تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَإِنَّمَا نَعْرِفُ النِّزَاعَ فِي الْحَلِفِ بِالْأَنْبِيَاءِ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَتَانِ . إحْدَاهُمَا لَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَالثَّانِيَةُ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَالْقَاضِي وَأَتْبَاعِهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَافَقَ هَؤُلَاءِ . وَقَصَرَ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَعَدَّى ابْنُ عَقِيلٍ هَذَا الْحُكْمَ إلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ . وَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ بِالْحَلِفِ بِمَخْلُوقِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ وَالنُّصُوصِ فَالْإِقْسَامُ بِهِ عَلَى اللَّهِ - وَالسُّؤَالُ بِهِ بِمَعْنَى الْإِقْسَامِ - هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ . وَأَمَّا السُّؤَالُ بِالْمَخْلُوقِ إذَا كَانَتْ فِيهِ بَاءُ السَّبَبِ لَيْسَتْ بَاءَ الْقَسَمِ - وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ - فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِإِبْرَارِ الْقَسَمِ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ : أَتَكْسِرُ ثَنِيَّةَ الربيع ؟ قَالَ : لَا وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا تَكْسِرْ سِنَّهَا . فَقَالَ : يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ } وَقَالَ : { رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ : { أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ . أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ } وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَالْآخَرُ مِنْ إفْرَادِ مُسْلِمٍ وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْلِهِ : { إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَنَّهُ قَالَ : مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ } وَكَانَ الْبَرَاءُ إذَا اشْتَدَّتْ الْحَرْبُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ يَقُولُونَ : يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّك . فَيُقْسِمُ عَلَى اللَّهِ فَتَنْهَزِمُ الْكُفَّارُ . فَلَمَّا كَانُوا عَلَى قَنْطَرَةٍ بِالسُّوسِ قَالُوا : يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّك . فَقَالَ : يَا رَبِّ أَقْسَمْت عَلَيْك لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ وَجَعَلْتنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ . فَأَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَهُ فَانْهَزَمَ الْعَدُوُّ وَاسْتُشْهِدَ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ يَوْمَئِذٍ . وَهَذَا هُوَ أَخُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَتَلَ مِائَةَ رَجُلٍ مُبَارَزَةً غَيْرَ مَنْ شَرِكَ فِي دَمِهِ وَحُمِلَ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ عَلَى تُرْسٍ وَرُمِيَ بِهِ إلَى الْحَدِيقَةِ حَتَّى فَتَحَ الْبَابَ . وَالْإِقْسَامُ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُقْسِمُ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنْ حَنَّثَهُ وَلَمْ يُبِرَّ قَسَمَهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ لَا عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ صَدِيقِهِ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ الْحَانِثِ .