وَسُئِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ امْرَأَةٍ وَكَّلَتْ أَخَاهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهَا كُلِّهَا وَالدَّعْوَى لَهَا وَفِي فَسْخِ نِكَاحِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ ادَّعَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ بِنَفَقَةِ مُوَكِّلَتِهِ وَكِسْوَتِهَا عَلَى زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَأَحْضَرَهُ مِرَارًا إلَى الْحَاكِمِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ فَطَلَبَ الْوَكِيلُ مِنْ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ فَسْخِ نِكَاحِ مُوَكِّلَتِهِ مِنْ زَوْجِهَا فَمَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ فَفَسَخَ الْوَكِيلُ نِكَاحَ مُوَكِّلَتِهِ مِنْ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ بِحُضُورِ الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ أُمْهِلَ الْمُهْلَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَبْلَ الْفَسْخِ . فَهَلْ يَصِحُّ الْفَسْخُ ؟ وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِتَمْكِينِ الْحَاكِمِ الْوَكِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ فَسْخِ نِكَاحِ مُوَكِّلَتِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا ؟ أَوْ يُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ ؟
فَأَجَابَ : إذَا فَسَخَ الْوَكِيلُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بَعْدَ تَمْكِينِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْ الْفَسْخِ صَحَّ فَسْخُهُ وَلَمْ يَحْتَجْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُكْمِهِ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ . وَلَكِنَّ الْحَاكِمَ نَفْسَهُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُخْتَلَفًا فِيهِ مِنْ عَقْدٍ وَفَسْخٍ كَتَزْوِيجِ بِلَا وَلِيٍّ وَشِرَاءِ عَيْنٍ غَائِبَةٍ لِيَتِيمِ ثُمَّ رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ لَا يَرَاهُ . فَهَلْ لَهُ نَقْضُهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ؟ أَوْ يَكُونُ فِعْلُ الْحَاكِمِ حُكْمًا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالْفَسْخُ لِلْإِعْسَارِ جَائِزٌ فِي مَذْهَبِ الثَّلَاثَةِ . وَالْحَاكِمُ لَيْسَ هُوَ فَاسِخًا وَإِنَّمَا هُوَ الْآذِنُ فِي الْفَسْخِ وَالْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ لِرَجُلِ بِمِيرَاثِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ حَكَمَ لِرَجُلِ بِأَنَّهُ وَلِيٌّ فِي النِّكَاحِ وَأَذِنَ لَهُ فِي عَقْدِهِ أَوْ حَكَمَ لِمُشْتَرٍ بِأَنَّ لَهُ فَسْخَ الْبَيْعِ لِعَيْبِ وَنَحْوِهِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ حُكِمَ لِشَخْصِ بِاسْتِحْقَاقِ الْعَقْدِ أَوْ الْفَسْخِ صَحَّ بِلَا نِزَاعٍ فِي مِثْلِ هَذَا . وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْعَاقِدَ أَوْ الْفَاسِخَ . وَمَعَ هَذَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ عَقْدُهُ وَفَسْخُهُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ فِيهِ . وَهَذَا كُلُّهُ لَوْ رَفَعَ مِثْلَ هَذَا إلَى حَاكِمٍ حَنَفِيٍّ لَا يَرَى الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ . فَأَمَّا إنْ كَانَ الْحَاكِمُ الثَّانِي مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ . كَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَد لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْضُ هَذَا الْفَسْخِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِعَيْبِ أَوْ إعْسَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صُوَرِ النِّزَاعِ أَنْ يَكُونَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ - وَفَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ فَسْخِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ قَالُوا : لِأَنَّ هَذَا فَسْخٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حَاكِمٍ وَذَلِكَ فَسْخٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَسَبَبُهُ أَيْضًا يُدْخِلُهُ الِاجْتِهَادَ ; بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ فَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ - لَمْ يَشْتَرِطُوا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ; إذْ هَذَا لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ; بَلْ كُلُّ تَصَرُّفٍ مُتَنَازَعٍ فِيهِ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا . فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُنَا الْحُكْمَ بَعْدَهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ ابْتِدَاءً ; بَلْ كُلُّ مُسْتَحِقٍّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ . ثُمَّ حُكْمُ الْحَاكِمِ يَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ إبْطَالِ الْفَسْخِ كَمَا لَوْ عَقَدَ عَقْدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّتِهِ . وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ عَرَفَ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .