تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَهَا أَوْلَادٌ وَبَنَاتٌ مِنْهُ وَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا ثُمَّ إنَّهُ كَتَبَ وَكَالَةً لِزَوْجَتِهِ الْجَدِيدَةِ وَقَالَ : مَتَى رَدَدْت أُمَّ أَوْلَادِي كَانَ طَلَاقُهَا بِيَدِك وَوَكَّلَهَا فِي طَلَاقِهَا مُدَّةَ عَشَرَةِ سِنِينَ ; وَقَدْ طَلَّقَ الَّتِي بِيَدِهَا الْوَكَالَةُ : فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْوَكَالَةُ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا صَحَّتْ : فَهَلْ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِطَلَاقِ الْمُوَكَّلَةِ أَمْ لَا ؟
1
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ . هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِحَالِهَا ; بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا وَكَّلَ امْرَأَتَهُ فِي بَيْعٍ وَنَحْوَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ بِالتَّطْلِيقِ كَمَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ ; لَكِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ تِلْكَ . وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَسْئُولُ عَنْهَا أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ فَيُوكِلُ شَخْصًا ; وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَمْكِينُهَا هِيَ مِنْ الطَّلَاقِ لِيَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِ هَذِهِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ شَاءَتْ طَلُقَتْ وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تُطَلِّقْهَا ; وَهُوَ قَدْ اشْتَرَطَ لَهَا أَنْ يَكُونَ أَمْرُ هَذِهِ بِيَدِهَا ; لِئَلَّا تُبْقِيَ زَوْجَتَهُ إلَّا بِرِضَاهَا . فَالْمَقْصُودُ أَنِّي لَا أَتَزَوَّجُهَا إلَّا بِرِضَاك . وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنِّي لَا أَجْمَعَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا ; لِمَا تَكْرَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الضَّرَّةِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ مَوَانِعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَقْدِ مِنْ الْقَسْمِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يُبْقِ لَهَا عَلَيْهِ حَقُّ قَسْمٍ وَلَا نَحْوَهُ فَلَا تُزَاحِمُهَا تِلْكَ فِي الْحُقُوقِ وَلَا تَكُونُ ضَرَّةً لَهَا وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا فِي تَزَوُّجِهِ بِتِلْكَ . فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَقْصِدُ إرْضَاءَ الْمَرْأَةَ بِتَرْكِ زَوْجَتِهِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَأَمَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَقْصِدُ إرْضَاءَهَا فَكَيْفَ وَهُوَ قَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهَذَا غَايَةُ إسْخَاطِهَا فَمَنْ أَسْخَطَهَا بِذَلِكَ كَيْفَ يَقْصِدُ إرْضَاءَهَا بِمَا هُوَ دُونَهُ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ يُعْلَمُ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا جُعِلَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا مَا دَامَتْ هَذِهِ الْمُمْكِنَةُ زَوْجَةً ; فَإِذَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ تِلْكَ . وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جُعِلَ هَذَا الشَّرْطُ لَازِمًا فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا لَازِمًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا ابْتِدَاءً : أَمْرُك بِيَدِك . أَوْ : أَمْرُ فُلَانَةَ بِيَدِك . وَهَذَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ . وَأَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فِيهِ أَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَعَمْرِو بْنِ العاص وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَطَاوُوسٍ ; والأوزاعي وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ : إذَا اشْتَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا . وَإِذَا تَزَوَّجَ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ كَوْنِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ فَأَمْرُ الزَّوْجَةِ بِيَدِهَا ; وَمَقْصُودُهَا وَاحِدٌ ; وَفِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ زَوْجَةً . وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُمَا هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلٌ لَا يُلْزِمُ ; وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا كَمَا لَوْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ . وَالْوَكَالَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ عَقْدَ الْوَكَالَةِ . وَإِذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَمْرُك بِيَدِك فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا : هُوَ كَالتَّوْكِيلِ . وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : إنَّهُ كَالتَّمْلِيكِ . فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ يَدِهَا وَلَكِنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَقَعَتْ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا لِمَنْ يَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْعَقْدِ لَهَا مَا تَمْلِكُ بِهِ الطَّرْقَ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا . وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ نِكَاحُهَا بَاقِيًا . فَإِذَا أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي الشَّرْطِ حَقٌّ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .