وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ " الْأُخُوَّةِ " الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَالْتِزَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ : إنَّ مَالِي مَالُك وَدَمِي دَمُك وَوَلَدِي وَلَدُك وَيَقُولُ الْآخَرُ كَذَلِكَ وَيَشْرَبُ أَحَدُهُمْ دَمَ الْآخَرِ : فَهَلْ هَذَا الْفِعْلُ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا مُسْتَحْسَنًا . فَهَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْأُخُوَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَمْ لَا ؟ وَمَا مَعْنَى الْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . هَذَا الْفِعْلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُ الْأُخُوَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحَالَفَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا آخَى بَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَتَّى قَالَ سَعْدٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : خُذْ شَطْرَ مَالِي وَاخْتَرْ إحْدَى زَوْجَتَيَّ حَتَّى أُطَلِّقَهَا وَتَنْكِحَهَا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي مَالِكِ وَأَهْلِك دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ . وَكَمَا آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ . وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ . وَأَمَّا مَا يَذْكُرُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي " السِّيرَةِ " مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ : فَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِحَدِيثِهِ ; فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَاخِ بَيْنَ مُهَاجِرٍ وَمُهَاجِرٍ وَأَنْصَارِيٍّ وَأَنْصَارِيٍّ وَإِنَّمَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَكَانَتْ الْمُؤَاخَاةُ وَالْمُحَالَفَةُ يَتَوَارَثُونَ بِهَا دُونَ أَقَارِبِهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } فَصَارَ الْمِيرَاثُ بِالرَّحِمِ دُونَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ وَالْمُحَالَفَةِ . وَتَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُحَالَفَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ : هَلْ يُورَثُ بِهَا عِنْدَ عَدِمِ الْوَرَثَةِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْمَوَالِي ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ : " أَحَدُهُمَا " يُورَثُ بِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } . " وَالثَّانِي " لَا يُورَثُ بِهَا بِحَالِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ . وَكَذَلِكَ تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ يُشْرَعُ فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَآخَى اثْنَانِ وَيَتَحَالَفَا كَمَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ؟ فَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إلَّا شِدَّةً } وَلِأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إخْوَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمْهُ وَلَا يَظْلِمْهُ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ } فَمَنْ كَانَ قَائِمًا بِوَاجِبِ الْإِيمَانِ كَانَ أَخًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ خَاصٌّ ; فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَدْ عَقَدَا الْأُخُوَّةَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت إخْوَانِي } . وَمَنْ لَمْ يَكُنْ خَارِجًا عَنْ حُقُوقِ الْإِيمَانِ وَجَبَ أَنْ يُعَامَلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَيُحْمَدَ عَلَى حَسَنَاتِهِ ; ويوالى عَلَيْهَا وَيُنْهَى عَنْ سَيِّئَاتِهِ وَيُجَانَبُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ : تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَذَلِك نَصْرُك إيَّاهُ } . وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ وَبُغْضُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَمُعَادَاتُهُ : تَابِعًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . فَيُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ . وَمَنْ كَانَ فِيهِ مَا يوالى عَلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتٍ وَمَا يُعَادَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتٍ عُومِلَ بِمُوجِبِ ذَلِكَ كَفُسَّاقِ أَهْلِ الْمِلَّةِ ; إذْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ وَالْحُبُّ وَالْبُغْضُ ; بِحَسَبِ مَا فِيهِمْ مِنْ الْبِرِّ وَالْفُجُورِ فَإِنَّ { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِخِلَافِ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَبِخِلَافِ الْمُرْجِئَةِ والجهمية ; فَإِنَّ أُولَئِكَ يَمِيلُونَ إلَى جَانِبٍ وَهَؤُلَاءِ إلَى جَانِبٍ . وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَسَطٌ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : تُشْرَعُ تِلْكَ الْمُؤَاخَاةُ وَالْمُحَالَفَةُ وَهُوَ يُنَاسِبُ مَنْ يَقُولُ بِالتَّوَارُثِ بِالْمُحَالَفَةِ . لَكِنْ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ وَلَدَ أَحَدِهِمَا لَا يَصِيرُ وَلَدَ الْآخَرِ بِإِرْثِهِ مَعَ أَوْلَادِهِ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ نَسَخَ التَّبَنِّي الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ وَلَدَ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } . وَكَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالًا لِلْآخِرِ يُورَثُ عَنْهُ مَالُهُ ; فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ; وَلَكِنْ إذَا طَابَتْ نَفْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْآخَرُ مِنْ مَالِهِ فَهَذَا جَائِزٌ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يَفْعَلُونَ وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْآخَرِ وَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ; لِعِلْمِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } . وَأَمَّا شُرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَمَ الْآخَرِ . فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِحَالِ وَأَقَلُّ مَا فِي ذَلِكَ مَعَ النَّجَاسَةِ التَّشْبِيهُ بِاَللَّذَيْنِ يَتَآخَيَانِ مُتَعَاوَنِينَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ : إمَّا عَلَى فَوَاحِشَ أَوْ مَحَبَّةٍ شَيْطَانِيَّةٍ كَمَحَبَّةِ المردان وَنَحْوِهِمْ وَإِنْ أَظْهَرُوا خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اشْتِرَاكٍ فِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا . وَإِمَّا تَعَاوُنٌ عَلَى ظُلْمِ الْغَيْرِ وَأَكْلِ مَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ; فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مُؤَاخَاةِ بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْمَشْيَخَةِ وَالسُّلُوكِ لِلنِّسَاءِ فَيُوَاخِي أَحَدُهُمْ الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ وَيَخْلُو بِهَا . وَقَدْ أَقَرَّ طَوَائِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ بِمَا يَجْرِي بَيْنَهُمْ مِنْ الْفَوَاحِشِ . فَمِثْلُ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَعَاوُنٌ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَائِنًا مَا كَانَ : حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي مُؤَاخَاةٍ يَكُونُ مَقْصُودُهُمَا بِهَا التَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى بِحَيْثُ تَجْمَعُهُمَا طَاعَةُ اللَّهِ وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةُ اللَّهِ كَمَا يَقُولُونَ : تَجْمَعُنَا السُّنَّةُ وَتُفَرِّقُنَا الْبِدْعَةُ . فَهَذِهِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ . فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يَرَوْنَهَا اسْتِغْنَاءً بِالْمُؤَاخَاةِ الْإِيمَانِيَّةِ الَّتِي عَقَدَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ; فَإِنَّ تِلْكَ كَافِيَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِكُلِّ خَيْرٍ ; فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ أَدَاءِ وَاجِبَاتِهَا ; إذْ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا هُوَ فَوْقَ مَطْلُوبِ النَّفُوسِ . وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّغَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ إذَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِمَّا أَنْ تُقَالَ عَلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ أَدْخَلَ صَاحِبَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَشْرِطُهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ : فَهَذِهِ الشُّرُوطُ وَأَمْثَالُهَا لَا تَصِحُّ وَلَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهَا ; فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِمَا وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَيْفَ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ مَا لَيْسَ إلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَا يُعْلَمُ حَالُهُ فِيهِ وَلَا حَالُ الْآخَرِ وَلِهَذَا نَجِدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَدْرُونَ مَا يَشْرِطُونَ ; وَلَوْ اسْتَشْعَرَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ بَعْضُ مَالِهِ فِي الدُّنْيَا فَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا أَمْ لَا ؟ وَبِالْجُمْلَةِ فَجَمِيعُ مَا يَقَعُ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ الشُّرُوطِ وَالْعُقُودِ وَالْمُحَالَفَاتِ فِي الْأُخُوَّةِ وَغَيْرِهَا تُرَدُّ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فَكُلُّ شَرْطٍ يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ يُوَفَّى بِهِ و { مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ; وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ . كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ } فَمَتَى كَانَ الشَّرْطُ يُخَالِفُ شَرْطَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ بَاطِلًا : مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ وَلَدُ غَيْرِهِ ابْنَهُ أَوْ عِتْقُ غَيْرِهِ مَوْلَاهُ أَوْ أَنَّ ابْنَهُ أَوْ قَرِيبَهُ لَا يَرِثُهُ أَوْ أَنَّهُ يُعَاوِنُهُ عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُ وَيَنْصُرُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَادَاهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَقِّ أَوْ بِبَاطِلِ أَوْ يُطِيعُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ أَوْ أَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَيَمْنَعُهُ مِنْ النَّارِ مُطْلَقًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ . وَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَفَّى مِنْهَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ; وَلَمْ يُوَفِّ مِنْهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ . وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي الْمُبَاحَاتِ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَكَذَا فِي شُرُوطِ الْبُيُوعِ وَالْهِبَاتِ وَالْوُقُوفِ وَالنُّذُورِ ; وَعُقُودِ الْبَيْعَةِ لِلْأَئِمَّةِ ; وَعُقُودِ الْمَشَايِخِ ; وَعُقُودِ الْمُتَآخِيَيْنِ وَعُقُودِ أَهْلِ الْأَنْسَابِ وَالْقَبَائِلِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ; وَيَجْتَنِبَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ; وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ . وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُطِيعُ إلَّا مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .