مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ  مِنْ الْأَصْلِ تَظْهَرُ مَسْأَلَةُ   " الِاسْتِثْنَاءِ  فِي الظِّهَارِ "   فَإِنَّ قَوْلَهُ  أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ .  وَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ  أُمِّي .  قَالَ  أَحْمَد  : يَصِحُّ  فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ ; لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ بِالْعَوْدِ . وَأَصْلُ  أَحْمَد  :  أَنَّ كُلَّ مَا شُرِعَتْ  فِيهِ الْكَفَّارَةُ شُرِعَ  فِيهِ الْيَمِينُ  وَإِلَّا  فَلَا . وَقَالَ  طَائِفَةٌ  مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ  ابْنُ بَطَّةَ  والعكبري  وَابْنُ عَقِيلٍ  : لَا يَصِحُّ  فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ  لِأَنَّهُ  إنْشَاءٌ بِمَنْزِلَةِ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ  مِنْ جُمْلَتَيْنِ كَالْقَسَمِ ; وَإِنَّمَا هُوَ جُمْلَةٌ  وَاحِدَةٌ  كَسَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ ; فَقَوْلُهُ :  أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ كَقَوْلِهِ :  أَنْت طَالِقٌ  . لَيْسَ هُنَا فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ يُعَلَّقُ  بِالْمَشِيئَةِ  كَمَا  فِي قَوْلِهِ : لَأَخْرُجَنَّ .  وَهَذَا  فِي  بَادِئِ الرَّأْيِ  أَقْوَى  لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ . لَكِنَّ قَوْلَ  أَحْمَد  أَفْقَهُ  وَأَدْخَلُ  فِي الْمَعْنَى . وَإِنَّمَا هُوَ وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ  فِي  ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ  عَدَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ ; لِلِاسْتِوَاءِ  فِي الصُّورَةِ اللَّفْظِيَّةِ . وَمَنْ  عَدَّهُ يَمِينًا  لِمُشَابَهَةِ الْيَمِينِ  فِي مَعْنَى وَصْفِهَا وَهُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْطَاهُ حُكْمَهُمَا لِجَمْعِهِ مَعْنَاهُمَا .  فَإِنَّ نِصْفَهُ يُشْبِهُ الْيَمِينَ  فِي الْمَعْنَى وَنِصْفَهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ . وَلِهَذَا  سَائِرُ الْأَلْفَاظِ الْمُعَلَّقِ بِهَا الْأَحْكَامُ قَدْ يَنْظُرُ نَاظِرٌ إلَى صُورَتِهَا وَآخَرُ إلَى مَعْنَاهَا وَآخَرُ إلَيْهِمَا مَعًا  كَمَا  فِي قَوْلِهِ لَأَفْعَلَنَّ . الصُّورَةُ صُورَةُ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى قَدْ يَكُونُ خَبَرًا وَقَدْ يَكُونُ طَلَبًا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ . فَقَوْلُهُ :  أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ  أُمِّي .  كَانَ  فِي الْجَاهِلِيَّةِ  إنْشَاءً مَحْضًا لِلتَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الطَّلَاقِ  فَكَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا  عَلَى مُوجَبِ  ظَاهِرِ لَفْظِهِ ;  لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ  . فَجَعَلُوا اللَّازِمَ دَلِيلًا  عَلَى الْمَلْزُومِ  فَأَبْطَلَ اللَّهُ  ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ  مِنْ الْقَوْلِ  وَزُورٌ  فَإِنَّ الْحَلَالَ لَا يَكُونُ كَالْحَرَامِ الْمُؤَبَّدِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقًا  وَإِنْ عُنِيَ  بِهِ الطَّلَاقُ  لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمَعْنَى الْفَاسِدِ وَهُوَ  الْمُشَابَهَةُ الْمُحَرَّمَةُ ;  فَصَارَ كَقَوْلِهِ :  أَنْت يَهُودِيَّةٌ أَوْ  نَصْرَانِيَّةٌ  . إذَا عَنَى  بِهِ الطَّلَاقَ  فَإِنَّ  هَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُثْبِتَهُ  فِيهَا . أَوْ  أَنْت أَتَانٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ  أَنْت عَلَيَّ كَالْأَتَانِ وَالنَّاقَةِ .  وَمِنْ هُنَا  قَالَ أَكْثَرُ   الصَّحَابَةِ  إنَّ   قَوْلَهُ :  أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ   . أَيْضًا يَمِينٌ لَيْسَ بِطَلَاقِ  وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ كَالظِّهَارِ  . وَهُوَ مَذْهَبُ  أَحْمَد  .  فَصَارَ قَوْلُهُ  أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ  أُمِّي . بِمَنْزِلَةِ لَا أَقْرَبَنَّك  ;  لِأَنَّ إثْبَاتَ  الْمُشَابَهَةِ لِلْأُمِّ يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ عَنْ وَطْئِهَا وَيَقْتَضِي رَفْعَ الْعَقْدِ .  فَأَبْطَلَ الشَّارِعُ رَفْعَ الْعَقْدِ لِأَنَّ  هَذَا إلَى الشَّارِعِ ; لَا إلَيْهِ  ;  فَإِنَّ الْعُقُودَ والفسوخ  أثبات اللَّهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِذْنِ الشَّارِعِ  وَأَثْبَتَ امْتِنَاعَهُ  مِنْ الْفِعْلِ لِأَنَّ فِعْلَ الْوَطْءِ وَتَرْكَهُ إلَيْهِ هُوَ مُخَيَّرٌ  فِيهِ  فَلَمَّا  صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : لَا يَنْبَغِي مِنِّي وَطْؤُك .  فَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ ;  لَكِنَّهُ  جَعَلَهُ يَمِينًا كُبْرَى لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ  لِأَنَّ تِلْكَ الْيَمِينَ شُرِعَ الْحَلِفُ بِهَا فَلَمْ يَعْصِ  فِي عَقْدِهَا وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُنْكَرٌ  مِنْ الْقَوْلِ  وَزُورٌ ; وَلِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ  تَرْكُهَا وَاجِبٌ  فَكَانَتْ الْكَفَّارَةُ عِوَضًا عَنْ  ذَلِكَ  . وَلِهَذَا  كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لَا تُوجِبُ تَحْرِيمَ الْفِعْلِ إلَى التَّكْفِيرِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُوجِبُ تَحْرِيمَ الْحِنْثِ إلَى التَّكْفِيرِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْنَثَ  فِيهَا حَتَّى يُحِلَّهَا وَوَجَبَتْ  فِيهَا الْكَفَّارَةُ الْكُبْرَى . وَكَوْنُهَا جُمْلَةً  وَاحِدَةً لَا يَمْتَنِعُ انْدِرَاجُهَا  فِي اسْمِ الْيَمِينِ كَلَفْظِ النَّذْرِ هُوَ يَمِينٌ وَجُمْلَةٌ  وَاحِدَةٌ ; وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا تَضَمَّنَ عَهْدًا وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ كُلَّ تَحْرِيمٍ " يَمِينًا " بِقَوْلِهِ :   {   لِمَ تُحَرِّمُ مَا  أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ   }  - إلَى قَوْلِهِ -   {   قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ   }  كَمَا سَمَّى   الصَّحَابَةُ  نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ " يَمِينًا " وَهُوَ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ ; نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى . يُوَضِّحُ  ذَلِكَ  أَنَّ الظِّهَارَ لَوْ  كَانَ  إنْشَاءً مَحْضًا  لَأُوجِبَ حُكْمُهُ ; وَلَمْ يَكُنْ  فِيهِ كَفَّارَةٌ ;  إذْ الْكَفَّارَةُ لَا تَكُونُ لِرَفْعِ عَقْدٍ أَوْ فَسْخٍ ; وَإِنَّمَا تَكُونُ لِرَفْعِ إثْمِ  الْمُخَالَفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عَقْدُهُ  ; وَلِهَذَا  لَمَّا  كَانَ كُلٌّ  مِنْ عَقْدِ الْيَمِينِ وَعَقْدِ الظِّهَارِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا إذَا وُجِدْت  الْمُخَالَفَةُ عُلِمَ  أَنَّهُ يَمِينٌ .  وَالشَّافِعِيُّ  يَقُولُ يُوجِبُ لَفْظُ الظِّهَارِ تَرْكَ الْعَقْدِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهُ إزَالَتُهُ  وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ .  وَأَمَّا  أَحْمَد  وَالْجُمْهُورُ فَعِنْدَهُمْ يُوجِبُ لَفْظُهُ الِامْتِنَاعَ  مِنْ الْوَطْءِ  عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ حَرَامًا فَالْكَفَّارَةُ تَرْفَعُ  هَذَا التَّحْرِيمَ  فَلَا يَجُوزُ الْوَطْءُ قَبْلَ ارْتِفَاعِهِ .  وَكَذَلِكَ يَقُولُ  أَحْمَد  فِي قَوْله :  أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ .  أَنَّ مُوجَبَهُ الِامْتِنَاعُ  مِنْ الْوَطْءِ  عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ ;  لَكِنَّ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا يَقُولُ : إنَّهُ  فِي الظِّهَارِ مَا  كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْطِيَ اللَّفْظَ ظَاهِرَهُ ; فَإِنَّهُ لَا تَصِيرُ مِثْلَ أُمِّهِ  فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَاقْتَصَرَ  بِهِ  عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ  تَرْكُ الْوَطْءِ ;  دُونَ تَرْكِ الْعَقْدِ  كَمَا  كَانُوا  فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَلَفْظُ الْحَرَامِ يُمْكِنُ إثْبَاتُ مُوجَبِهِ . وَقَدْ يَقُولُ  أَحْمَد  : إنَّ الْحَرَامَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ مُوجَبِهِ ;  فَإِنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ لَا يَثْبُتُ  أَبَدًا وَالتَّحْرِيمُ الْعَارِضُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ شَبِيهٍ ; إذْ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومَ  مِنْ مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ ; وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيمٌ مُقَيَّدٌ فَاسْتُعْمِلَ بَعْضُ مُوجَبِ اللَّفْظِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ وَطْءٌ  وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ إنَّمَا يُرَادُ  بِهِ الْفِعْلُ  فَكَأَنَّهُ [  قَالَ ] وَطْؤُك حَرَامٌ  .  وَهَذَا  فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك .  فَكَمَا  أَنَّ الْإِيلَاءَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا وَلَوْ  نَوَى  بِهِ الطَّلَاقَ  فَكَذَلِكَ التَّحْرِيمُ ; إذْ الْإِيلَاءُ نَوْعٌ  مِنْ الْأَيْمَانِ القسمية وَالظِّهَارَ نَوْعٌ  مِنْ الْأَيْمَانِ التحريمية . وَالْبَحْثُ  فِيهِ يَتَوَجَّهُ أَنْ  يُقَالَ : نَضَعُهُ  عَلَى  أَدْنَى دَرَجَاتِ التَّحْرِيمِ ;  لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ  فَلَا تَثْبُتُ  الزِّيَادَةُ إلَّا بِسَبَبِ  كَمَا  فِي قَوْلِهِ :  أَنْت طَالِقٌ . لَا يَقَعُ إلَّا  وَاحِدَةً ;  وَكَمَا اُكْتُفِيَ  فِي التَّشْبِيهِ بِالتَّحْرِيمِ  .  أَمَّا إذَا  نَوَى الطَّلَاقَ  فَيُقَالُ :  وَإِنْ  نَوَى الطَّلَاقَ بِالظِّهَارِ .