مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَمِمَّا يُوهِنُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ  أَنَّهُ  قَالَ  فِيهَا " وَلَمْ تَصْرِفْ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ  وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ  أَبِيك  آدَمَ  إلَى اللَّهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ " إنَّمَا يَدُلُّ  عَلَى  أَنَّهُ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ تَتَوَسَّلُ النَّاسُ بِشَفَاعَتِهِ  وَهَذَا حَقٌّ  كَمَا تَوَاتَرَتْ  بِهِ الْأَحَادِيثُ لَكِنْ إذَا  كَانَ النَّاسُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  كَمَا  كَانَ أَصْحَابُهُ يَتَوَسَّلُونَ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ  فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّمَا ذَاكَ طَلَبٌ لِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ فَنَظِيرُ  هَذَا - لَوْ  كَانَتْ الْحِكَايَةُ صَحِيحَةً - أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ  فِي الدُّنْيَا عِنْدَ قَبْرِهِ .  وَمَعْلُومٌ  أَنَّ  هَذَا لَمْ يَأْمُرْ  بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلَا  سَنَّهُ  لِأُمَّتِهِ وَلَا  فَعَلَهُ أَحَدٌ  مِنْ   الصَّحَابَةِ   وَالتَّابِعِينَ  لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ  مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا  مَالِكٌ  وَلَا غَيْرُهُ  مِنْ الْأَئِمَّةِ  فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى  مَالِكٍ  مِثْلُ  هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَقُولُهُ إلَّا جَاهِلٌ لَا يَعْرِفُ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَا الْأَحْكَامَ الْمَعْلُومَةَ  أَدِلَّتُهَا الشَّرْعِيَّةُ مَعَ عُلُوِّ قَدْرِ  مَالِكٍ  وَعِظَمِ فَضِيلَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَتَمَامِ رَغْبَتِهِ  فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَذَمِّ الْبِدَعِ وَأَهْلِهَا ؟ وَهَلْ يَأْمُرُ بِهَذَا أَوْ يَشْرَعُهُ إلَّا مُبْتَدِعٌ ؟ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ  مَالِكٍ  قَوْلٌ يُنَاقِضُ  هَذَا لَعُلِمَ  أَنَّهُ لَا يَقُولُ مِثْلَ  هَذَا .  ثُمَّ  قَالَ  فِي الْحِكَايَةِ : " اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ  بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ " وَالِاسْتِشْفَاعُ  بِهِ مَعْنَاهُ  فِي اللُّغَةِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الشَّفَاعَةَ  كَمَا يَسْتَشْفِعُ النَّاسُ  بِهِ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ  وَكَمَا  كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَشْفِعُونَ  بِهِ . وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الَّذِي  فِي السُّنَنِ {  أَنَّ أَعْرَابِيًّا  قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ جَهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَجَاعَ  الْعِيَالُ  وَهَلَكَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك وَنَسْتَشْفِعُ  بِك  عَلَى اللَّهِ فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  حَتَّى عُرِفَ  ذَلِكَ  فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ  وَقَالَ وَيْحَك أَتَدْرِي مَا تَقُولُ ؟ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ  مِنْ  ذَلِكَ إنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ  بِهِ  عَلَى أَحَدٍ  مِنْ خَلْقِهِ   }  وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ .  فَأَنْكَرَ قَوْلَهُ " نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك " وَمَعْلُومٌ  أَنَّهُ لَا يُنْكَرُ أَنْ يُسْأَلَ الْمَخْلُوقُ بِاَللَّهِ أَوْ يُقْسَمَ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ وَإِنَّمَا  أَنْكَرَ أَنْ  يَكُونَ اللَّهُ شَافِعًا إلَى الْمَخْلُوقِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكَرْ قَوْلُهُ " نَسْتَشْفِعُ  بِك  عَلَى اللَّهِ " فَإِنَّهُ هُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ . وَهُمْ - لَوْ  كَانَتْ الْحِكَايَةُ صَحِيحَةً - إنَّمَا يَجِيئُونَ إلَيْهِ  لِأَجْلِ طَلَبِ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَلِهَذَا  قَالَ  فِي تَمَامِ الْحِكَايَةِ :   {   وَلَوْ  أَنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا  أَنْفُسَهُمْ  جَاءُوكَ   }  الْآيَةَ وَهَؤُلَاءِ إذَا شُرِعَ  لَهُمْ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الشَّفَاعَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِذَا أَجَابَهُمْ فَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ  لَهُمْ وَاسْتِغْفَارُهُ  لَهُمْ دُعَاءٌ مِنْهُ وَشَفَاعَةٌ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ  لَهُمْ . وَإِذَا  كَانَ الِاسْتِشْفَاعُ مِنْهُ طَلَبُ شَفَاعَتِهِ فَإِنَّمَا  يُقَالُ  فِي  ذَلِكَ " اسْتَشْفِعْ  بِهِ فَيُشَفِّعْهُ اللَّهُ  فِيك " لَا  يُقَالُ : فَيُشَفِّعْك اللَّهُ  فِيهِ . وَهَذَا مَعْرُوفُ الْكَلَامِ وَلُغَةُ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ  وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ  يُقَالُ : شَفَعَ فُلَانٌ  فِي فُلَانٍ فَشُفِّعَ  فِيهِ . فَالْمُشَفَّعُ الَّذِي يُشَفِّعُهُ الْمَشْفُوعُ إلَيْهِ هُوَ الشَّفِيعُ الْمُسْتَشْفَعُ  بِهِ . لَا  السَّائِلُ الطَّالِبُ  مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ  فَإِنَّ  هَذَا لَيْسَ هُوَ الَّذِي شَفَعَ   فَمُحَمَّدٌ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الشَّفِيعُ الْمُشَفَّعُ لَيْسَ الْمُشَفَّعُ الَّذِي يُسْتَشْفَعُ  بِهِ . وَلِهَذَا يَقُولُ  فِي دُعَائِهِ : يَا  رَبِّ شَفِّعْنِي فَيُشَفِّعْهُ اللَّهُ فَيَطْلُبُ  مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يُشَفِّعَهُ لَا أَنْ يُشَفِّعْ  طَالِبِي شَفَاعَتِهِ  فَكَيْفَ يَقُولُ : وَاسْتَشْفِعْ  بِهِ فَيُشَفِّعْك اللَّهُ ؟ وَأَيْضًا  فَإِنَّ  طَلَبَ شَفَاعَتِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعِنْدَ قَبْرِهِ لَيْسَ مَشْرُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ  مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا  ذَكَرَ  هَذَا أَحَدٌ  مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَإِنَّمَا  ذَكَرَ  هَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ : ذَكَرُوا حِكَايَةً عَنْ  العتبي  أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا أَتَى قَبْرَهُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ  وَأَنَّهُ رَأَى  فِي الْمَنَامِ  أَنَّ اللَّهَ  غَفَرَ لَهُ .  وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ  مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ  مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعِينَ . الَّذِينَ يُفْتَى النَّاسُ بِأَقْوَالِهِمْ وَمَنْ  ذَكَرَهَا لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهَا دَلِيلًا شَرْعِيًّا . وَمَعْلُومٌ  أَنَّهُ لَوْ  كَانَ طَلَبُ دُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ مَشْرُوعًا  لَكَانَ   الصَّحَابَةُ   وَالتَّابِعُونَ  لَهُمْ بِإِحْسَانِ  أَعْلَمَ  بِذَلِكَ  وَأَسْبَقَ إلَيْهِ  مِنْ غَيْرِهِمْ  وَلَكَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَذْكُرُونَ  ذَلِكَ وَمَا  أَحْسَنَ مَا  قَالَ  مَالِكٌ   لَا يُصْلِحُ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ إلَّا مَا  أَصْلَحَ  أَوَّلَهَا  قَالَ : وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَصَدْرِهَا  أَنَّهُمْ  كَانُوا يَفْعَلُونَ  ذَلِكَ . فَمِثْلُ  هَذَا الْإِمَامِ  كَيْفَ يَشْرَعُ دِينًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدِ   السَّلَفِ  وَيَأْمُرُ الْأُمَّةَ أَنْ يَطْلُبُوا الدُّعَاءَ وَالشَّفَاعَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ - بَعْدَ مَوْتِ  الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ - مِنْهُمْ عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ  مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ؟ وَلَكِنَّ  هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي  فِي الْحِكَايَةِ يُشْبِهُ لَفْظَ كَثِيرٍ  مِنْ الْعَامَّةِ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الشَّفَاعَةِ  فِي مَعْنَى التَّوَسُّلِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَشْفِعُ إلَيْك بِفُلَانِ وَفُلَانٍ أَيْ نَتَوَسَّلُ  بِهِ .  وَيَقُولُونَ لِمَنْ تَوَسَّلَ  فِي دُعَائِهِ بِنَبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ " قَدْ تَشَفَّعَ  بِهِ "  مِنْ غَيْرِ أَنْ  يَكُونَ الْمُسْتَشْفَعُ  بِهِ شَفَعَ لَهُ وَلَا  دَعَا لَهُ بَلْ وَقَدْ يَكُونُ غَائِبًا لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ وَلَا شَفَعَ لَهُ  وَهَذَا لَيْسَ هُوَ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَأَصْحَابِهِ وَعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ ; بَلْ وَلَا هُوَ لُغَةُ   الْعَرَبِ  فَإِنَّ الِاسْتِشْفَاعَ طَلَبُ الشَّفَاعَةِ . وَالشَّافِعُ هُوَ الَّذِي يُشَفِّعُ  السَّائِلَ فَيَطْلُبُ لَهُ مَا يَطْلُبُ  مِنْ الْمَسْئُولِ الْمَدْعُوِّ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ .  وَأَمَّا الِاسْتِشْفَاعُ بِمَنْ لَمْ يَشْفَعْ  لِلسَّائِلِ وَلَا  طَلَبَ لَهُ حَاجَةً بَلْ وَقَدْ لَا يَعْلَمُ بِسُؤَالِهِ فَلَيْسَ  هَذَا اسْتِشْفَاعًا لَا  فِي اللُّغَةِ وَلَا  فِي  كَلَامِ مَنْ يَدْرِي مَا يَقُولُ : نَعَمْ  هَذَا سُؤَالٌ  بِهِ وَدُعَاؤُهُ لَيْسَ هُوَ اسْتِشْفَاعًا  بِهِ .  وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ  لَمَّا غَيَّرُوا اللُّغَةَ -  كَمَا غَيَّرُوا الشَّرِيعَةَ - وَسَمَّوْا  هَذَا اسْتِشْفَاعًا أَيْ سُؤَالًا بِالشَّافِعِ  صَارُوا يَقُولُونَ " اسْتَشْفِعْ  بِهِ فَيُشَفِّعْك " أَيْ يُجِيبُ سُؤَالَك  بِهِ  وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ  أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ  وَضَعَهَا جَاهِلٌ بِالشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَلَيْسَ لَفْظُهَا  مِنْ أَلْفَاظِ  مَالِكٍ  . نَعَمْ قَدْ يَكُونُ أَصْلُهَا صَحِيحًا وَيَكُونُ  مَالِكٌ  قَدْ  نَهَى عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ  فِي   مَسْجِدِ الرَّسُولِ  اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ  كَمَا  كَانَ  عُمَرُ  يَنْهَى عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ  فِي مَسْجِدِهِ وَيَكُونُ  مَالِكٌ  أَمَرَ بِمَا  أَمَرَ اللَّهُ  بِهِ  مِنْ تَعْزِيرِهِ وَتَوْقِيرِهِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ  بِمَالِكِ  أَنْ يَأْمُرَ  بِهِ .