تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَمَّنْ وَهَبَ أَوْ أَبَاحَ لِرَجُلِ شَيْئًا مَجْهُولًا : هَلْ يَصِحُّ ؟ كَمَا لَوْ أَبَاحَهُ ثَمَرَ شَجَرَةٍ فِي قَابِلَ ؟ وَلَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ هَلْ يَصِحُّ ؟
1
فَأَجَابَ : تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ : فَجَوَّزَهُ مَالِكٍ حَتَّى جَوَّزَ أَنْ يَهَبَ غَيْرَهُ مَا وَرِثَهُ مِنْ فُلَانٍ ; وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَثُلُثٌ هُوَ أَمْ رُبُعٌ ؟ وَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ حِصَّةً مِنْ دَارٍ وَلَا يَعْلَمُ مَا هُوَ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَأَنْ يَهَبَهُ ثَمَرَ شَجَرِهِ هَذَا الْعَامَ أَوْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ ; وَلَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ الشَّافِعِيِّ . وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ ; لَكِنَّ أَحْمَد وَغَيْرَهُ يُجَوِّزُ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْمَجْهُولِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ مَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيِّ . وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيِّ . فَإِنَّ الشَّافِعِيِّ يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْعُقُودِ حَتَّى عِوَضِ الْخُلْعِ وَالصَّدَاقِ وَفِيمَا شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُوَسِّعُونَ فِي ذَلِكَ . وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي هَذَا أَرْجَحُ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَصْلِ آخَرَ وَهُوَ : أَنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ : تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ . فَالْقَبْضُ - مُوجَبُ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ - لَيْسَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ . وَالتَّبَرُّعَاتُ : كَالْهِبَةِ وَالْعَارِيَةِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ ; وَعِنْدَ مَالِكٍ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ . وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد نِزَاعٌ كَالنِّزَاعِ فِي الْمُعَيَّنِ : هَلْ يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ ؟ وَفِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْعَارِيَةِ . وَمَا زَالَ السَّلَفُ يُعِيرُونَ الشَّجَرَةَ وَيَمْنَحُونَ المنايح ; وَكَذَلِكَ هِبَةُ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ لَازِمًا وَلَكِنْ هَذَا يُشْبِهُ الْعَارِيَةَ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَالْمَنْفَعَةِ ; وَلِهَذَا كَانَ هَذَا مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْمَنَافِعِ ; وَلِهَذَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِجُزْءِ مِنْ هَذَا : كَالْمُسَاقَاةِ . وَأَمَّا إبَاحَةُ ذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَا أَبَاحَهُ مَعْدُومًا أَوْ مَوْجُودًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا ; لَكِنْ لَا تَكُونُ الْإِبَاحَةُ عَقْدًا لَازِمًا كَالْعَارِيَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُ الْعَارِيَةَ عَقْدًا لَازِمًا ; كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ . وَأَمَّا مَالِكٍ فَيَجْعَلُ ذَلِكَ لَازِمًا إذَا كَانَ مَحْدُودًا بِشَرْطِ أَوْ عُرْفٍ وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ .