مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ لِلشَّفَاعَةِ   بِقَوْلِهِ تَعَالَى :   {   وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ   }  وَبِقَوْلِهِ :   {   وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ   }  وَبِقَوْلِهِ :   {  مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ  فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ   }  وَبِقَوْلِهِ :   {   مَا لِلظَّالِمِينَ  مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ  يُطَاعُ   }  وَبِقَوْلِهِ :   {  فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ   }  . وَجَوَابُ أَهْلِ السُّنَّةِ  أَنَّ  هَذَا يُرَادُ  بِهِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا :  أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ الْمُشْرِكِينَ  كَمَا  قَالَ تَعَالَى  فِي نَعْتِهِمْ : {   مَا سَلَكَكُمْ  فِي  سَقَرَ   }   {  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ  الْمُصَلِّينَ   }   {   وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ   }   {  وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ   }   {  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ   }   {   حَتَّى  أَتَانَا الْيَقِينُ   }   {  فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ   }  فَهَؤُلَاءِ  نُفِيَ عَنْهُمْ نَفْعُ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ لِأَنَّهُمْ  كَانُوا كُفَّارًا . وَالثَّانِي :  أَنَّهُ يُرَادُ  بِذَلِكَ نَفْيُ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يُثْبِتُهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ  مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ :  مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ  أَنَّ لِلْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ  مِنْ الْقَدْرِ أَنْ يَشْفَعُوا عِنْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ  كَمَا يَشْفَعُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عِنْدَ بَعْضٍ فَيَقْبَلُ الْمَشْفُوعُ إلَيْهِ شَفَاعَةَ شَافِعٍ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً  وَكَمَا يُعَامِلُ الْمَخْلُوقُ الْمَخْلُوقَ  بِالْمُعَاوَضَةِ . فَالْمُشْرِكُونَ  كَانُوا  يَتَّخِذُونَ  مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ  مِنْ الْمَلَائِكَةِ  وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَيُصَوِّرُونَ تَمَاثِيلَهُمْ فَيَسْتَشْفِعُونَ بِهَا وَيَقُولُونَ : هَؤُلَاءِ خَوَاصُّ اللَّهِ  فَنَحْنُ نَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِدُعَائِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ لِيَشْفَعُوا لَنَا  كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى الْمُلُوكِ بِخَوَّاصِهِمْ لِكَوْنِهِمْ  أَقْرَبَ إلَى الْمُلُوكِ  مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَشْفَعُونَ عِنْدَ الْمُلُوكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُلُوكِ وَقَدْ يَشْفَعُ أَحَدُهُمْ عِنْدَ الْمَلِكِ فِيمَا لَا يَخْتَارُهُ فَيَحْتَاجُ إلَى إجَابَةِ شَفَاعَتِهِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً .  فَأَنْكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ  فَقَالَ تَعَالَى : {   مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ   }  وَقَالَ :   {   وَكَمْ  مِنْ  مَلَكٍ  فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا  مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى   }  وَقَالَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ :   {  وَقَالُوا  اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ   }   {   لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ   }   {   يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ  مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ   }  وَقَالَ :   {   قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ  مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ  فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا  فِي الْأَرْضِ وَمَا  لَهُمْ  فِيهِمَا  مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ  مِنْ ظَهِيرٍ   }   {   وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَيَعْبُدُونَ  مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ  فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا  فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  عَمَّا يُشْرِكُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَأَنْذِرْ  بِهِ الَّذِينَ  يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى  رَبِّهِمْ لَيْسَ  لَهُمْ  مِنْ دُونِهِ  وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ  لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   اللَّهُ الَّذِي  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا  فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ  ثُمَّ اسْتَوَى  عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ  مِنْ دُونِهِ  مِنْ  وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ  أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ  مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى  كَمَا خَلَقْنَاكُمْ  أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ  وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ  أَنَّهُمْ  فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ  تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ  وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَمِ  اتَّخَذُوا  مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ  كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ   }   {   قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ   }   {   وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ  مِنْ دُونِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ  فَلَا تَسْمَعُ إلَّا هَمْسًا   }   {   يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ  وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا   }  وَقَالَ صَاحِبُ يس :   {   وَمَا لِيَ لَا  أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ   }   {  أَأَتَّخِذُ  مِنْ دُونِهِ  آلِهَةً إنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ  عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ   }   {   إنِّي إذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ   }   {   إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ   }  . فَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ الَّتِي  أَثْبَتَهَا الْمُشْرِكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ  وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ حَتَّى صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ  وَقَالُوا : اسْتِشْفَاعُنَا بِتَمَاثِيلِهِمْ اسْتِشْفَاعٌ بِهِمْ  وَكَذَلِكَ قَصَدُوا قُبُورَهُمْ  وَقَالُوا :  نَحْنُ نَسْتَشْفِعُ بِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لِيَشْفَعُوا لَنَا إلَى اللَّهِ وَصَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ  كَذَلِكَ وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ أَبْطَلَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ  وَذَمَّ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا وَكَفَّرَهُمْ بِهَا .  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ   نُوحٍ  :   {  وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ  آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا  يَغُوثَ  وَيَعُوقَ وَنَسْرًا   }   {   وَقَدْ  أَضَلُّوا كَثِيرًا   }  .  قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  وَغَيْرُهُ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ صَالِحُونَ  كَانُوا  فِي قَوْمِ   نُوحٍ  فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا  عَلَى قُبُورِهِمْ  ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ  وَهَذَا مَشْهُورٌ  فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ  وَغَيْرِهَا  كَالْبُخَارِيِّ  وَغَيْرِهِ وَهَذِهِ أَبْطَلَهَا النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَمَ مَادَّتَهَا  وَسَدَّ ذَرِيعَتَهَا حَتَّى لَعَنَ مَنْ  اتَّخَذَ قُبُورَ  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ  يُصَلَّى  فِيهَا  وَإِنْ  كَانَ  الْمُصَلِّي  فِيهَا لَا يَسْتَشْفِعُ بِهِمْ  وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَى الْقُبُورِ  وَأَرْسَلَ  عَلِيَّ بْنَ  أَبِي طَالِبٍ  فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّاهُ وَلَا تِمْثَالًا إلَّا طَمَسَهُ  وَمَحَاهُ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ . وَعَنْ {  أَبِي الهياج  الأسدي  :  قَالَ  لِي  عَلِيُّ بْنُ  أَبِي طَالِبٍ  : لَأَبْعَثُك  عَلَى مَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَلَّا تَدَعَ تِمْثَالًا إلَّا طَمَسْته وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْته  وَفِي لَفْظٍ : وَلَا صُورَةً إلَّا طَمَسْتهَا   }  .  أَخْرَجَهُ  مُسْلِمٌ  .