وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ يَتِيمٍ لَهُ مَوْجُودٌ تَحْتَ أَمِينِ الْحُكْمِ وَأَنَّ عَمَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ حَسَدًا فَقَتَلَهُ وَثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ . فَمَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي قَسْمِ مِيرَاثِهِ : مَنْ وُقِفَ وَغَيْرُهُ وَلَهُ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالِدُهُ وَأَخٌ مِنْ أُمِّهِ وَجَدٌّ لِأُمِّهِ وَأَوْلَادُ الْقَاتِلِ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أما الْمِيرَاثُ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ لِوَرَثَتِهِ والقاتل لَا يَرْثِ شَيْئًا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ; بَلْ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي لِابْنِ الْعَمِّ . وَلَا شَيْءَ لِلْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ . وأما " الْوَقْفُ " فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ الْمُوَافِقِ لِلشَّرْعِ . وَأَمَّا " دَمُ الْمَقْتُولِ " فَإِنَّهُ لِوَرَثَتِهِ : وَهُمْ الْأُمُّ وَالْأَخُ وَابْنُ الْعَمِّ الْقَاتِلِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا . وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُمْ إنْ اخْتَلَفُوا : فَأَرَادَتْ الْأُمُّ أَمْرًا وَابْنُ الْعَمِّ أَمْرًا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ مَا أَرَادَهُ ابْنُ الْعَمِّ ; وَهُوَ ذُو الْعَصَبِيَّةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ . وَفِي " الثَّانِيَةِ " وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَلُ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ : أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ مَنْ طَلَبَ الدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْعَاصِبَ أَوْ ذَاتُ الْفَرْضِ . و " الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ " كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ مَنْ عَفَا مِنْ الْوَرَثَةِ صَحَّ عَفْوُهُ ; وَصَارَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الذِّمَّةِ . لَكِنْ ابْنُ الْعَمِّ : هَلْ يَقْتُلُ أَبَاهُ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا : " أَحَدُهُمَا " لَا يَقْتُلُهُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ; فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ . وَفِي " الثَّانِي " يَقْتُلُهُ : كَقَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد ; لَكِنْ الْقَوْدُ ثَبَتَ لِلْمَقْتُولِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْوَارِثِ ; لَكِنْ كَرِهَ مَالِكٍ لَهُ قَتْلَهُ وَمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ وَإِذَا عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّ لِلْقَوْدِ سَقَطَ وَكَانَ حَقُّ الْبَاقِينَ فِي الدِّيَةِ . وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا يَأْخُذُ الدِّيَةَ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ . وَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْ قَاتِلِ الْعَمْدِ ; فَإِنَّهُ يُضْرَبُ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَيُحْبَسُ سَنَةً عِنْدَ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ دُونَ الْبَاقِينَ .