تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ طَائِفَةٍ تُسَمَّى " الْعَشِيرَةَ قَيْسٌ وَيَمَنُ " يَكْثُرُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ وَلَا يُبَالُونَ بِهِ وَإِذَا طُلِبَ مِنْهُمْ الْقَاتِلُ أَحْضَرُوا شَخْصًا غَيْرَ الْقَاتِلِ يَتَّفِقُونَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْقَتْلِ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ فَإِذَا اعْتَرَفَ جَهَّزُوا إلَى الْمُتَوَلِّي مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ قَرَابَةِ الْمَقْتُولِ وَيَقُولُ : أَنَا قَدْ أَبْرَيْت هَذَا الْقَاتِلَ مِمَّا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَإِقَامَةِ الْفِتَنِ فَإِذَا رَأَى وَلِيُّ الْأَمْرِ وَضْعَ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ أَثْبَتَ أَسْمَاءَهُمْ فِي الدِّيوَانِ عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مِنْهُمْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَوْ رَأَى وَضْعَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةِ الْقَاتِلِ كَمَا نُقِلَ [ عَنْ ] بَعْضِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ أَوْ رَأَى تَعْزِيرَ هَؤُلَاءِ الْعَشِيرَ عِنْدَ إظْهَارِهِمْ الْفِتَنَ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ وَالْفَسَادَ بِوَضْعِ مَالٍ عَلَيْهِمْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لِيَكُفَّ نُفُوسَهُمْ الْعَادِيَةَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ : فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
1
فَأَجَابَ : أَيَّدَهُ اللَّهُ . الْحَمْدُ لِلَّهِ : أَمَّا إذَا عُرِفَ الْقَاتِلُ فَلَا تُوضَعُ الدِّيَةُ عَلَى أَهْلِ مَكَانِ الْمَقْتُولِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ قَاتِلُهُ لَا بِبَيِّنَةِ وَلَا إقْرَارٍ : فَفِي مِثْلِ هَذَا تَشْرَعُ الْقَسَامَةُ . فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ : مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد كَمَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْقَتِيلِ الَّذِي وُجِدَ بِخَيْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ; فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ هِيَ فِي جَنْبِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ . فَأَمَّا إذَا عُرِفَ الْقَاتِلُ فَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ لِأَخْذِ مَالٍ فَهُوَ مُحَارَبٌ يَقْتُلُهُ الْإِمَامُ حَدًّا وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ ; لَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَلَا غَيْرُهُمْ . وَإِنْ قَتَلَ لِأَمْرِ خَاصٍّ فَهَذَا أَمْرُهُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ . وَلِلْإِمَامِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنْ يَجْلِدَهُ مِائَةً وَيَحْبِسَهُ سَنَةً . فَهَذَا التَّعْزِيرُ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ . وَعَلَى هَذَا فَإِذَا كَانَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ قَدْ رَضَوْا بِقَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَلَا أَرْغَمَ اللَّهُ إلَّا بِآنَافِهِمْ . وَإِذَا قِيلَ : تُوضَعُ الدِّيَةُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ عَلَى أَهْلِ الْمَكَانِ مَعَ الْقَسَامَةِ فِي الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ ; لَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ لِبَيْتِ الْمَالِ . وَكَذَلِكَ لَا تُوضَعُ الدِّيَةُ بِدُونِ قَسَامَةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَهَؤُلَاءِ الْمَعْرُوفُونَ بِالْفِتَنِ وَالْفَسَادِ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُمْ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ فَيَحْبِسَهُ ; وَلَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لِيَكُفَّ بِذَلِكَ عِدْوَانَهُ ; وَلَهُ أَنْ يُعَزِّرَ أَيْضًا مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الشَّرُّ لِيَكُفَّ بِهِ شَرَّهُ وَعُدْوَانَهُ . فَفِي الْعُقُوبَاتِ الْجَارِيَةِ عَلَى سُنَنِ الْعَدْلِ وَالشَّرْعِ مَا يَعْصِمُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ وَيُغْنِي وُلَاةَ الْأُمُورِ عَنْ وَضْعِ جِبَايَاتٍ تُفْسِدُ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ . وَمَنْ اُتُّهِمَ بِقَتْلِ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُعَاقِبَهُ تَعْزِيزًا عَلَى فُجُورِهِ وَتَعْزِيرًا لَهُ وَبِهَذَا وَأَمْثَالِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ السِّيَاسَةِ الْعَادِلَةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .