وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سِتَّةً وَعِشْرِينَ فَدَّانَ قُلْقَاسٍ بِتِسْعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَمْضَى لَهُ الْبَيْعَ فِي ذَلِكَ فَقَلَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقُلْقَاسِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ زَادَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَبِلَ الزِّيَادَةَ وَطَرَدَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلَ ثُمَّ زَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي خَمْسِمِائَةٍ وَتَسَلَّمَ الْقُلْقَاسَ وَقَلَعَ مِنْهُ مَرْكَبًا وَبَاعَهَا وَأَوْرَدَ لَهُ ثَمَنَهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ زَادَ عَلَيْهِ فَطَرَدَهُ وَكَتَبَ الْقُلْقَاسَ عَلَى الَّذِي زَادَ عَلَيْهِ : فَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ ؟ أَوْ الثَّانِي ؟ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ الْبَائِعُ غَيْرُ جَائِزٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ ; فَإِنَّ بَيْعَ الْقُلْقَاسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَاللِّفْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . إمَّا أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ جَائِزًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَد . فَإِنْ كَانَ جَائِزًا كَانَ الْبَيْعُ الثَّانِي حَرَامًا مَعَ الْأَوَّلِ وَهَذَا الْبَائِعُ لَمْ يَتْرُكْ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِهِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ ; لَكِنْ لِأَجْلِ بَيْعِهِ لِلثَّانِي وَمِثْلُ هَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْعَ الْقُلْقَاسِ جَائِزٌ وَلَا يَحِلُّ قَبُولُ الزِّيَادَةِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ . وَمَنْ قَالَ : إنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ : لَيْسَ لِلْبَائِعِ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُ أَوْ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ الْمِثْلِ .