تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَأَفْتَاهُ مُفْتٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَقَلَّدَهُ الزَّوْجُ وَوَطِئَ زَوْجَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَتَتْ مِنْهُ بِوَلَدِ : فَقِيلَ : إنَّهُ وَلَدُ زِنَا ؟
1
فَأَجَابَ : مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ وَالْمُشَاقَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ اعْتَقَدَ الزَّوْجُ أَنَّهُ نِكَاحٌ سَائِغٌ إذَا وَطِئَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ فِيهِ وَلَدُهُ وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ النَّاكِحُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا . وَالْيَهُودِيُّ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ أَخِيهِ كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ النِّكَاحُ بَاطِلًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَانَ كَافِرًا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ . وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الْجَاهِلُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا كَمَا يَفْعَلُ جُهَّالُ الْأَعْرَابِ وَوَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا زَوْجَةً كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَرِثُهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ . فَإِنَّ " ثُبُوتَ النَّسَبِ " لَا يَفْتَقِرُ إلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ; بَلْ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } " فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَوَطِئَهَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ : إمَّا لِجَهْلِهِ . وَإِمَّا لِفَتْوَى مُفْتٍ مُخْطِئٍ قَلَّدَهُ الزَّوْجُ . وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ وَيَتَوَارَثَانِ بِالِاتِّفَاقِ ; بَلْ وَلَا تُحْسَبُ الْعِدَّةُ إلَّا مِنْ حِينِ تَرَكَ وَطْأَهَا ; فَإِنَّهُ كَانَ يَطَؤُهَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَهِيَ فِرَاشٌ لَهُ فَلَا تَعْتَدُّ مِنْهُ حَتَّى تَتْرُكَ الْفِرَاشَ . وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً " نِكَاحًا فَاسِدًا " مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ مَلَكَهَا مِلْكًا فَاسِدًا مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ وَطِئَهَا يَعْتَقِدُهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أَوْ أَمَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ : فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْهَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ وَيَتَوَارَثَانِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَالْوَلَدُ أَيْضًا يَكُونُ حُرًّا ; وَإِنْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ مَمْلُوكَةً لِلْغَيْرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَوُطِئَتْ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهَا ; لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْوَاطِئُ مَغْرُورًا بِهَا زُوِّجَ بِهَا وَقِيلَ : هِيَ حُرَّةٌ أَوْ بِيعَتْ فَاشْتَرَاهَا يَعْتَقِدُهَا مِلْكًا لِلْبَائِعِ ; فَإِنَّمَا وَطِئَ مَنْ يَعْتَقِدُهَا زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ أَوْ أَمَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ : فَوَلَدُهُ مِنْهَا حُرٌّ ; لِاعْتِقَادِهِ . وَإِنْ كَانَ اعْتِقَادُهُ مُخْطِئًا وَبِهَذَا قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ . فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَطِئُوا وَجَاءَهُمْ أَوْلَادٌ لَوْ كَانُوا قَدْ وَطِئُوا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ وَكَانَ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِهِمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ وَطِئُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ ; لِإِفْتَاءِ مَنْ أَفْتَاهُمْ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ : كَانَ نَسَبُ الْأَوْلَادِ بِهِمْ لَاحِقًا وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلَادَ زِنَا ; بَلْ يَتَوَارَثُونَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . هَذَا فِي الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فَكَيْفَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ ؟ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الَّذِي وَطِئَ بِهِ قَوْلًا ضَعِيفًا : كَمَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ نَفْسِهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ ; فَإِنَّ هَذَا إذَا وَطِئَ فِيهِ يَعْتَقِدُهُ نِكَاحًا لَحِقَهُ فِيهِ النَّسَبُ فَكَيْفَ بِنِكَاحِ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ حُجَّةُ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَظَهَرَ ضَعْفُ الْقَوْلِ الَّذِي يُنَاقِضُهُ وَعَجْزُ أَهْلِهِ عَنْ نُصْرَتِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ ; لِانْتِفَاءِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ؟ فَمَنْ قَالَ إنَّ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ مِثْلَهُ يَكُونُ فِيهِ الْوَلَدُ وَلَدَ زِنًا [ لَا ] يَتَوَارَثَانِ هُوَ وَأَبُوهُ الْوَطْءُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . مُنْسَلِخٌ مِنْ رُتْبَةِ الدِّينِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُرِّفَ وَبُيِّنَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ الرَّاشِدِينَ وَسَائِرَ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَلْحَقُوا أَوْلَادَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِآبَائِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالْإِجْمَاعِ ; وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي لُحُوقِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ جَائِزًا فِي شَرْعِ الْمُسْلِمِينَ . فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ; فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْفُتْيَا بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَادَّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِهِ وَقَالَ إنَّ الْوَلَدَ وَلَدُ زِنَا : هُوَ الْمُخَالِفُ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِنَّ الْمُفْتِيَ بِذَلِكَ أَوْ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ لَهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْمَنْعُ مِنْ الْفُتْيَا بِقَوْلِهِ وَلَا الْقَضَاءُ بِذَلِكَ وَلَا الْحُكْمُ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَحْكَامُ بَاطِلَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .