بَابُ التَّعْزِيرِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَمَالِيكُ وَعِنْدَهُ غِلْمَانٌ : فَهَلْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى أَحَدِهِمْ حَدًّا إذَا ارْتَكَبَهُ ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِوَاجِبِ إذَا تَرَكُوهُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَنَحْوِهَا ؟ وَمَا صِفَةُ السَّوْطِ الَّذِي يُعَاقِبُهُمْ بِهِ ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ كُلَّهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ وَأَقَلُّ مَا يَفْعَلُ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مِنْهُمْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ مَا يَشْتَرِطُهُ مِنْ الْأَعْمَالِ وَمَتَى خَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ طَرَدَهُ . وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى عُقُوبَتِهِمْ بِحَيْثُ يُقِرُّهُ السُّلْطَانُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ الَّذِي اعْتَادَ النَّاسُ وَغَيْرُهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ تَحْتَ حِمَايَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا لَمْ يُؤَدُّوا الْوَاجِبَاتِ وَيَتْرُكُوا الْمُحَرَّمَاتِ إلَّا بِالْعُقُوبَةِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ; مُرَاعَاةً لَهُ . فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقِيمَ هُوَ الْوَاجِبَ وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ بِالْوَاجِبِ صَارَ الْجَمِيعُ مُسْتَحِقِّينَ الْعُقُوبَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ مِنْهُ } وَقَالَ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } لاسيما إذَا كَانَ يَضْرِبُهُمْ لِمَا يَتْرُكُونَهُ مِنْ حُقُوقِهِ فَمِنْ الْقَبِيحِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى حُقُوقِهِ وَلَا يُعَاقِبَهُمْ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ . وَالتَّأْدِيبُ يَكُونُ بِسَوْطِ مُعْتَدِلٍ وَضَرْبٍ مُعْتَدِلٍ . وَلَا يَضْرِبُ الْوَجْهَ وَلَا الْمَقَاتِلَ .