تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مِلْك بُسْتَانِ شَجَرِهِ مُخْتَلِفٌ مِنْهُ مَا يَبْدُو صَلَاحُهُ كَالْمِشْمِشِ وَمِنْهُ مَا يَتَأَخَّرُ بُدُوُّ صَلَاحِهِ : كَالرُّمَّانِ وَمِنْهُ مَا يَبْدُو صَلَاحُهُ بَيْنَهُمَا كَالْعِنَبِ وَالتِّينِ وَالرُّطَبِ وَأَنْتُمْ لَا تُصَحِّحُونَ الْبَيْعَ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ . فَكَيْفَ يُمْكِنُ الِاحْتِيَاطُ الشَّرْعِيُّ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِتَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ وَتَوَسُّطِهِ فَإِنْ بَاعَ مَثَلًا الْمِشْمِشَ عِنْدَ صَلَاحِهِ وَلَمْ تُجَوِّزُوا بَيْعَ الْعِنَبِ حَيْثُ هُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حِصْرِمٌ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ . أَفْتُونَا ؟ .
1
فَأَجَابَ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا صُورَتَانِ : إحْدَاهُمَا : أَنْ يَضْمَنَ الْبُسْتَانَ ضَمَانًا بِحَيْثُ يَكُونُ الضَّامِنُ هُوَ الَّذِي يَزْرَعُ أَرْضَهُ وَيَسْقِي شَجَرَهُ كَاَلَّذِي يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ . وَالْأُخْرَى إنَّمَا يَكُونُ اشْتَرَى مُجَرَّدَ الثَّمَرَةِ ; بِحَيْثُ يَكُونُ مُؤْنَةُ السَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ إلَّا الثَّمَرَةُ وَلَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِ . فَأَمَّا " الصُّورَةُ الْأَوْلَى " فَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ . أَحَدُهَا أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا . وَعَلَى هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَالُ عَلَى ذَلِكَ بِإِجَارَةِ الْأَرْضِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى الشَّجَرِ كَمَا يَذْهَبُ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَد : مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي " كِتَابِ إبْطَالِ الْحِيَلِ " وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد بُطْلَانُ هَذِهِ الْحِيَلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الصُّوَرِ تَكُونُ بَاطِلَةً بِالْإِجْمَاعِ . وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ كَثِيرَةً أَوْ قَلِيلَةً فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْبَيْضَاءُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَالشَّجَرُ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ : جَازَ إجَارَةُ الْأَرْضِ وَدَخَلَ فِيهَا بَيْعُ الثَّمَرِ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ . وَفِي وَقْفِ الثُّلُثِ قَوْلَانِ . الثَّالِثُ جَوَازُ ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى حَرْبٌ الكرماني وَأَبُو زُرْعَةِ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ حَدِيقَةَ أسيد بْنَ حضير - لَمَّا مَاتَ - ثَلَاثَ سِنِينَ وَتَسَلَّفَ الْقَبَالَةَ وَوَفَّى بِهَا دَيْنًا كَانَ عَلَى أسيد . وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْتَشِرَ وَلَمْ يُنْكِرْهَا أَحَدٌ . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ وَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ - وَالْأَعْيَانُ وَالْخَرَاجُ أُجْرَةٌ : فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ - وَالْأَرْضُ ذَاتُ شَجَرٍ فَأَجَّرَ الْجَمِيعَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَبِهِ تُرِكَ الْخَرَاجُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَهُ مَأْخَذَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إجَارَةِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إلَّا مَعَ الشَّجَرِ فَجَازَ لِلْحَاجَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّبْعِيضِ كَمَا أَنَّهُ إذَا بَدَا بَعْضُ ثَمَرِ الشَّجَرِ جَازَ بَيْعُ جَمِيعِهَا اتِّفَاقًا ; بَلْ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي شَجَرَةٍ كَانَ صَلَاحًا لِذَلِكَ النَّوْعِ فِي تِلْكَ الْحَدِيقَةِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَفِي سَائِرِ الْبَسَاتِينِ نِزَاعٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْفَرْدِ وَالْعُقُودِ تَبَعًا مَا لَا يَدْخُلُ اسْتِقْلَالًا كَمَا يَدْخُلُ أَسَاس الْحِيطَانِ وَدَوَاخِلُهَا وَعَمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا يَدْخُلُ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَكَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ } . وَإِذَا اشْتَرَطَ الْمُبْتَاعُ الثَّمَرَ الْمُؤَبَّرَ جَازَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهُوَ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ جَازَ بَيْعُهُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ مَا لَا يَجُوزُ بِدُونِهَا كَمَا جَازَ بَيْعُ الْعَرَايَا بِالتَّمْرِ وَكَمَا جَوَّزَ مَنْ جَوَّزَ الْمُضَارَبَةَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ تَبَعًا وَمِنْ الْقِيَاسِ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ إجَارَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مُشَارَكَةً وَجَعَلَهَا أَصْلًا آخَرَ يَجُوزُ ذَلِكَ نَصًّا ; لَا قِيَاسًا وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَطَوَائِفَ مِنْ الْخَلَفِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ كَصَاحِبَيْهِ وَمِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كالخطابي وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فَهُنَا أَتَمُّ نَظَرًا . وَالْمَأْخَذُ الثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَمَا نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ ثُمَّ إنَّهُ يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إجَارَةُ الْأَرْضِ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا حَتَّى يَنْبُتَ الزَّرْعُ وَلَيْسَ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْحَبِّ وَكَذَلِكَ تَقْبِيلُ الشَّجَرِ لِمَنْ يَعْمَلُ عَلَيْهَا حَتَّى تُثْمِرَ لَيْسَ هُوَ تَبَعًا لِلثَّمَرَةِ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ عَلَى الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى الشَّجَرِ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَرِ وَأَنَّ إعَارَةَ الْأَرْضِ كَإِعَارَةِ الشَّجَرِ وَأَنَّ انْتِفَاعَ أَهْلِ الْوَقْفِ بِزَرْعِ الْأَرْضِ كَانْتِفَاعِهِمْ بِثَمَرِ الشَّجَرِ فَالثَّمَرَةُ - وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا - فَإِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْفَوَائِدِ وَالنَّفْعِ فِي الْوَقْفِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ ; لِأَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ بَدَلَهَا كَمَا أَنَّ اسْتِرْضَاعَ الظِّئْرِ لَمَّا كَانَ مُسْتَخْلَفًا بَدَلُهُ جَرَى مَجْرَى النَّفْعِ ; وَلِهَذَا فِي بَابِ بَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ إنَّمَا تَكُونُ مُؤْنَةُ كَمَالِ الصَّلَاحِ عَلَى الْبَائِعِ . وَأَمَّا الْقُبَالَةُ الَّتِي فَعَلَهَا عُمَرُ : فَإِنَّمَا يَقُومُ فِيهَا بِسَقْيِ الشَّجَرِ وَمُؤْنَةِ حُصُولِ الثَّمَرِ الْمُتَقَبَّلِ فَلَا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا . وَيُعْلَمُ أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ هَذِهِ الْقُبَالَةَ بِلَا رَيْبٍ . ثُمَّ إنْ قُدِّرَ أَنَّ الشَّجَرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ تَلِفَ بَعْدَ إطْلَاعِهِ بِدُونِ تَفْرِيطِ الْمُتَقَبِّلِ ; كَانَ بِمَنْزِلَةِ تَعَطُّلِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِجَارَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إلَّا إذَا تَمَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ . الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ : أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مُجَرَّدَ الثَّمَرَةِ فَقَطْ وَمُؤْنَةُ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إذَا كَانَ الْبُسْتَانُ مُشْتَمِلًا عَلَى أَنْوَاعٍ فَفِيهَا أَيْضًا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ - أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ إذَا صَلَحَ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّوْعِ جَمِيعِهِ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ فِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلنَّوْعِ قَدْ يَتَّفِقُ فِي النَّوْعِ الْآخَرِ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ مَنْ يَشْتَرِي نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْجَوَازُ هُنَا بِمُجَرَّدِ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ أَعْظَمُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ رِبَوِيٌّ بِجِنْسِهِ خَرْصًا . وَالرِّبَا أَعْظَمُ مِنْ الْغَرَرِ لَا سِيَّمَا وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا قَدْ خَصَّ مِنْهُ مَوَاضِعَ كَمَا خَصَّ بَيْعَهُ مَعَ الشَّجَرِ . فَعُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَتَنَاوَلْ بَيْعَهُ مَعَ غَيْرِهِ مُطْلَقًا ; بَلْ قَدْ يُقَالُ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ مُفْرَدًا كَمَا نُهِيَ عَنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ مُفْرَدًا وَيُبَاحُ مَعَ غَيْرِهِ مَا لَا يُبَاحُ مُفْرَدًا ; وَلِأَنَّهُ بَيْعُ رَطْبٍ بِجِنْسِهِ الرِّبَوِيِّ يَابِسًا وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِالنَّصِّ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَقَدْ جَازَ مِنْ دُخُولِ الْمَعْدُومِ فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَظِيرُهُ فِي الْمُزَابَنَةِ . فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا اسْتِثْنَاءً مِنْ الْمُزَابَنَةِ لِلْحَاجَةِ فَلِأَنْ يَجُوزَ بَيْعُ النَّوْعِ تَبَعًا لِلنَّوْعِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ مُفْرَدًا مَنْعُهُ مَضْمُومًا . أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَبَيْعُ الْحَيَوَانِ الْحَامِلِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ حَامِلًا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ . وَسِرُّ الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ : أَنَّ الْفِعْلَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ مُنِعَ مِنْهُ إلَّا إذَا عَارَضَهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ كَمَا فِي إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ . وَبَيْعِ الْغَرَرِ نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمَيْسِرِ الَّذِي يُفْضِي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا عَارَضَ ذَلِكَ ضَرَرٌ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَبَاحَهُ دَفْعًا لِأَعْظَمِ الفسادين بِاحْتِمَالِ أَدْنَاهُمَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .