مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَلَوْ   قَصَدَ الصَّلَاةَ عِنْدَ قُبُورِ  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ  مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ دُعَاءَهُمْ وَالدُّعَاءَ عِنْدَهُمْ  مِثْلَ أَنْ  يَتَّخِذَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ  لَكَانَ  ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَنْهِيًّا عَنْهُ  وَلَكَانَ صَاحِبُهُ مُتَعَرِّضًا لِغَضَبِ اللَّهِ وَلَعْنَتِهِ  كَمَا  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ  عَلَى قَوْمٍ  اتَّخَذُوا قُبُورَ  أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ   }  وَقَالَ   {   قَاتَلَ اللَّهُ   الْيَهُودَ   وَالنَّصَارَى  اتَّخَذُوا قُبُورَ  أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ   }  يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا .  وَقَالَ   {   إنَّ مَنْ  كَانَ قَبْلَكُمْ  كَانُوا  يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ  أَلَا  فَلَا  تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ  فَإِنِّي  أَنْهَاكُمْ عَنْ  ذَلِكَ   }  . فَإِذَا  كَانَ  هَذَا مُحَرَّمًا وَهُوَ سَبَبٌ لِسَخَطِ الرَّبِّ وَلَعْنَتِهِ  فَكَيْفَ بِمَنْ  يَقْصِدُ دُعَاءَ الْمَيِّتِ وَالدُّعَاءَ عِنْدَهُ  وَبِهِ وَاعْتَقَدَ  أَنَّ  ذَلِكَ  مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ الدَّعَوَاتِ  وَنَيْلِ الطَّلَبَاتِ وَقَضَاءِ الْحَاجَاتِ  ؟  وَهَذَا  كَانَ  أَوَّلَ أَسْبَابِ الشِّرْكِ  فِي   قَوْمِ   نُوحٍ  وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ  فِي النَّاسِ  قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  :  كَانَ بَيْنَ  آدَمَ   وَنُوحٍ  عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ  عَلَى الْإِسْلَامِ  ثُمَّ  ظَهَرَ الشِّرْكُ بِسَبَبِ تَعْظِيمِ قُبُورِ  صَالِحِيهِمْ  . وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ  ابْنِ عَبَّاسٍ  وَغَيْرِهِ  فِي   صَحِيحِ  الْبُخَارِيِّ  وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَقِصَصِ  الْأَنْبِيَاءِ  فِي قَوْله تَعَالَى   {  وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ  آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا  يَغُوثَ  وَيَعُوقَ وَنَسْرًا   }  أَنَّ هَؤُلَاءِ  كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ  فِي قَوْمِ   نُوحٍ  فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا  عَلَى قُبُورِهِمْ  ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ فَعَبَدُوهُمْ  قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  :  ثُمَّ  صَارَتْ هَذِهِ الْأَوْثَانُ  فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ . وَقَدْ  أَحْدَثَ قَوْمٌ  مِنْ مَلَاحِدَةِ   الْفَلَاسِفَةِ الدَّهْرِيَّةِ  لِلشِّرْكِ شَيْئًا آخَرَ ذَكَرُوهُ  فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ  كَمَا  ذَكَرَ  ذَلِكَ  ابْنُ  سِينَا  وَمَنْ  أَخَذَ عَنْهُ كَصَاحِبِ الْكُتُبِ الْمَضْنُونِ بِهَا وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا مَعْنَى الشَّفَاعَةِ  عَلَى  أَصْلِهِمْ فَإِنَّهُمْ  لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ  خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ  فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَلَا  أَنَّهُ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ وَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ عِبَادِهِ وَيُجِيبُ دُعَاءَهُمْ  . فَشَفَاعَةُ  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ  عَلَى  أَصْلِهِمْ لَيْسَتْ  كَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ  الْإِيمَانِ  مِنْ  أَنَّهَا دُعَاءٌ يَدْعُو  بِهِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ دُعَاءَهُ ;  كَمَا  أَنَّ مَا يَكُونُ  مِنْ إنْزَالِ الْمَطَرِ بِاسْتِسْقَائِهِمْ لَيْسَ سَبَبُهُ عِنْدَهُمْ إجَابَةَ دُعَائِهِمْ . بَلْ هُمْ يَزْعُمُونَ  أَنَّ الْمُؤَثِّرَ  فِي حَوَادِثِ الْعَالَمِ هُوَ قُوَى النَّفْسِ أَوْ الْحَرَكَاتُ الْفَلَكِيَّةُ أَوْ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةُ فَيَقُولُونَ : إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا  أَحَبَّ رَجُلًا صَالِحًا قَدْ مَاتَ لَا سِيَّمَا إنْ  زَارَ قَبْرَهُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِرُوحِهِ اتِّصَالٌ بِرُوحِ  ذَلِكَ الْمَيِّتِ فِيمَا يَفِيضُ  عَلَى تِلْكَ الرُّوحِ الْمُفَارِقَةِ  مِنْ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَهُمْ أَوْ النَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ يَفِيضُ  عَلَى هَذِهِ الرُّوحِ  الزَّائِرَةِ الْمُسْتَشْفِعَةِ  مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ اللَّهُ بِشَيْءِ  مِنْ  ذَلِكَ - بَلْ وَقَدْ لَا تَعْلَمُ الرُّوحُ الْمُسْتَشْفَعُ بِهَا  بِذَلِكَ - وَمَثَّلُوا  ذَلِكَ بِالشَّمْسِ إذَا قَابَلَهَا مِرْآةٌ فَإِنَّهُ يَفِيضُ  عَلَى الْمِرْآةِ  مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ  ثُمَّ إذَا قَابَلَ الْمِرْآةَ مِرْآةٌ أُخْرَى فَاضَ عَلَيْهَا  مِنْ تِلْكَ الْمِرْآةِ  وَإِنْ قَابَلَ تِلْكَ الْمِرْآةَ حَائِطٌ أَوْ مَاءٌ فَاضَ عَلَيْهِ  مِنْ شُعَاعِ تِلْكَ الْمِرْآةِ فَهَكَذَا الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُمْ  وَعَلَى  هَذَا الْوَجْهِ يَنْتَفِعُ  الزَّائِرُ عِنْدَهُمْ .  وَفِي  هَذَا الْقَوْلِ  مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مَا لَا  يَخْفَى  عَلَى مَنْ تَدَبَّرَهُ .  وَلَا رَيْبَ  أَنَّ الْأَوْثَانَ يَحْصُلُ عِنْدَهَا  مِنْ  الشَّيَاطِينِ وَخِطَابِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ مَا هُوَ  مِنْ أَسْبَابِ ضَلَالِ بَنِي  آدَمَ  وَجَعْلِ الْقُبُورِ أَوْثَانًا هُوَ أَوَّلُ الشِّرْكِ وَلِهَذَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْقُبُورِ لِبَعْضِ النَّاسِ  مِنْ خِطَابٍ يَسْمَعُهُ وَشَخْصٍ يَرَاهُ وَتَصَرُّفٍ عَجِيبٍ مَا يَظُنُّ  أَنَّهُ  مِنْ الْمَيِّتِ وَقَدْ يَكُونُ  مِنْ الْجِنِّ  وَالشَّيَاطِينِ مِثْلَ أَنْ يَرَى الْقَبْرَ قَدْ انْشَقَّ  وَخَرَجَ مِنْهُ الْمَيِّتُ وَكَلَّمَهُ وَعَانَقَهُ  وَهَذَا يُرَى عِنْدَ قُبُورِ  الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ  شَيْطَانٌ  فَإِنَّ  الشَّيْطَانَ يَتَصَوَّرُ بِصُوَرِ الْإِنْسِ وَيَدَّعِي أَحَدُهُمْ  أَنَّهُ النَّبِيُّ فُلَانٌ أَوْ الشَّيْخُ فُلَانٌ وَيَكُونُ كَاذِبًا  فِي  ذَلِكَ .  وَفِي  هَذَا الْبَابِ  مِنْ الْوَقَائِعِ مَا يَضِيقُ  هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ ذِكْرِهِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَالْجَاهِلُ يَظُنُّ  أَنَّ  ذَلِكَ الَّذِي  رَآهُ قَدْ  خَرَجَ  مِنْ الْقَبْرِ وَعَانَقَهُ أَوْ كَلَّمَهُ هُوَ الْمَقْبُورُ أَوْ النَّبِيُّ أَوْ الصَّالِحُ وَغَيْرُهُمَا وَالْمُؤْمِنُ الْعَظِيمُ يَعْلَمُ  أَنَّهُ  شَيْطَانٌ وَيَتَبَيَّنُ  ذَلِكَ بِأُمُورِ : ( أَحَدُهَا : أَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ بِصِدْقِ فَإِذَا قَرَأَهَا تَغَيَّبَ  ذَلِكَ الشَّخْصُ أَوْ  سَاخَ  فِي الْأَرْضِ أَوْ احْتَجَبَ وَلَوْ  كَانَ رَجُلًا صَالِحًا أَوْ مَلِكًا أَوْ جِنِّيًّا مُؤْمِنًا لَمْ تَضُرَّهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَإِنَّمَا تَضُرُّ  الشَّيَاطِينَ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ  مِنْ {   حَدِيثِ  أَبِي هُرَيْرَةَ  لَمَّا  قَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ : اقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ عَلَيْك  مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك  شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ .  فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ   }  . و ( مِنْهَا أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ  مِنْ  الشَّيَاطِينِ .  و ( مِنْهَا أَنْ يَسْتَعِيذَ بِالْعُوَذِ الشَّرْعِيَّةِ  فَإِنَّ  الشَّيَاطِينَ  كَانَتْ تَعْرِضُ  لِلْأَنْبِيَاءِ  فِي حَيَاتِهِمْ وَتُرِيدُ أَنْ تُؤْذِيَهُمْ وَتُفْسِدَ عِبَادَتَهُمْ  كَمَا جَاءَتْ الْجِنُّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِشُعْلَةِ  مِنْ النَّارِ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِقَهُ  فَأَتَاهُ   جِبْرِيلُ  بِالْعُوذَةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ  أَبِي التَّيَّاحِ  أَنَّهُ  قَالَ   {   سَأَلَ رَجُلٌ  عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ حبيش  وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَيْفَ  صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حِينَ  كَادَتْهُ  الشَّيَاطِينُ ؟  قَالَ : تَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ  مِنْ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ  وَفِيهِمْ  شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ  مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَالَ فَرَعَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَأَتَاهُ   جِبْرِيلُ   عَلَيْهِ السَّلَامُ  فَقَالَ : يَا   مُحَمَّدُ  قُلْ  قَالَ مَا أَقُولُ ؟  قَالَ قُلْ  أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ  مِنْ شَرِّ مَا  خَلَقَ  وَذَرَأَ وَبَرَأَ  وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ  مِنْ السَّمَاءِ  وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ  فِيهَا  وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ  مِنْ الْأَرْضِ  وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ  فِيهَا  وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ  وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ يَطْرُقُ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرِ يَا رَحْمَنُ  قَالَ فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ  وَهَزَمَهُمْ اللَّهُ  عَزَّ  وَجَلَّ .   }  وَثَبَتَ  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ عِفْرِيتًا  مِنْ الْجِنِّ جَاءَ يَفْتِكُ بِي الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ  عَزَّ  وَجَلَّ مِنْهُ فذعته فَأَرَدْت أَنْ آخُذَهُ فَأَرْبِطَهُ إلَى  سَارِيَةٍ  مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إلَيْهِ  ثُمَّ ذَكَرْت قَوْلَ   سُلَيْمَانَ   عَلَيْهِ السَّلَامُ   {  رَبِّ اغْفِرْ  لِي  وَهَبْ  لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ  مِنْ بَعْدِي   }  فَرَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى خَاسِئًا   }  . وَعَنْ  عَائِشَةَ   {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  كَانَ  يُصَلِّي  فَأَتَاهُ  الشَّيْطَانُ  فَأَخَذَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَصَرَعَهُ فَخَنَقَهُ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَتَّى وَجَدْت بَرْدَ لِسَانِهِ  عَلَى  يَدِي وَلَوْلَا دَعْوَةُ   سُلَيْمَانَ  لَأَصْبَحَ مُوَثَّقًا حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ   }  أَخْرَجَهُ  النسائي  وَإِسْنَادُهُ  عَلَى شَرْطِ  الْبُخَارِيِّ  كَمَا  ذَكَرَ  ذَلِكَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  المقدسي  فِي  مُخْتَارِهِ  الَّذِي هُوَ خَيْرٌ  مِنْ   صَحِيحِ  الْحَاكِمِ  . وَعَنْ  أَبِي سَعِيدٍ  الخدري   {  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ  يُصَلِّي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَهُوَ خَلْفَهُ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ  الْقِرَاءَةُ  فَلَمَّا فَرَغَ  مِنْ صِلَاتِهِ  قَالَ لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْت  بِيَدِي  فَمَا  زِلْت أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْت بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ أُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ - الْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي  تَلِيهَا - وَلَوْلَا دَعْوَةُ  أَخِي   سُلَيْمَانَ  لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا  بِسَارِيَةِ  مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ يَتَلَاعَبُ  بِهِ صِبْيَانُ  الْمَدِينَةِ  فَمَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ  فَلْيَفْعَلْ   }  رَوَاهُ الْإِمَامُ  أَحْمَدُ  فِي مُسْنَدِهِ  وَأَبُو داود  فِي سُنَنِهِ  .  وَفِي   صَحِيحِ  مُسْلِمٍ  عَنْ  أَبِي الدَّرْدَاءِ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   قَامَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يُصَلِّي فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ  أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك  ثُمَّ  قَالَ  أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَبَسَطَ يَدَهُ  كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا  فَلَمَّا فَرَغَ  مِنْ صَلَاتِهِ  قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْنَاك تَقُولُ شَيْئًا  فِي الصَّلَاةِ لَمْ نَسْمَعْك تَقُولُهُ قَبْلَ  ذَلِكَ وَرَأَيْنَاك بَسَطْت  يَدَك .  قَالَ إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابِ  مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ  فِي وَجْهِي فَقُلْت :  أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  ثُمَّ قُلْت :  أَلْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ فَاسْتَأْخَرَ .  ثُمَّ أَرَدْت أَنْ آخُذَهُ وَلَوْلَا دَعْوَةُ  أَخِينَا   سُلَيْمَانَ  لَأَصْبَحَ مُوَثَّقًا يَلْعَبُ  بِهِ وِلْدَانُ  الْمَدِينَةِ   }  . فَإِذَا  كَانَتْ  الشَّيَاطِينُ  تَأْتِي  الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ  لِتُؤْذِيَهُمْ وَتُفْسِدَ عِبَادَتَهُمْ فَيَدْفَعُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا يُؤَيِّدُ  بِهِ  الْأَنْبِيَاءَ  مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالْعِبَادَةِ  وَمِنْ الْجِهَادِ بِالْيَدِ ;  فَكَيْفَ مَنْ هُوَ  دُونَ  الْأَنْبِيَاءِ ؟ . فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَمَعَ  شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِمَا أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى  مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ  وَمِنْ أَعْظَمِهَا الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ . وَأَكْثَرُ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ فَمَنْ  كَانَ مُتَّبِعًا  لِلْأَنْبِيَاءِ نَصَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِمَا نَصَرَ  بِهِ  الْأَنْبِيَاءَ .  وَأَمَّا مَنْ ابْتَدَعَ دِينًا لَمْ يَشْرَعُوهُ  فَتَرَكَ مَا أَمَرُوا  بِهِ  مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا  شَرِيكَ لَهُ وَاتِّبَاعِ نَبِيِّهِ فِيمَا  شَرَعَهُ  لِأُمَّتِهِ وَابْتَدَعَ الْغُلُوَّ  فِي  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالشِّرْكَ بِهِمْ  فَإِنَّ  هَذَا تَتَلَعَّبُ  بِهِ  الشَّيَاطِينُ  قَالَ تَعَالَى : {   إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ  عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا  وَعَلَى  رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ   }   {   إنَّمَا  سُلْطَانُهُ  عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ  بِهِ مُشْرِكُونَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   إنَّ  عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ   }  . و ( مِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ الرَّائِي  بِذَلِكَ  رَبَّهُ  تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِيُبَيِّنَ لَهُ الْحَالَ . و ( مِنْهَا أَنْ يَقُولَ  لِذَلِكَ الشَّخْصِ :  أَأَنْت فُلَانٌ ؟ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ بِالْأَقْسَامِ الْمُعَظَّمَةِ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِ قَوَارِعَ الْقُرْآنِ إلَى غَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَضُرُّ  الشَّيَاطِينَ . وَهَذَا  كَمَا إنَّ كَثِيرًا  مِنْ الْعِبَادِ يَرَى   الْكَعْبَةَ  تَطُوفُ  بِهِ وَيَرَى عَرْشًا عَظِيمًا  وَعَلَيْهِ صُورَةٌ عَظِيمَةٌ وَيَرَى أَشْخَاصًا تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ فَيَظُنُّهَا الْمَلَائِكَةَ وَيَظُنُّ  أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ هِيَ اللَّهُ - تَعَالَى وَتَقَدَّسَ - وَيَكُونُ  ذَلِكَ  شَيْطَانًا . وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ  مِنْ النَّاسِ فَمِنْهُمْ مَنْ  عَصَمَهُ اللَّهُ  وَعَرَفَ  أَنَّهُ  الشَّيْطَانُ كَالشَّيْخِ  عَبْدِ الْقَادِرِ  فِي حِكَايَتِهِ الْمَشْهُورَةِ حَيْثُ  قَالَ :  كُنْت مَرَّةً  فِي الْعِبَادَةِ فَرَأَيْت عَرْشًا عَظِيمًا وَعَلَيْهِ نُورٌ  فَقَالَ  لِي : يَا  عَبْدَ الْقَادِرِ  أَنَا رَبُّك وَقَدْ حَلَلْت  لَك مَا حَرَّمْت  عَلَى غَيْرِك .  قَالَ : فَقَلَتْ لَهُ  أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ اخْسَأْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ .  قَالَ : فَتَمَزَّقَ  ذَلِكَ النُّورُ  وَصَارَ ظُلْمَةً  وَقَالَ يَا  عَبْدَ الْقَادِرِ  نَجَوْت مِنِّي بِفِقْهِك  فِي دِينِك وَعِلْمِك  وَبِمُنَازَلَاتِك  فِي أَحْوَالِك . لَقَدْ  فَتَنْت بِهَذِهِ الْقِصَّةِ سَبْعِينَ رَجُلًا .  فَقِيلَ لَهُ :  كَيْفَ عَلِمْت  أَنَّهُ  الشَّيْطَانُ ؟  قَالَ بِقَوْلِهِ  لِي " حَلَلْت  لَك مَا حَرَّمْت  عَلَى غَيْرِك " وَقَدْ عَلِمْت  أَنَّ شَرِيعَةَ   مُحَمَّدٍ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَا تُنْسَخُ وَلَا تُبَدَّلُ وَلِأَنَّهُ  قَالَ أَنَا رَبُّك وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ أَنَا اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا أَنَا . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ اعْتَقَدَ  أَنَّ الْمَرْئِيَّ هُوَ اللَّهُ  وَصَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَعْتَقِدُونَ  أَنَّهُمْ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى  فِي الْيَقَظَةِ وَمُسْتَنَدُهُمْ مَا شَاهَدُوهُ . وَهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا يُخْبِرُونَ  بِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمُوا  أَنَّ  ذَلِكَ هُوَ  الشَّيْطَانُ .  وَهَذَا قَدْ  وَقَعَ كَثِيرًا لِطَوَائِفَ  مِنْ جُهَّالِ الْعِبَادِ يَظُنُّ أَحَدُهُمْ  أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى بِعَيْنِهِ  فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ رَأَى مَا  ظَنَّ  أَنَّهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا هُوَ  شَيْطَانٌ . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ رَأَى مَنْ  ظَنَّ  أَنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ صَالِحٌ أَوْ  الْخَضِرُ  وَكَانَ  شَيْطَانًا . وَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ   {   مَنْ  رَآنِي  فِي  الْمَنَامِ فَقَدْ  رَآنِي حَقًّا  فَإِنَّ  الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ  فِي صُورَتِي   }  فَهَذَا  فِي رُؤْيَةِ الْمَنَامِ  لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ  فِي الْمَنَامِ تَكُونُ حَقًّا وَتَكُونُ  مِنْ  الشَّيْطَانِ فَمَنَعَهُ اللَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ  بِهِ  فِي الْمَنَامِ  وَأَمَّا  فِي الْيَقَظَةِ  فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ بِعَيْنِهِ  فِي الدُّنْيَا  . فَمَنْ  ظَنَّ  أَنَّ الْمَرْئِيَّ هُوَ الْمَيِّتُ فَإِنَّمَا  أُتِيَ  مِنْ جَهْلِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ مِثْلُ  هَذَا لِأَحَدِ  مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ  لَهُمْ بِإِحْسَانِ .  وَبَعْضُ مَنْ رَأَى  هَذَا - أَوْ صَدَّقَ مَنْ  قَالَ  أَنَّهُ  رَآهُ - اعْتَقَدَ  أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَكُونُ  بِمَكَانَيْنِ  فِي  حَالَةٍ  وَاحِدَةٍ فَخَالَفَ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ رَقِيقَةُ  ذَلِكَ الْمَرْئِيِّ أَوْ هَذِهِ رُوحَانِيَّتُهُ أَوْ  هَذَا مَعْنَاهُ تَشَكَّلَ وَلَا يَعْرِفُونَ  أَنَّهُ جِنِّيٌّ تَصَوَّرَ بِصُورَتِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ  أَنَّهُ  مَلَكٌ  وَالْمَلَكُ يَتَمَيَّزُ عَنْ الْجِنِّيِّ بِأُمُورِ  كَثِيرَةٍ وَالْجِنُّ  فِيهِمْ الْكُفَّارُ وَالْفُسَّاقُ وَالْجُهَّالُ  وَفِيهِمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّبِعُونَ   لِمُحَمَّدِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا فَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ  أَنَّ هَؤُلَاءِ جِنٌّ  وَشَيَاطِينُ أَرْسِلَانِ مَلَائِكَةً .  وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الْكَوَاكِبَ وَغَيْرَهَا  مِنْ الْأَوْثَانِ تَتَنَزَّلُ  عَلَى أَحَدِهِمْ رُوحٌ يَقُولُ هِيَ رُوحَانِيَّةُ الْكَوَاكِبِ وَيَظُنُّ بَعْضُهُمْ  أَنَّهُ  مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَإِنَّمَا هُوَ  مِنْ الْجِنِّ  وَالشَّيَاطِينِ يُغْوُونَ الْمُشْرِكِينَ .