وَسُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقُطْبُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَمَنْ عَمَّتْ بَرَكَاتُهُ أَهْلَ الْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ تيمية الحراني ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَاتِهِ كَانَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ . عَنْ رَجُلٍ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ قَالَ : أَكْلُ الْحَلَالِ مُتَعَذَّرٌ لَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ . فَقِيلَ لَهُ : لِمَ ذَلِكَ ؟ فَذَكَرَ : إنَّ وَقْعَةَ الْمَنْصُورَةِ لَمْ تُقَسَّمْ الْغَنَائِمُ فِيهَا وَاخْتَلَطَتْ الْأَمْوَالُ بِالْمُعَامَلَاتِ بِهَا . فَقِيلَ لَهُ : إنَّ الرَّجُلَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُبَاحَةِ وَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ حَلَالٌ . فَذَكَرَ إنَّ الدِّرْهَمَ فِي نَفْسِهِ حَرَامٌ . فَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ قَبِلَ الدِّرْهَمُ التَّغَيُّرَ أَوَّلًا فَصَارَ حَرَامًا بِالسَّبَبِ الْمَمْنُوعِ وَلَمْ يَقْبَلْ التَّغَيُّرَ فَيَكُونُ حَلَالًا بِالسَّبَبِ الْمَشْرُوعِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ ؟ ؟
" الْأَصْلُ الثَّانِي " أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا عَامَلَ مُعَامَلَةً يَعْتَقِدُ هُوَ جَوَازَهَا وَقَبَضَ الْمَالَ جَازَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَامِلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَالِ . وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ جَوَازَ تِلْكَ الْمُعَامَلَةِ ; فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُفِعَ إلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ عُمَّالِهِ يَأْخُذُ خَمْرًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ الْجِزْيَةِ فَقَالَ قَاتَلَ اللَّهُ فُلَانًا أَمَا عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } . ثُمَّ قَالَ عُمَرُ : وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا مِنْهُمْ أَثْمَانَهَا . فَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدَّرَاهِمَ الَّتِي بَاعُوا بِهَا الْخَمْرَ ; لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ . وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ : إنَّ الْكُفَّارَ إذَا تَعَامَلُوا بَيْنَهُمْ بِمُعَامَلَاتٍ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهَا وَتَقَابَضُوا الْأَمْوَالَ ثُمَّ أَسْلَمُوا كَانَتْ تِلْكَ الْأَمْوَالُ لَهُمْ حَلَالًا وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا أَقْرَرْنَاهَا فِي أَيْدِيهِمْ سَوَاءٌ تَحَاكَمُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ فِي الذِّمَمِ مِنْ الرِّبَا وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِرَدِّ مَا قَبَضُوهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِلُّونَ ذَلِكَ .