تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا أَوْلَادٌ غَيْرُ أَشِقَّاءَ فَخَصَّصَتْ أَحَدَ الْأَوْلَادِ وَتَصَدَّقَتْ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ مِنْ مِلْكِهَا دُونَ بَقِيَّةِ إخْوَتِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ الْمَذْكُورَةُ وَهِيَ مُقِيمَةٌ بِالْمَكَانِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ : فَهَلْ تَصِحُّ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا ؟
12
وَقَالَ : ( فَصْلٌ وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي لُزُومِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا : كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَالْوَقْفِ - عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ - فَهَذَا أَيْضًا يَصِحُّ فِي الْمَشَاعِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَلَمْ يُجَوِّزْهَا أَبُو حَنِيفَةَ . قَالَ : لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِيهَا وَقَبْضَهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا تَقْبِضُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ كَمَا تَقْبِضُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ مِنْ مُوجَبِ الْبَيْعِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَلَا لُزُومِهِ . وَيَقْبِضُ مَا لَا يَنْقَسِمُ ; فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ هِبَتِهِ مَشَاعًا ; لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ فِيهِ . ثُمَّ إذَا وَهَبَ الْمَشَاعَ الَّذِي تَصِحُّ هِبَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ : كَاَلَّذِي لَا يَنْقَسِمُ وَالْمُتَنَازَعِ فِيهِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ هِبَتَهُ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَقَبَضَ ذَلِكَ قَبَضَ مِثْلَهُ وَحَازَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَالْمُتَصَدِّقُ عَلَيْهِ : لَزِمَ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ : يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ فِي الْمَشَاعِ . فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ يَهَبَهُ وَإِنْ شَاءَ تَهَايَآ هُوَ وَالْمُتَّهِبُ فِيهِ بِالْمَكَانِ أَوْ بِالزَّمَانِ . وَإِنْ شَاءَا أَكْرَيَاهُ جَمِيعًا ; كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلُّ شَرِيكَيْنِ لِلشِّقْصِ مَعَ مَالِكِ الشِّقْصِ الَّذِي لَمْ يُوهَبْ . وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْمُسَاكَنَةِ لِلْمُتَّهِبِ مُهَايَأَةً أَوْ غَيْرَ مُهَايَأَةٍ لَا يُنْقِصُ الْهِبَةَ وَلَا يُبْطِلُهَا . وَمَنْ قَالَ [ غَيْرَ ] ذَلِكَ فَقَدْ خَرَقَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ . وَمَا فَعَلَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كُتُبِهِمْ : مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَأَنَّ بَقَاءَهُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ : بِإِكْرَاءِ أَوْ اسْتِعَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا يُبْطِلُ الْحِيَازَةَ وَأَنَّ حِيَازَةَ الْمُتَّهِبِ لَهُ ثُمَّ عَوْدُهُ إلَى الْوَاهِبِ فِي الزَّمَنِ الْقَرِيبِ يُبْطِلُ حِيَازَتَهُ وَفِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ كَالسَّنَةِ نِزَاعٌ وَأَنَّهُ إذَا مَرِضَ أَوْ أَفْلَسَ قَبْلَ الْحِيَازَةِ بَطَلَتْ وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَمِثْلُ تَنَازُعِهِمْ : هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِقْبَاضِ أَمْ لَا ؟ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُجْبَرُ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُجْبَرُ وَعِنْدَ أَحْمَد فِي الْغَبْنِ رِوَايَتَانِ . وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ : فَهَذَا كُلُّهُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ الْمُفْرَدِ وَالْمَشَاعِ فَأَمَّا النِّصْفُ الْبَاقِي عَلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ - اتِّفَاقًا مَعْلُومًا عِنْدَ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ - أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِيهِ لَا يُبْطِلُ مَا وَقَعَ مِنْ الْهِبَةِ وَالْحِيَازَةِ السَّابِقَةِ فِي النَّصِيبِ . وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ يَتَصَرَّفَانِ كَتَصَرُّفِ الشُّرَكَاءِ . وَمَنْ تَوَهَّمَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ أَنَّهُ بَعْدَ إقْبَاضِ النَّصِيبِ الْمَشَاعِ إذَا تَسَاكَنَا فِي الدَّارِ فَسَكَنَ هَذَا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لَهُ وَهَذَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ - مُهَايَأَةً أَوْ غَيْرَ مُهَايَأَةٍ - أَنَّ ذَلِكَ يُنْقِضُ الْهِبَةَ - كَمَا لَوْ كَانَ السُّكْنَى فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ كَمَا يَقُولُهُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ - فَقَدْ خَرَقَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَذَاقِ الْفِقْهِ وَمَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ . فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ الْوَاهِبُ لِلْمَشَاعِ يَتَعَطَّلُ انْتِفَاعُهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَاهِبِ الْجَمِيعِ ; وَلِأَنَّ الْفُقَهَاءَ إنَّمَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْمَوْهُوبِ ; لِأَنَّ بَقَاءَ يَدِ الْوَاهِبِ عَلَيْهِ وَعَوْدَهُ إلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْحَوْزُ فِي الْعَادَةِ ; وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَة إلَى الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ حَوْزٍ فَيَظْهَرُ سُكْنَاهَا بِطَرِيقِ الْعَارِيَةِ حِيلَةً ; وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُعْطِي أَحَدُهُمْ وَلَدَهُ الْعَطِيَّةَ ; فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهُ قَالَ : مَالِي وَفِي يَدِي ; وَإِنْ مَاتَ هُوَ قَالَ : كُنْت وَهَبْته ; لَا يَثْبُتُ مِنْ الْهِبَةِ إلَّا مَا حَازَهُ الْوَلَدُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ . ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ الصَّغِيرِ فَقَالَ حَوْزُ وَالِدِهِ حَوْزٌ لَهُ . وَبِهَذَا أَخَذَ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ . وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُفْرَدًا كَانَ أَوْ مَشَاعًا . فَأَمَّا النَّصِيبُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يُوهَبُ : فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَيْنٍ أُخْرَى لَمْ تُوهَبْ : يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ بِحَيْثُ لَوْ احْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ أَجُبِرَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَحْمَد وَمَالِكٌ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَبِحَيْثُ تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ . وَإِذَا كَانَ قِسْمَةُ عَيْنِهِ يُمْكِنُ قَسْمٌ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ . وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا : فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إذَا طَلَبَهُ الْآخَرُ لِيَقْتَسِمَا الثَّمَنَ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . وَالْإِجْبَارُ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد . وَعَدَمُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ . وَهَذَا وَاضِحٌ عَلَى مَنْ لَهُ فِي الْفِقْهِ بِالشَّرِيعَةِ أَدْنَى إلْمَامٍ إذَا كَانَ يَفْهَمُ مَأْخَذَ الْفُقَهَاءِ ; وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ إذَا رَأَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الْمَوْهُوبِ وَخُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّ هَذَا فِيهِ وَفِي النَّصِيبِ الْآخَرِ : كَانَ هَذَا بَعِيدًا مِنْ التَّمَيُّزِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَقْبَلُ النِّزَاعَ وَالْخِلَافَ أَصْلًا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ النَّقْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ " كِتَابِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ " وَنَحْوِ ذَلِكَ ; وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا ; وَإِنَّمَا مَوْضِعُهَا " كِتَابُ الشَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةِ " وَنَحْوُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ السُّؤَالَ إنَّمَا وَقَعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الشِّقْصِ الْبَاقِي لَمْ يَقَعْ فِي النَّصِيبِ الْمَوْهُوبِ وَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ التساكت يَقْتَضِي ثُبُوتَ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْجَمِيعِ . قِيلَ لَهُ : فَحِينَئِذٍ تَكُونُ يَدُ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الْمُشْتَرَكِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا لَمْ يَصِحَّ يَدُ الْمُشْتَرِكِ بِحَالِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا قَالَهُ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ إذَا قُدِّرَ أَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ عَلَى الْجَمِيعِ فَهَذِهِ لَا تَمْنَعُ الْحِيَازَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْمَشَاعِ ; فَإِنَّهُ إذَا وَهَبَ شِقْصًا مِنْ عَيْنٍ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَ الْمَوْهُوبَ فَقَطْ مَعَ بَقَاءِ يَدِهِ عَلَى مَا لَمْ يَهَبْهُ ; سَوَاءٌ قِيلَ : إنَّ بَقَاءَ يَدِهِ عَلَى نَصِيبِهِ يَعُمُّ الْجَمِيعَ أَوْ لَا يَعُمُّ . فَعُلِمَ أَنَّ اسْتِيلَاءَ الشَّرِيكِ الْوَاهِبِ عَلَى نَصِيبِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ الْحَوْزَ ابْتِدَاءً وَلَا يَمْنَعُهُ دَوَامًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .