تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)

التحليل الموضوعي

متن:
فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ لِعَدَمِ تَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةً وَصِحَّتُهَا أَصْلَانِ : الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ وَالْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِصْحَابُ وَانْتِفَاءُ الْمُحَرَّمِ . فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَنْوَاعِ الْمَسَائِلِ وَأَعْيَانِهَا إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ : هَلْ وَرَدَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أَمْ لَا ؟ . أَمَّا إذَا كَانَ الْمُدْرِكُ الِاسْتِصْحَابَ وَنَفْيَ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ : فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَعُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ وَيُفْتِيَ بِمُوجِبِ هَذَا الِاسْتِصْحَابِ وَالنَّفْيِ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ ; فَإِنَّ جَمِيعَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَحَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُغَيِّرٌ لِهَذَا الِاسْتِصْحَابِ . فَلَا يُوثَقُ بِهِ إلَّا بَعْدَ النَّظَرِ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ هُوَ النُّصُوصَ الْعَامَّةَ : فَالْعَامُّ الَّذِي كَثُرَتْ تَخْصِيصَاتُهُ الْمُنْتَشِرَةُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ : هَلْ هِيَ مِنْ الْمُسْتَخْرَجِ أَوْ مِنْ الْمُسْتَبْقِي ؟ وَهَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ . وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ تَخْصِيصُهُ أَوْ عُلِمَ تَخْصِيصُ صُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ : هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ الْمُعَارِضِ لَهُ ؟ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا . وَذَكَرُوا عَنْ أَحْمَد فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ : عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَنَحْوِهِمْ اسْتِعْمَالُ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَمَّا يُفَسِّرُهَا مِنْ السُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ ; فَإِنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مَا يُعَارِضُهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ . فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مُعَارِضِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ . وَهَذِهِ الْغَلَبَةُ لَا تَحْصُلُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَكْثَرِ العمومات إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ سَوَاءٌ جَعَلَ عَدَمَ الْمُعَارِضِ جُزْءًا مِنْ الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْقَرِينَةِ - كَمَا يَخْتَارُهُ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَلَا الْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - أَوْ جَعَلَ الْمُعَارِضَ الْمَانِعَ مِنْ الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرَ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ مَانِعَةٌ لِدَلَالَتِهِ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَالْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَعُودُ إلَى اعْتِبَارٍ عَقْلِيٍّ أَوْ إطْلَاقٍ لَفْظِيٍّ أَوْ اصْطِلَاحٍ جَدَلِيٍّ لَا يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ عِلْمِيٍّ أَوْ فِقْهِيٍّ . فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَدِلَّةُ النَّافِيَةُ لِتَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمُثْبِتَةِ لِحِلِّهَا : مَخْصُوصَةٌ بِجَمِيعِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَنْوَاعِ الْمَسَائِلِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُجَجِ الْخَاصَّةِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فَهِيَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ - الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ - أَشْبَهُ مِنْهَا بِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ الْأَحْكَامُ الْعَامَّةُ . نَعَمْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ فِي مَسْأَلَةٍ خِلَافِيَّةٍ أَوْ حَادِثَةٍ انْتَفَعَ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ . فَنَذْكُرُ مِنْ أَنْوَاعِهَا قَوَاعِدَ حُكْمِيَّةً مُطْلَقَةً . فَمِنْ ذَلِكَ : مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ أَخْرَجَ عَيْنًا مِنْ مِلْكِهِ بِمُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ أَوْ تَبَرُّعٍ كَالْوَقْفِ وَالْعِتْقِ - أَنْ يَسْتَثْنِيَ بَعْضَ مَنَافِعِهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَصْلُحُ فِيهِ الْغَرَرُ - كَالْبَيْعِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومًا ; لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والترمذي والنسائي عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { بِعْته - يَعْنِي بَعِيرَهُ - مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَرَطْت حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي } " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ أَوْ عَاشَ فُلَانٌ وَيَسْتَثْنِيَ غَلَّةَ الْوَقْفِ مَا عَاشَ الْوَاقِفُ . وَمِنْ ذَلِكَ : أَنَّ الْبَائِعَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ : صَحَّ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا ; لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَإِنْ كَانَ عَنْهُمَا قَوْلٌ بِخِلَافِهِ . ثُمَّ هَلْ يَصِيرُ الْعِتْقُ وَاجِبًا عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا يَجِبُ الْعِتْقُ بِالنَّذْرِ بِحَيْثُ يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ إذَا امْتَنَعَ أَمْ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْعِتْقِ كَمَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ بِفَوَاتِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْمَبِيعِ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِهِمَا . ثُمَّ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد يَرَوْنَ هَذَا خَارِجًا عَنْ الْقِيَاسِ ; لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ الْعِتْقِ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْمِلْكُ الَّذِي يَمْلِكُ صَاحِبُهُ التَّصَرُّفَ مُطْلَقًا . قَالُوا : وَإِنَّمَا جَوَّزَتْهُ السُّنَّةُ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ إلَى الْعِتْقِ تَشَوُّفٌ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ; وَلِذَلِكَ أَوْجَبَ فِيهِ السِّرَايَةَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إخْرَاجِ مِلْكِ الشَّرِيكِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِذَا كَانَ مَبْنَاهُ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ وَالنُّفُوذِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَمْ يُلْحَقْ بِهِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ غَيْرِهِ . وَأُصُولُ أَحْمَد وَنُصُوصُهُ تَقْتَضِي جَوَازَ شَرْطِ كُلِّ تَصَرُّفٍ فِيهِ مَقْصُودٌ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ غَيْرِهِ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِيلَ لِأَحْمَدَ : الرَّجُلُ يَبِيعُ الْجَارِيَةَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهَا ؟ فَأَجَازَهُ . فَقِيلَ لَهُ : فَإِنَّ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي حَنِيفَةَ - يَقُولُونَ : لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ . قَالَ : لِمَ لَا يَجُوزُ ؟ قَدْ اشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرَ جَابِرٍ وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَاشْتَرَتْ عَائِشَةُ بَرِيرَةَ عَلَى أَنْ تُعْتِقَهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ هَذَا ؟ قَالَ : وَإِنَّمَا هَذَا شَرْطٌ وَاحِدٌ . وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ عَنْ شَرْطَيْنِ . قِيلَ لَهُ : فَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَيَجُوزُ ؟ قَالَ : لَا يَجُوزُ . فَقَدْ نَازَعَ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ بِاشْتِرَاطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَ الْبَعِيرِ لِجَابِرِ وَبِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْمَبِيعِ . وَهُوَ نَقْصٌ لِمُوجِبِ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَاشْتِرَاطُ الْعِتْقِ فِيهِ تَصَرُّفٌ مَقْصُودٌ مُسْتَلْزِمٌ لِنَقْصِ مُوجِبِ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ . فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ فِي الْمَمْلُوكِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ الشَّرْطَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْجِنْسِ كُلِّهِ وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَمَا قَاسَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا يَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَمَّنْ اشْتَرَى مَمْلُوكًا وَاشْتَرَطَ : هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي ؟ قَالَ : هَذَا مُدَبَّرٌ فَجَوَّزَ اشْتِرَاطَ التَّدْبِيرِ بِالْعِتْقِ . وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي شَرْطِ التَّدْبِيرِ خِلَافٌ . صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ . وَكَذَلِكَ جَوَّزَ اشْتِرَاطَ التَّسَرِّي : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : سَأَلْت أَحْمَد عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا تَكُونُ نَفِيسَةً يُحِبُّ أَهْلُهَا أَنْ يَتَسَرَّى بِهَا وَلَا تَكُونُ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ . فَلَمَّا كَانَ التَّسَرِّي لِبَائِعِ الْجَارِيَةِ فِيهِ مَقْصُودٌ صَحِيحٌ جَوَّزَهُ . وَكَذَلِكَ جَوَّزَ أَنْ يَشْتَرِطَ بَائِعُ الْجَارِيَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَبِيعُهَا لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَأَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُهَا إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي بَيْعَهَا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ كَمَا رَوَوْهُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَامْرَأَتِهِ زَيْنَبَ . وَجِمَاعُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمَبِيعَ الَّذِي يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْعَقْدِ بِأَجْزَائِهِ وَمَنَافِعِهِ يَمْلِكَانِ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ } فَجَوَّزَ لِلْمُشْتَرِي اشْتِرَاطَ زِيَادَةٍ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ . وَيَمْلِكَانِ اشْتِرَاطَ النَّقْصِ مِنْهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ } " فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهَا إذَا عُلِمَتْ . وَكَمَا اسْتَثْنَى جَابِرٌ ظَهْرَ بَعِيرِهِ إلَى الْمَدِينَةِ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا أَعْلَمُهُ عَلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ . مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ الدَّارَ إلَّا رُبُعَهَا أَوْ ثُلُثَهَا وَاسْتِثْنَاءُ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ إذَا أَمْكَنَ فَصْلُهُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ . مِثْلَ أَنْ يَبِيعَهُ ثَمَرَ الْبُسْتَانِ إلَّا نَخَلَاتٍ بِعَيْنِهَا أَوْ الثِّيَابَ أَوْ الْعَبِيدَ أَوْ الْمَاشِيَةَ الَّتِي قَدْ رَأَيَاهَا إلَّا شَيْئًا مِنْهَا قَدْ عَيَّنَّاهُ . وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا أَوْ اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ شَهْرًا أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ إلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ مَعَ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ : عَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَنْفَعُ كَمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَإِنَّ مَنْفَعَةَ بُضْعِهَا الَّتِي يَمْلِكُهَا الزَّوْجُ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ كَمَا اشْتَرَتْ عَائِشَةُ بَرِيرَةَ وَكَانَتْ مُزَوَّجَةً . لَكِنْ هِيَ اشْتَرَتْهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَلَمْ تَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهَا إلَّا بِالْعِتْقِ وَالْعِتْقُ لَا يُنَافِي نِكَاحَهَا . فَلِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُوَ مِمَّنْ رَوَى حَدِيثَ بَرِيرَةَ - يَرَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا مَعَ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ; تَأْوِيلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قَالُوا : فَإِذَا ابْتَاعَهَا أَوْ اتَّهَبَهَا أَوْ وَرِثَهَا فَقَدْ مَلَكَتْهَا يَمِينُهُ . فَتُبَاحُ لَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِزَوَالِ مِلْكِ الزَّوْجِ . وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ : بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ فَلَمْ يَرْضَ أَحْمَد هَذِهِ الْحُجَّةَ ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ وَخَالَفَهُ . وَذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَمْلِكْ بَرِيرَةَ مِلْكًا مُطْلَقًا . ثُمَّ الْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ إذَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ فِيهَا - بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَانَ مَالِكُهَا مَعْصُومَ الْمِلْكِ - لَمْ يَزَلْ عَنْهَا مِلْكُ الزَّوْجِ وَمَلَكَهَا الْمُشْتَرِي وَنَحْوُهُ : إلَّا مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ . وَمِنْ حُجَّتِهِمْ : أَنَّ الْبَائِعَ نَفْسَهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ مِلْكَ الزَّوْجِ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ دُونَ الْبَائِعِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَكُونُ الْمِلْكُ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي أَتَمَّ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَالزَّوْجُ مَعْصُومٌ لَا يَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّهِ ; بِخِلَافِ الْمَسْبِيَّةِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ ; لِكَوْنِ أَهْلِ الْحَرْبِ تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ . وَكَذَلِكَ مَا مَلَكُوهُ مِنْ الْأَبْضَاعِ . وَكَذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ شَجَرًا قَدْ بَدَا ثَمَرُهُ - كَالنَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ - فَثَمَرُهُ لِلْبَائِعِ مُسْتَحَقُّ الْإِبْقَاءِ إلَى كَمَالِ صَلَاحِهِ فَيَكُونُ الْبَائِعُ قَدْ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ الشَّجَرِ إلَى كَمَالِ الصَّلَاحِ . وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ - كَالدَّارِ وَالْعَبْدِ - عَامَّتُهُمْ يُجَوِّزُهُ وَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي دُونَ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي لِلْمُسْتَأْجِرِ . وَكَذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ يُجَوِّزُونَ اسْتِثْنَاءَ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْعَقْدِ كَمَا فِي صُوَرِ الْوِفَاقِ . كَاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ مُعَيَّنًا وَمُشَاعًا وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِثْنَاءُ بَعْضِ أَجْزَائِهِ مُعَيَّنًا إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِفَصْلِهِ كَبَيْعِ الشَّاةِ وَاسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا : سَوَاقِطِهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالْجِلْدِ وَالْأَكَارِعِ . وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ ; فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ فِي الْإِجَارَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالزَّمَانِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزَّرْعِ أَوْ حَانُوتًا لِلتِّجَارَةِ فِيهِ أَوْ صِنَاعَةً أَوْ أَجِيرًا لِخِيَاطَةٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ ; أَوْ نَقَصَ مِنْهُ : فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي مِلْكَ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ حَيْثُ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فَيَنْقُلُهَا إلَى حَيْثُ شَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْمُحَرَّمِ أَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِيهِ وَيَقْتَضِي مِلْكًا لِلْمَهْرِ الَّذِي هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَمَلَكَهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ الْمَشَاهِيرِ وَلَوْ آلَى مِنْهَا ثَبَتَ لَهَا فِرَاقُهُ إذَا لَمْ يَفِئْ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْوَطْءَ وَقَسَّمَ الِابْتِدَاءَ ; بَلْ يَكْتَفِي بِالْبَاعِثِ الطَّبِيعِيِّ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَد ; فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ : أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَآثَارُ الصَّحَابَةِ وَالِاعْتِبَارُ . وَقِيلَ : يَتَقَدَّرُ الْوَطْءُ الْوَاجِبُ بِمَرَّةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اعْتِبَارًا بِالْإِيلَاءِ . وَيَجِبُ أَنْ يَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ . كَمَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَد وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ : أَنَّ مَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَالْمَبِيتِ لِلْمَرْأَةِ وكالاستمتاع لِلزَّوْجِ لَيْسَ بِمُقَدَّرِ ; بَلْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَالسُّنَّةِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدِ { : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِيهِ فَرَضَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ . كَمَا فَرَضَتْ الصَّحَابَةُ مِقْدَارَ الْوَطْءِ لِلزَّوْجِ بِمَرَّاتٍ مَعْدُودَةٍ وَمَنْ قَدَّرَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد الْوَطْءَ الْمُسْتَحَقَّ فَهُوَ كَتَقْدِيرِ الشَّافِعِيِّ النَّفَقَةَ ; إذْ كِلَاهُمَا تَحْتَاجُهُ الْمَرْأَةُ وَيُوجِبُهُ الْعَقْدُ . وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ بَعِيدٌ عَنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالِاعْتِبَارِ . وَالشَّافِعِيُّ إنَّمَا قَدَّرَهُ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ مِنْ نَفْيِهِ لِلْجَهَالَةِ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ قِيَاسًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَجَعَلَ النَّفَقَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ مُقَدَّرَةً : طَرْدًا لِذَلِكَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ . وَكَذَلِكَ يُوجِبُ الْعَقْدُ الْمُطْلَقُ : سَلَامَةَ الزَّوْجِ مِنْ الْجُبِّ وَالْعُنَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ . وَكَذَلِكَ يُوجِبُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ : سَلَامَتَهَا مِنْ مَوَانِعِ الْوَطْءِ كَالرَّتَقِ وَسَلَامَتَهَا مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ . وَكَذَلِكَ سَلَامَتُهُمَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَمْنَعُ كَمَالِهِ كَخُرُوجِ النَّجَاسَاتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ ; دُونَ الْجَمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَمُوجِبُهُ : كَفَاءَةُ الرَّجُلِ أَيْضًا دُونَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ . ثُمَّ لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآخَرِ صِفَةً مَقْصُودَةً كَالْمَالِ وَالْجِمَالِ وَالْبَكَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : صَحَّ ذَلِكَ وَمَلَكَ الْمُشْتَرِطُ الْفَسْخَ عِنْدَ فَوَاتِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد وَأَصَحُّ وَجْهَيْ الشَّافِعِيِّ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ . وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى : لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إلَّا فِي شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ . وَفِي شَرْطِ النَّسَبِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَجْهَانِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرِطُ هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الرَّجُلِ أَوْ الرَّجُلَ فِي الْمَرْأَةِ . بَلْ اشْتِرَاطُ الْمَرْأَةِ فِي الرَّجُلِ أَوْكَدُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد بِخِلَافِ ذَلِكَ : لَا أَصْلَ لَهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ نَقْصَ الصِّفَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَجْبُوبٌ أَوْ عِنِّينٌ أَوْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا رَتْقَاءُ أَوْ مَجْنُونَةٌ صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ الشَّرْطِ النَّاقِصِ عَنْ مُوجِبِ الْعَقْدِ وَاخْتَلَفُوا فِي شَرْطِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا ذَكَرْته لَك . فَإِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلرَّجُلِ خِيَارُ عَيْبٍ وَلَا شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ . وَأَمَّا الْمَهْرُ : فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ . وَكَذَلِكَ يُجَوِّزُ أَكْثَرُ السَّلَفِ - أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - وَفُقَهَاءُ الْحَدِيثِ وَمَالِكٌ - فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - أَنْ يَنْقُصَ مِلْكُ الزَّوْجِ فَتَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ بَلَدِهَا أَوْ مِنْ دَارِهَا وَأَنْ يَزِيدَهَا عَلَى مَا تَمْلِكُهُ بِالْمُطْلَقِ فَيُؤْخَذُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى وَعِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ; لَكِنَّهُ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَثَرٌ فِي تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ . وَالْقِيَاسُ الْمُسْتَقِيمُ فِي هَذَا الْبَابِ الَّذِي عَلَيْهِ أُصُولُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ : أَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ عَلَى مُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاشْتِرَاطَ النَّقْصِ : جَائِزٌ ; مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الشَّرْعُ . فَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا وَالنَّقْصِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْت فَالزِّيَادَةُ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ كَذَلِكَ . فَإِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ الْعَبْدَ أَوْ يَقِفَ الْعَيْنَ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَنْ يَقْضِيَ بِالْعَيْنِ دَيْنًا عَلَيْهِ لِمُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ أَنْ يَصِلَ بِهِ رَحِمَهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ : فَهُوَ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفٍ مَقْصُودٍ . وَمِثْلُهُ التَّبَرُّعُ الْمَفْرُوضُ وَالتَّطَوُّعُ . وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَغَيْرِهِ بِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ الْفَضْلِ الَّذِي يَتَشَوَّفُهُ الشَّارِعُ : فَضَعِيفٌ . فَإِنَّ بَعْضَ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُ . فَإِنَّ صِلَةَ ذِي الرَّحِمِ الْمُحْتَاجِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد ; فَإِنَّ { مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَتْ جَارِيَةً لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تركتيها لِأَخْوَالِك لَكَانَ خَيْرًا لَك } وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ أَقَارِبُ لَا يَرِثُونَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ أَوْلَى مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ . وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا . وَإِنَّمَا أَعْلَمُ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ لَهُمْ . فَإِنَّ فِيهِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا : تَجِبُ . كَقَوْلِ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ; وَالثَّانِيَةُ : لَا تَجِبُ كَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ . وَلَوْ وَصَّى لِغَيْرِهِمْ دُونَهُمْ : فَهَلْ تُرَدُّ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ عَلَى أَقَارِبِهِ دُونَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ يُعْطِي ثُلُثَهَا لِلْمُوصَى لَهُ وَثُلُثَاهَا لِأَقَارِبِهِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ : هُوَ الْقَوْلُ بِنُفُوذِ الْوَصِيَّةِ . فَإِذَا كَانَ بَعْضُ التَّبَرُّعَاتِ أَفْضَلَ مِنْ الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ تَعْلِيلُهُ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَزِيدِ الْفَضِيلَةِ . وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْمَشْرُوطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَفْضَلَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ دَيْنٍ لِآدَمِيِّ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ وَفَاءَ دَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَبِيعِ أَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَفَاءَ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا أَوْكَدُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ . وَأَمَّا السِّرَايَةُ فَإِنَّمَا كَانَتْ لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ . وَقَدْ شَرَعَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ حَقُّ الشُّفْعَةِ . فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِتَكْمِيلِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ لِمَا فِي الشَّرِكَةِ مِنْ الضَّرَرِ وَنَحْنُ نَقُولُ : شُرِعَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُشَارَكَاتِ فَيُمَكِّنُ الشَّرِيكَ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ . فَإِنْ أَمْكَنَ قِسْمَةَ الْعَيْنِ وَإِلَّا قَسَّمْنَا ثَمَنَهَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ . فَتَكْمِيلُ الْعِتْقِ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ الشَّرِكَةُ تَزُولُ بِالْقِسْمَةِ تَارَةً وَبِالتَّكْمِيلِ أُخْرَى . وَأَصْلُ ذَلِكَ : أَنَّ الْمِلْكَ هُوَ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْقُدْرَةِ الْحِسِّيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَثْبُتَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ شَرْعًا كَمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ حِسًّا ; وَلِهَذَا جَاءَ الْمِلْكُ فِي الشَّرْعِ أَنْوَاعًا - كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا - فَالْمِلْكُ التَّامُّ يُمْلَكُ فِيهِ التَّصَرُّفُ فِي الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَيُورَثُ عَنْهُ . وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَنَافِعِهِ بِالْإِعَارَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالِانْتِفَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ قَدْ يَمْلِكُ الْأَمَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الْمُحَرَّمَاتِ عَلَيْهِ بِالرِّضَاعِ فَلَا يَمْلِكُ مِنْهُنَّ الِاسْتِمْتَاعَ وَيَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهِ بِالتَّزْوِيجِ بِأَنْ يُزَوِّجَ الْمَجُوسِيَّةَ الْمَجُوسِيَّ مَثَلًا وَقَدْ يَمْلِكُ أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهَا وَلَا هِبَتَهَا وَلَا تُورَثُ عَنْهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ . وَيَمْلِكُ وَطْأَهَا وَاسْتِخْدَامَهَا بِاتِّفَاقِهِمْ . وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَيَمْلِكُ الْمَرْهُونَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَئُونَتَهُ وَلَا يَمْلِكُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ مَا يُزِيلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَا بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ . وَفِي الْعِتْقِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ . وَالْعَبْدُ الْمَنْذُورُ عِتْقُهُ وَالْهَدْيُ وَالْمَالُ الَّذِي قَدْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِعَيْنِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا اسْتَحَقَّ صَرْفَهُ إلَى الْقِرْبَةِ : قَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : هَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَارِجٌ عَنْ قِيَاسِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ . فَمَنْ قَالَ : لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ عَنْهُ - كَمَا قَدْ يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا - فَهُوَ مِلْكٌ لَا يَمْلِكُ صَرْفَهُ إلَّا إلَى الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ النُّسُكِ أَوْ الصَّدَقَةِ . وَهُوَ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الصِّلَةِ أَوْ الْفِدْيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْإِهْدَاءِ إلَى الْحَرَمِ . وَمَنْ قَالَ : زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ يَقُولُ : هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عِتْقَهُ وَإِهْدَاءَهُ وَالصَّدَقَةَ بِهِ . وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ قِيَاسِ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ : هَلْ يَصِيرُ الْمَوْقُوفُ مِلْكًا لِلَّهِ أَوْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ : فَالْمِلْكُ الْمَوْصُوفُ نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ . وَكَذَلِكَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ كَالْأَبِ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : نَوْعٌ مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ حَيْثُ سُلِّطَ غَيْرُ الْمَالِكِ عَلَى انْتِزَاعِهِ مِنْهُ وَفَسْخِ عَقْدِهِ . وَنَظِيرُهُ : سَائِرُ الْأَمْلَاكِ فِي عَقْدٍ يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ كَالْمَبِيعِ بِشَرْطٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ : انْتَقَلَ إلَى الْمُشْتَرِي كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا وَكَالْمَبِيعِ إذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَكَالْمَبِيعِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ عَيْبٌ أَوْ فَوَاتُ صِفَةٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . فَهَهُنَا فِي الْمُعَاوَضَةِ وَالتَّبَرُّعِ يَمْلِكُ الْعَاقِدُ انْتِزَاعَهُ وَمِلْكُ الْأَبِ لَا يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ وَجِنْسُ الْمِلْكِ يَجْمَعُهُمَا . وَكَذَلِكَ مِلْكُ الِابْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا فِيهِ مَعْنَى الْكِتَابِ وَصَرِيحَ السُّنَّةِ . وَطَوَائِفُ مِنْ السَّلَفِ يَقُولُونَ : هُوَ مُبَاحٌ لِلْأَبِ مَمْلُوكٌ لِلِابْنِ ; بِحَيْثُ يَكُونُ لِلْأَبِ كَالْمُبَاحَاتِ الَّتِي تُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَمِلْكُ الِابْنِ ثَابِتٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفًا مُطْلَقًا . فَإِذَا كَانَ الْمِلْكُ يَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا وَفِيهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ مَا وَصَفْته وَمَا لَمْ أَصِفْهُ : لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ ذَلِكَ مُفَوَّضًا إلَى الْإِنْسَانِ يُثْبِتُ مِنْهُ مَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً لَهُ وَيَمْتَنِعُ مِنْ إثْبَاتِ مَا لَا مَصْلَحَةَ لَهُ فِيهِ . وَالشَّارِعُ لَا يَحْظُرُ عَلَى الْإِنْسَانِ إلَّا مَا فِيهِ فَسَادٌ رَاجِعٌ أَوْ مَحْضٌ . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَسَادٌ أَوْ كَانَ فَسَادُهُ مَغْمُورًا بِالْمَصْلَحَةِ لَمْ يَحْظُرْهُ أَبَدًا .