وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّنْ اكْتَرَى دَارًا لِمَرْضَاةِ نَفْسِهِ . هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَكْرِيَ ؟ .
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصْلٌ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ : كَالزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْغِنَاءِ وَحَمْلِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : بَاطِلٌ ; لَكِنْ إذَا اسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ وَمَنَعَ الْعَامِلَ أُجْرَتَهُ كَانَ غَدْرًا وَظُلْمًا أَيْضًا . وَقَدْ اسْتَوْفَيْت مَسْأَلَةَ الِاسْتِئْجَارِ لِحَمْلِ الْخَمْرِ فِي كِتَابِ " الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ " بَيَّنْت أَنَّ الصَّوَابَ مَنْصُوصُ أَحْمَد : أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْأُجْرَةِ وَأَنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ . إمَّا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا كَانَ جِنْسُهُ مُبَاحًا كَالْحَمْلِ بِخِلَافِ الزِّنَا . وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَهْرَ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ وَالْحَاكِمُ يَقْضِي بِعُقُوبَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَوْفِي لِلْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَتَكُونُ عُقُوبَتُهُ لَهُ عِوَضًا عَنْ الْأَجْرِ . فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ . فَهَلْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ لِحَقِّ اللَّهِ . فَهَذَا مُتَقَوِّمٌ . وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ فِي ذَلِكَ دَرْكٌ لِحَاجَتِهِ ; أَنَّهُ يَفْعَلُ الْمُحَرَّمَ وَيُعْذَرُ وَلَا يُعَاقِبُهُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ لَا عَلَى الْغَدْرِ وَالظُّلْمِ . وَهَذَا الْبَحْثُ يَتَّصِلُ بِالْبَحْثِ فِي أَحْكَامِ سَائِر الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وقبوضها .