وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً مِثْلَ مَا يَبِيعُ النَّاسُ ثُمَّ بَعْدُ طُلِبَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَالسِّلْعَةُ تَالِفَةٌ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ . فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِمِثْلِهَا مَعَ وُجُودِ الْمِثْلِ ؟ .
فَأَجَابَ : لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى السِّعْرِ الْوَاقِعِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَهُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ ; لَكِنْ يُطْلَبُ سِعْرُ الْوَقْتِ وَهُوَ قِيمَةُ الْمِثْلِ ; وَذَلِكَ أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا : يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ إذَا دَفَعَ الطَّعَامَ إلَى مَنْ يَطْبُخُ بِالْأُجْرَةِ وَإِذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَوْ رَكِبَ السَّفِينَةَ . فَعَلَى هَذَا الْعَقْدِ صَحِيحٌ وَالْوَاجِبُ الْمُسَمَّى . وَالثَّانِيَةُ : أَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَيَكُونُ مَقْبُوضًا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَقَدْ يُقَالُ : إنَّهُ يُضَمَّنُ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا بِالْقِيمَةِ كَمَا يُضْمَنُ الْمَغْصُوبُ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ كَالشَّافِعِيَّةِ لَكِنْ هُنَا قَدْ تَرَاضَوْا بِالْبَدَلِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ كَمَا تَرَاضَوْا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ . وَنَظِيرُهُ أَنْ يَصْطَلِحَا حَيْثُ يَجِبُ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى فَيَجِبُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا . وَنَظِيرُ هَذَا : قَوْلُ أَصْحَابِ أَحْمَد فِي الْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ . يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْحِلِّ وَعَدَمِهِ لَا فِي تَعْيِينِ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ كَمَا لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الضَّمَانِ ; بَلْ مَا ضُمِّنَ بِالصَّحِيحِ ضُمِّنَ بِالْفَاسِدِ وَمَا لَا يُضَمَّنُ بِالصَّحِيحِ لَا يُضَمَّنُ بِالْفَاسِدِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الضَّمَانِ . فَكَذَلِكَ فِي قَدْرِهِ . وَهَذِهِ نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .