تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْأَنَامِ بَقِيَّةُ السَّلَفِ : أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تيمية - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَقْوَامٍ يَحْتَجُّونَ بِسَابِقِ الْقَدَرِ . وَيَقُولُونَ : إنَّهُ قَدْ مَضَى الْأَمْرُ وَالشَّقِيُّ شَقِيٌّ وَالسَّعِيدُ سَعِيدٌ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ : { إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالزِّنَا مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا وَمَا لَنَا فِي الْأَفْعَالِ قُدْرَةٌ وَإِنَّمَا الْقُدْرَةُ لِلَّهِ وَنَحْنُ نَتَوَقَّى مَا كُتِبَ لَنَا وَأَنَّ آدَمَ مَا عَصَى وَأَنَّ مَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ . وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ } فَبَيِّنُوا لَنَا فَسَادَ قَوْلِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ ؟ .
123456
( فَصْلٌ ) وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : الزِّنَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَعَاصِي مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا ; فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَكِنَّ هَذَا لَا يَنْفَعُهُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا وَكَتَبَ مَا يَصِيرُونَ إلَيْهِ مِنْ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ . وَجَعَلَ الْأَعْمَالَ سَبَبًا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَكَتَبَ ذَلِكَ كَمَا كَتَبَ الْأَمْرَاضَ وَجَعَلَهَا سَبَبًا لِلْمَوْتِ وَكَمَا كَتَبَ أَكْلَ السُّمِّ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِلْمَرَضِ وَالْمَوْتِ فَمَنْ أَكَلَ السُّمَّ فَإِنَّهُ يَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ . وَاَللَّهُ قَدَّرَ وَكَتَبَ هَذَا وَهَذَا ; كَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِمَا كَتَبَهُ اللَّهُ مِنْ الْجَزَاءِ لِمَنْ عَمِلَ ذَلِكَ . وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي مِنْ جِنْسِ حُجَّةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ : { وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إنْ تَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إلَّا تَخْرُصُونَ } { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } .