مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَأَمَّا   السُّؤَالُ بِحَقِّ فُلَانٍ فَهُوَ مَبْنِيٌّ  عَلَى أَصْلَيْنِ  : أَحَدُهُمَا مَا لَهُ  مِنْ الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ وَالثَّانِي هَلْ نَسْأَلُ اللَّهَ  بِذَلِكَ  كَمَا نَسْأَلُ بِالْجَاهِ وَالْحُرْمَةِ ؟  أَمَّا الْأَوَّلُ  فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ  وَقَاسَ الْمَخْلُوقَ  عَلَى الْخَالِقِ  كَمَا يَقُولُ  ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ  مِنْ   الْمُعْتَزِلَةِ  وَغَيْرِهِمْ .  وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لَا  حَقَّ لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْخَالِقِ بِحَالِ لَكِنْ يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ بِحُكْمِ وَعْدِهِ وَخَبَرِهِ  كَمَا يَقُولُ  ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ  مِنْ أَتْبَاعِ  جَهْمٍ  وَالْأَشْعَرِيِّ  وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ كَتَبَ اللَّهُ  عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ  وَأَوْجَبَ  عَلَى نَفْسِهِ حَقًّا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ  كَمَا حَرَّمَ الظُّلْمَ  عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُوجِبْ  ذَلِكَ مَخْلُوقٌ عَلَيْهِ وَلَا  يُقَاسُ بِمَخْلُوقَاتِهِ بَلْ هُوَ بِحُكْمِ رَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ كَتَبَ  عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وَحَرَّمَ  عَلَى نَفْسِهِ الظُّلْمَ  كَمَا  قَالَ  فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ : {   يَا  عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ  عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا  فَلَا  تظالموا   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   كَتَبَ رَبُّكُمْ  عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَكَانَ حَقًّا  عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ   {   عَنْ  مُعَاذٍ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ  قَالَ : يَا  مُعَاذُ  أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ  عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْت : اللَّهُ وَرَسُولُهُ  أَعْلَمُ  قَالَ : حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا  بِهِ شَيْئًا . يَا  مُعَاذُ  أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ  عَلَى اللَّهِ إذَا  فَعَلُوا  ذَلِكَ ؟ قُلْت اللَّهُ وَرَسُولُهُ  أَعْلَمُ  قَالَ : حَقُّهُمْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ   }  فَعَلَى  هَذَا الْقَوْلِ  لِأَنْبِيَائِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ حَقٌّ  أَوْجَبَهُ  عَلَى نَفْسِهِ مَعَ إخْبَارِهِ  وَعَلَى الثَّانِي يَسْتَحِقُّونَ مَا  أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ  وَإِنْ لَمْ يَكُنْ  ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ .  فَمَنْ  قَالَ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْخَالِقِ حَقٌّ يُسْأَلُ  بِهِ -  كَمَا رُوِيَ  أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى  قَالَ   لداود  : وَأَيُّ حَقٍّ لِآبَائِك عَلَيَّ ؟ - فَهُوَ صَحِيحٌ إذَا  أُرِيدَ  بِذَلِكَ  أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ عَلَيْهِ حَقٌّ  بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ  عَلَى خَلْقِهِ  كَمَا يَجِبُ لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْمَخْلُوقِ  وَهَذَا  كَمَا يَظُنُّهُ جُهَّالُ الْعُبَّادِ  مِنْ  أَنَّ  لَهُمْ  عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَقًّا بِعِبَادَتِهِمْ .  وَذَلِكَ  أَنَّ النُّفُوسَ الْجَاهِلِيَّةَ تَتَخَيَّلُ  أَنَّ الْإِنْسَانَ بِعِبَادَتِهِ وَعِلْمِهِ يَصِيرُ لَهُ  عَلَى اللَّهِ حَقٌّ  مِنْ جِنْسِ مَا يَصِيرُ لِلْمَخْلُوقِ  عَلَى الْمَخْلُوقِ كَاَلَّذِينَ يَخْدِمُونَ مُلُوكَهُمْ وَمُلَّاكَهُمْ فَيَجْلِبُونَ  لَهُمْ مَنْفَعَةً وَيَدْفَعُونَ عَنْهُمْ مَضَرَّةً وَيَبْقَى أَحَدُهُمْ يَتَقَاضَى الْعِوَضَ  وَالْمُجَازَاةَ  عَلَى  ذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ جَفَاءٍ أَوْ إعْرَاضٍ يَرَاهُ مِنْهُ : أَلَمْ أَفْعَلْ  كَذَا ؟ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مَعَهُ  وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ  كَانَ  ذَلِكَ  فِي نَفْسِهِ . وَتَخَيُّلُ مِثْلِ  هَذَا  فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى  مِنْ جَهْلِ  الْإِنْسَانِ وَظُلْمِهِ  وَلِهَذَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ  أَنَّ عَمَلَ  الْإِنْسَانِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ  وَأَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ  كَمَا  فِي قَوْله تَعَالَى   {   إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ  وَإِنْ أَسَأْتُمْ  فَلَهَا   }   وقَوْله تَعَالَى   {   مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ  أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ   }   وقَوْله تَعَالَى   {   إنْ تَكْفُرُوا  فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ  وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ   }   وقَوْله تَعَالَى   {   وَمَنْ  شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ  كَفَرَ  فَإِنَّ  رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ   }  وَقَالَ تَعَالَى :  فِي قِصَّةِ  مُوسَى   عَلَيْهِ السَّلَامُ   {   لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ   }   {  وَقَالَ  مُوسَى إنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ  فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا  فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ  فِي الْكُفْرِ إنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلِلَّهِ  عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ  كَفَرَ  فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ   }  . وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ  أَنَّهُ الْمَانُّ بِالْعَمَلِ  فَقَالَ تَعَالَى : {   يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ  لِلْإِيمَانِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَاعْلَمُوا  أَنَّ  فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ  فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ  وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ  الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ  فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ   }   {   فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ   }  .  وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ :   {   يَا  عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا  ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي . يَا  عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلَا أُبَالِي فَاسْتَغْفِرُونِي  أَغْفِرْ لَكُمْ . يَا  عِبَادِي لَوْ  أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ  كَانُوا  عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ  ذَلِكَ  مِنْ مُلْكِي شَيْئًا . يَا  عِبَادِي لَوْ  أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ  كَانُوا  عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا  زَادَ  ذَلِكَ  فِي مُلْكِي شَيْئًا . يَا  عِبَادِي لَوْ  أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا  فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْت كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ  ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلَّا  كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إذَا  أُدْخِلَ الْبَحْرَ   }  .