَدْت صَاحِبَهَا فَارْدُدْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللُّقَطَةَ الَّتِي عَرَفَ أَنَّهَا مِلْكٌ لِمَعْصُومِ وَقَدْ خَرَجَتْ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ آتَاهَا اللَّهُ لِمَنْ سَلَّطَهُ عَلَيْهَا بِالِالْتِقَاطِ الشَّرْعِيِّ . وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ مَعْلُومٌ فَمَالُهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي غَالِبِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عُصْبَةٌ بَعِيدٌ ; لَكِنْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ وَلَمْ تُرْجَ مَعْرِفَتُهُ . فَجُعِلَ كَالْمَعْدُومِ . وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلَا دَلِيلَانِ قِيَاسِيَّانِ قَطْعِيَّانِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ . فَإِنَّ مَا لَا يُعْلَمُ بِحَالِ أَوَّلًا يُقَدَّرُ عَلَيْهِ بِحَالِ هُوَ فِي حَقِّنَا بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ فَلَا نُكَلَّفُ إلَّا بِمَا نَعْلَمُهُ وَنَقْدِرُ عَلَيْهِ . وَكَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حَقِّنَا بَيْنَ فِعْلٍ لَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَبَيْنَ فِعْلٍ أُمِرْنَا بِهِ جُمْلَةً عِنْدِ فَوْتِ الْعِلْمِ أَوْ الْقُدْرَةِ - كَمَا فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ وَالْعَاجِزِ - كَذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي حَقِّنَا بَيْنَ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ أُمِرْنَا بِإِيصَالِهِ إلَيْهِ وَبَيْنَ مَا أُمِرْنَا بِإِيصَالِهِ إلَى مَالِكِهِ جُمْلَةً ; إذَا فَاتَ الْعِلْمُ بِهِ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ . وَالْأَمْوَالُ كَالْأَعْمَالِ سَوَاءٌ . وَهَذَا النَّوْعُ إنَّمَا حُرِّمَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ فَإِذَا كَانَ الْغَيْرُ مَعْدُومًا أَوْ مَجْهُولًا بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ سَقَطَ حَقُّ تَعَلُّقِهِ بِهِ مُطْلَقًا كَمَا يَسْقُطُ تَعَلُّقُ حَقِّهِ بِهِ إذَا رُجِيَ الْعِلْمُ بِهِ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ إلَى حِينِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ كَمَا فِي اللُّقَطَةِ سَوَاءٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } فَإِنَّهُ لَوْ عَدِمَ الْمَالِكَ انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ إذَا عَدِمَ الْعِلْمَ بِهِ إعْدَامًا مُسْتَقِرًّا وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيصَالِ إلَيْهِ إعْجَازًا مُسْتَقِرًّا . فَالْإِعْدَامُ ظَاهِرُ وَالْإِعْجَازِ مِثْلُ الْأَمْوَالِ الَّتِي قَبَضَهَا الْمُلُوكُ - كَالْمُكُوسِ وَغَيْرِهَا - مِنْ أَصْحَابِهَا وَقَدْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا إعَادَتُهَا إلَى أَصْحَابِهَا فَإِنْفَاقُهَا فِي مَصَالِحِ أَصْحَابِهَا مِنْ الْجِهَادِ عَنْهُمْ أَوْلَى مِنْ إبْقَائِهَا بِأَيْدِي الظَّلَمَةِ يَأْكُلُونَهَا وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُهَا بِالْحَقِّ مُبَاحَةً كَمَا أَنَّهَا عَلَى مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ . وَالدَّلِيلُ الثَّانِي " الْقِيَاسُ " - مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ - أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تُحْبَسَ وَإِمَّا أَنْ تُتْلَفَ وَإِمَّا أَنْ تُنْفَقَ . فَأَمَّا إتْلَافُهَا فَإِفْسَادٌ لَهَا { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } وَهُوَ إضَاعَةٌ لَهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ; وَإِنْ كَانَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَمَالِكٍ تَجْوِيزُ الْعُقُوبَاتِ الْمَالِيَّةِ : تَارَةً بِالْأَخْذِ . وَتَارَةً بِالْإِتْلَافِ كَمَا يَقُولُهُ أَحْمَد فِي مَتَاعِ الْغَالِّ وَكَمَا يَقُولُهُ أَحْمَد وَمَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَوْعِيَةِ الْخَمْرِ وَمَحَلِّ الْخَمَّارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ بِإِتْلَافِ بَعْضِ الْأَمْوَالِ أَحْيَانًا كَالْعُقُوبَةِ بِإِتْلَافِ بَعْضِ النُّفُوسِ أَحْيَانًا . وَهَذَا يَجُوزُ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ التَّنْكِيلِ عَلَى الْجَرِيمَةِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ مَا شُرِعَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي إتْلَافِ النَّفْسِ وَالطَّرْفِ وَكَمَا أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ يَحْرُمُ إلَّا بِنَفْسِ أَوْ فَسَادٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ } وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } فَكَذَلِكَ إتْلَافُ الْمَالِ إنَّمَا يُبَاحُ قِصَاصًا أَوْ لِإِفْسَادِ مَالِكِهِ كَمَا أَبَحْنَا مِنْ إتْلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَرْبِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُونَ بِنَا بِغَيْرِ خِلَافٍ . وَجَوَّزْنَا لِإِفْسَادِ مَالِكِهِ مَا جَوَّزْنَا . وَلِهَذَا لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ قَالَ : إنَّ الْأَمْوَالَ الْمُحْتَرَمَةَ الْمَجْهُولَةَ الْمَالِكُ تُتْلَفُ وَإِنَّمَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ الغالطين مِنْ الْمُتَوَرِّعَةِ : أَنَّهُ أَلْقَى شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَنَّهُ تَرَكَهُ فِي الْبَرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَؤُلَاءِ تَجِدُ مِنْهُمْ حُسْنَ الْقَصْدِ وَصِدْقَ الْوَرَعِ ; لَا صَوَابَ الْعَمَلِ . وَإِمَّا حَبْسُهَا دَائِمًا أَبَدًا إلَى غَيْرِ غَايَةٍ مُنْتَظَرَةٍ ; بَلْ مَعَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُرْجَى مَعْرِفَةُ صَاحِبِهَا وَلَا الْقُدْرَةُ عَلَى إيصَالِهَا إلَيْهِ فَهَذَا مِثْلُ إتْلَافِهَا ; فَإِنَّ الْإِتْلَافَ إنَّمَا حَرُمَ لِتَعْطِيلِهَا عَنْ انْتِفَاعِ الْآدَمِيِّينَ بِهَا وَهَذَا تَعْطِيلٌ أَيْضًا ; بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلنُّفُوسِ بِإِبْقَاءِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ بِهِ . ( الثَّانِي أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الظَّلَمَةِ بَعْدَ هَذَا إذَا لَمْ يُنْفِقْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَيَكُونُ حَبْسُهَا إعَانَةً لِلظَّلَمَةِ وَتَسْلِيمًا فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الظَّلَمَةِ ; فَيَكُونُ قَدْ مَنَعَهَا أَهْلَ الْحَقِّ وَأَعْطَاهَا أَهْلَ الْبَاطِلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا ; فَإِنَّ مَنْ وَضَعَ إنْسَانًا بِمَسْبَعَةِ فَقَدْ قَتَلَهُ وَمَنْ أَلْقَى اللَّحْمَ بَيْنَ السِّبَاعِ فَقَدْ أَكَلَهُ وَمَنْ حَبَسَ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ لِمَنْ يَسْتَوْلِي عَلَيْهَا مِنْ الظَّلَمَةِ فَقَدْ أَعْطَاهُمُوهَا . فَإِذَا كَانَ إتْلَافُهَا حَرَامًا وَحَبْسُهَا أَشَدَّ مِنْ إتْلَافِهَا تَعَيَّنَ إنْفَاقُهَا وَلَيْسَ لَهَا مَصْرِفٌ مُعَيَّنٌ فَتُصْرَفُ فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْقُرْبِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَخَلَقَ لَهُمْ الْأَمْوَالَ لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ فَتُصْرَفُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .