تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ عَنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَتَعَمَّمْنَ بِالْعَمَائِمِ الْكِبَارِ لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَشْمُمْنَ رَائِحَتَهَا . وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } " .
1
فَأَجَابَ : قَدْ ثَبَتَ : فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ : نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا . وَرِجَالٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ } وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِصَحِيحِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فَإِنَّهُ جَاهِلٌ ضَالٌّ عَنْ الشَّرْعِ [ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي ] تُرْدِعُهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ الْجُهَّالِ الَّذِينَ يَعْتَرِضُونَ عَلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي " الْوَعِيدِ " كَثِيرَةٌ مِثْلُ قَوْلِهِ : " { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حَقِّهَا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا } " وَمِثْلُ قَوْلِهِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ : " { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ ذَرَّةٌ مِنْ كِبْرٍ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَكُونُ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ ؟ فَقَالَ : لَا الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ } . وَ " بَطَرُ الْحَقِّ " جَحْدُهُ وَ " غَمْطُ النَّاسِ " احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ . وَمِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَفَقِيرٌ مُخْتَالٌ } " . وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ الْوَعِيدِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وَكَمَا فِي قَوْلِهِ : { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } وَقَوْلُهُ فِي الْفَرَائِضِ : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } . وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ " الْوَعِيدَ " فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مَوْجُودٌ وَلَكِنَّ الْوَعِيدَ الْمَوْجُودَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ التَّائِبَ بِقَوْلِهِ : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } أَيْ لِمَنْ تَابَ . وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } فَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَتُبْ فَالشِّرْكُ لَا يُغْفَرُ وَمَا دُونَ الشِّرْكِ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَفَرَهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَ عَلَيْهِ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا غَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكَهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ } { وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ; قَدْ جَاءَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا ؟ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْت تَنْصَبُ ؟ أَلَسْت تَحْزَنُ ؟ أَلَسْت تُصِيبُك اللأوى ؟ فَذَلِكَ مِمَّا تُجْزَوْنَ بِهِ } فَالْمَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَا الْمُؤْمِنِ مَا بِهِ يُكَفَّرُ وَكَذَلِكَ الْحَسَنَاتُ الَّتِي يَفْعَلُهَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ } فَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ عَبْدَهُ شَيْئًا كَمَا قَالَ : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } { وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . فَالْوَعِيدُ يَنْتَفِي عَنْهُ : إمَّا بِتَوْبَةِ وَإِمَّا بِحَسَنَاتِ يَفْعَلُهَا تُكَافِئُ سَيِّئَاتِهِ وَإِمَّا بِمَصَائِبَ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا خَطَايَاهُ وَإِمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا أَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ تُقَدَّمُ وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الْوَعْدِ . فَقَدْ يَقُولُ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيَجْحَدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَهَذَا كَافِرٌ يَجِبُ قَتْلُهُ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الْمُسْتَوْجِبِينَ لِلنَّارِ . وَهَذِهِ " مَسْأَلَةُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ " مِنْ أَكْبَرِ مَسَائِلِ الْعِلْمِ . وَقَدْ بَسَطْنَاهَا فِي مَوَاضِعَ ; وَلَكِنَّ كَتْبُنَا هُنَا مَا تَسَعُ الْوَرَقَةَ .