تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ . تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ تيمية الحراني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . عَنْ " جَمَاعَةٍ " يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَصْدِ الْكَبَائِرِ : مِنْ الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . ثُمَّ إنَّ شَيْخًا مِنْ الْمَشَايِخِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ قَصَدَ مَنْعَ الْمَذْكُورِينَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ لَهُمْ سَمَاعًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَهُوَ بِدُفِّ بِلَا صَلَاصِلَ وَغِنَاءِ الْمُغَنِّي بِشِعْرِ مُبَاحٍ بِغَيْرِ شَبَّابَةٍ فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَابَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَأَصْبَحَ مَنْ لَا يُصَلِّي وَيَسْرِقُ وَلَا يُزَكِّي يَتَوَرَّعُ عَنْ الشُّبُهَاتِ وَيُؤَدِّي الْمَفْرُوضَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ . فَهَلْ يُبَاحُ فِعْلُ هَذَا السَّمَاعِ لِهَذَا الشَّيْخِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ ؟ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَعْوَتُهُمْ إلَّا بِهَذَا ؟
12
وَقَوْلُ السَّائِلِ وَغَيْرِهِ : هَلْ هُوَ حَلَالٌ ؟ أَوْ حَرَامٌ ؟ لَفْظٌ مُجْمَلٌ فِيهِ تَلْبِيسٌ يَشْتَبِهُ الْحُكْمُ فِيهِ حَتَّى لَا يُحْسِنَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفْتِينَ تَحْرِيرَ الْجَوَابِ فِيهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ ؟ أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمٍ ؟ بَلْ يَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ سَائِرَ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَلْتَذُّ بِهَا النُّفُوسُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوْعٌ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ كَسَمَاعِ الْأَعْرَاسِ وَغَيْرِهَا . مِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لِقَصْدِ اللَّذَّةِ وَاللَّهْوِ لَا لِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ . وَ ( النَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الدِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَصَلَاحِ الْقُلُوبِ وَتَجْرِيدِ حُبِّ الْعِبَادِ لِرَبِّهِمْ وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ وَتَطْهِيرِ قُلُوبِهِمْ وَأَنْ تُحَرَّكَ مِنْ الْقُلُوبِ الْخَشْيَةُ وَالْإِنَابَةُ وَالْحُبُّ وَرِقَّةُ الْقُلُوبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ لَا مِنْ جِنْسِ اللَّعِب وَالْمُلْهِيَاتِ . فَيَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ سَمَاعِ الْمُتَقَرِّبِينَ وَسَمَاعِ الْمُتَلَعِّبِينَ وَبَيْنَ السَّمَاعِ الَّذِي يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَادَاتِ وَبَيْن السَّمَاعِ الَّذِي يُفْعَلُ لِصَلَاحِ الْقُلُوبِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى رَبِّ السَّمَوَاتِ فَإِنَّ هَذَا يُسْأَلُ عَنْهُ : هَلْ هُوَ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ ؟ وَهَلْ هُوَ طَرِيقٌ إلَى اللَّهِ ؟ وَهَلْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوهُ لِمَا فِيهِ مِنْ رِقَّةِ قُلُوبِهِمْ وَتَحْرِيكِ وَجْدِهِمْ لِمَحْبُوبِهِمْ وَتَزْكِيَةِ نُفُوسِهِمْ وَإِزَالَةِ الْقَسْوَةِ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الَّتِي تُقْصَدُ بِالسَّمَاعِ ؟ كَمَا أَنَّ النَّصَارَى يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا السَّمَاعِ فِي كَنَائِسِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ لَا عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ . إذَا عُرِفَ هَذَا فَحَقِيقَةُ السُّؤَالِ : هَلْ يُبَاحُ لِلشَّيْخِ أَنْ يَجْعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي هِيَ : إمَّا مُحَرَّمَةٌ ؟ أَوْ مَكْرُوهَةٌ ؟ أَوْ مُبَاحَةٌ ؟ قُرْبَةً وَعِبَادَةً وَطَاعَةً وَطَرِيقَةً إلَى اللَّهِ يَدْعُو بِهَا إلَى اللَّهِ ويتوب الْعَاصِينَ وَيُرْشِدُ بِهِ الْغَاوِينَ وَيَهْدِي بِهِ الضَّالِّينَ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الدِّينَ لَهُ " أَصْلَانِ " فَلَا دِينَ إلَّا مَا شَرَعَ اللَّهُ وَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى عَابَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ حَرَّمُوا مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ وَشَرَعُوا دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ . وَلَوْ سُئِلَ الْعَالِمُ عَمَّنْ يَعْدُو بَيْنَ جَبَلَيْنِ : هَلْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَإِذَا قِيلَ : إنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ كَمَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا والمروة قَالَ : إنَّ فِعْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ مُنْكَرٌ يُسْتَتَابُ فَاعِلُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . وَلَوْ سُئِلَ : عَنْ كَشْفِ الرَّأْسِ وَلُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ : أَفْتَى بِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ فَإِذَا قِيلَ : إنَّهُ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِحْرَامِ . كَمَا يُحْرِمُ الْحَاجُّ . قَالَ : إنَّ هَذَا حَرَامٌ مُنْكَرٌ . وَلَوْ سُئِلَ : عَمَّنْ يَقُومُ فِي الشَّمْسِ . قَالَ : هَذَا جَائِزٌ . فَإِذَا قِيلَ : إنَّهُ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ . قَالَ : هَذَا مُنْكَرٌ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ . فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَجْلِسْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ } " فَهَذَا لَوْ فَعَلَهُ لِرَاحَةِ أَوْ غَرَضٍ مُبَاحٍ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ ; لَكِنْ لَمَّا فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ نُهِيَ عَنْهُ . وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ الرَّجُلُ إلَى بَيْتِهِ مِنْ خَلْفِ الْبَيْتِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَكِنْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ . كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : كَانَ أَحَدُهُمْ إذَا أَحْرَمَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ سَقْفٍ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِبِرٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَمَنْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَانَ عَاصِيًا مَذْمُومًا مُبْتَدِعًا وَالْبِدْعَةُ أَحَبُّ إلَى إبْلِيسَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ ; لِأَنَّ الْعَاصِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَاصٍ فَيَتُوبُ وَالْمُبْتَدِعُ يَحْسَبُ أَنَّ الَّذِي يَفْعَلُهُ طَاعَةٌ فَلَا يَتُوبُ . وَلِهَذَا مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ لَا يَعُدُّهُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ وَلَا يَرْجُو بِهِ الثَّوَابَ وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ عَلَى أَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَتَّخِذُهُ دِينًا وَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَانَ كَمَنْ نَهَى عَنْ دِينِهِ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ اللَّهِ وَحَرُمَ نَصِيبُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذَا تَرَكَهُ . فَهَؤُلَاءِ ضُلَّالٌ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : إنَّ اتِّخَاذَ هَذَا دِينًا وَطَرِيقًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْرٌ مُبَاحٌ ; بَلْ مَنْ جَعَلَ هَذَا دِينًا وَطَرِيقًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ ضَالٌّ مُفْتَرٍ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَمَنْ نَظَرَ إلَى ظَاهِرِ الْعَمَلِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى فِعْلِ الْعَامِلِ وَنِيَّتِهِ كَانَ جَاهِلًا مُتَكَلِّمًا فِي الدِّينِ بِلَا عِلْمٍ . فَالسُّؤَالُ عَنْ مِثْلِ هَذَا أَنْ يُقَالَ : هَلْ مَا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ طَرِيقٌ وَقُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا قُرْبَةً وَطَاعَةً وَعِبَادَةً لِلَّهِ فَفَعَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ وَطَرِيقٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . هَلْ يَحِلُّ لَهُمْ هَذَا الِاعْتِقَادُ ؟ وَهَذَا الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؟ وَإِذَا كَانَ السُّؤَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْعَالِمِ الْمُتَّبِعِ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ : إنَّ هَذَا مِنْ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَرِيقِهِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ هَؤُلَاءِ إلَيْهِ وَلَا أَنَّهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ : لَا أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَاجِبَاتِ والمستحبات فَلَيْسَ هُوَ مَحْمُودًا وَلَا حَسَنَةً وَلَا طَاعَةً وَلَا عِبَادَةً بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ . فَمَنْ فَعَلَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُسْتَحَبٍّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُسْتَحَبِّ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ وَفِعْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ بِلَا رَيْبٍ . لَا سِيَّمَا كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ هَذَا السَّمَاعَ الْمُحْدَثَ طَرِيقًا يُقَدِّمُونَهُ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَجْدًا وَذَوْقًا . وَرُبَّمَا قَدَّمُوهُ عَلَيْهِ اعْتِقَادًا فَتَجِدُهُمْ يَسْمَعُونَ الْقُرْآنَ بِقُلُوبِ لَاهِيَةٍ وَأَلْسُنٍ لَاغِيَةٍ وَحَرَكَاتٍ مُضْطَرِبَةٍ وَأَصْوَاتٍ لَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ قُلُوبُهُمْ وَلَا تَرْتَاحُ إلَيْهِ نُفُوسُهُمْ فَإِذَا سَمِعُوا " الْمُكَاءَ " وَ " التَّصْدِيَةَ " أَصْغَتْ الْقُلُوبُ وَاتَّصَلَ الْمَحْبُوبُ بِالْمُحِبِّ وَخَشَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَسَكَنَتْ الْحَرَكَاتُ فَلَا سَعْلَةَ وَلَا عُطَاسَ وَلَا لَغَطَ وَلَا صِيَاحَ وَإِنْ قَرَءُوا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ سَمِعُوهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّكَلُّفِ وَالسُّخْرَةِ كَمَا لَا يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ مَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ حَتَّى إذَا مَا سَمِعُوا مِزْمَارَ الشَّيْطَانِ أَحَبُّوا ذَلِكَ وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَعَكَفَتْ أَرْوَاحُهُمْ عَلَيْهِ . فَهَؤُلَاءِ جُنْدُ الشَّيْطَانِ وَأَعْدَاءُ الرَّحْمَنِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحَالُهُمْ أَشْبَهُ بِحَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْمُنَافِقِينَ ; فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يُحِبُّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُبْغِضُ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُوَالِي أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُعَادِي أَعْدَاءَ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَيُبْغِضُونَ مَا أَحَبَّ اللَّهُ وَيُوَالُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَهُ ; وَلِهَذَا يَحْصُلُ لَهُمْ تنزلات شَيْطَانِيَّةٌ بِحَسَبِ مَا فَعَلُوهُ مِنْ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ وَكُلَّمَا بَعُدُوا عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَطَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ قَرُبُوا مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجُنْدِ الشَّيْطَانِ . فِيهِمْ مَنْ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَالشَّيْطَانُ طَائِرٌ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْرَعُ الْحَاضِرِينَ وَشَيَاطِينُهُ تَصْرَعُهُمْ وَفِيهِمْ مَنْ يُحْضِرُ طَعَامًا وَإِدَامًا . وَيَمْلَأُ الْإِبْرِيقَ مِنْ الْهَوَاءِ وَالشَّيَاطِينِ فَعَلَتْ ذَلِكَ . فَيَحْسَبُ الْجَاهِلُونَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ الْكَهَنَةِ وَالسَّحَرَةِ وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ وَمَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ والنفسانية والشيطانية لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ . وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى " مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ " وَذَكَرْنَا كَلَامَ الْمَشَايِخِ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .