تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمٍ يَرْوُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ لَا سَنَدَ لَهُمْ بِهَا . فَيَقُولُونَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَا مِنْ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ مِنِّي يَتَّسِمُونَ بِالْأَهْوِيَةِ مِنْهُ } فَهَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ لَا ؟ وَيَقْرَءُونَ بَيْنَهُمْ أَحَادِيثَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَدَّثَانِ بِحَدِيثِ أَبْقَى بَيْنِهِمَا كَأَنِّي زِنْجِيٌّ لَا أَفْقَهَ . فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا أَمْ لَا ؟ وَيَتَحَدَّثُونَ عَنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ : مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبْعَثَ فَوَجَدَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَغْزُونَ مَعَهُ حَقِيقَةً . وَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فَلَمَّا فَرَّ الْمُسْلِمُونَ مُنْهَزِمِينَ ضَرَبُوا بِسُيُوفِهِمْ فِي عَسْكَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالُوا : نَحْنُ حِزْبُ اللَّهِ الْغَالِبُونَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوا إلَّا مُنَافِقِينَ فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَالْمَسْئُولُ تَعْيِينُ " أَصْحَابِ الصُّفَّةِ " كَمْ هُمْ مِنْ رَجُلٍ ؟ وَمَنْ كَانُوا مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا عُرِجَ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ مِائَةَ أَلْفِ سِرٍّ وَأَمَرَهُ أَلَّا يُظْهِرَهَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ . فَلَمَّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ وَجَدَ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ يَتَحَدَّثُونَ بِهَا فَقَالَ : يَا رَبِّ ; إنَّنِي لَمْ أُظْهِرْ عَلَى هَذَا السِّرِّ أَحَدًا فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُوا شُهُودًا بَيْنِي وَبَيْنَك فَهَلْ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ صِحَّةٌ أَمْ لَا ؟
1234
وَأَمَّا كَوْنُ أَهْلِ الصُّفَّةِ كَانُوا قَبْلَ الْمَبْعَثِ مُهْتَدِينَ . فَعَلَى مَنْ قَالَ هَذَا : لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ; بَلْ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا جَاهِلِينَ ; بَلْ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ جَاهِلِينَ بِاَللَّهِ وَبِدِينِهِ ; وَإِنَّمَا هَدَاهُمْ اللَّهُ بِكِتَابِهِ ; وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فَرْقٌ فِي الْكَفْرِ وَالضَّلَالَةِ قَبْلَ إيمَانِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَقَدْ كَانَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ " أَهْلِ الصُّفَّةِ " كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ ; وَأَعْظَمُ يَقِينًا مِنْ عَامَّةِ أَهْلِ الصُّفَّةِ . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ تَخَلُّفِهِمْ عَنْهُ فِي الْجِهَادِ فَقَوْلُ جَاهِلٍ ضَالٍّ ; بَلْ هُمْ الَّذِينَ كَانُوا أَعْظَمَ النَّاسِ قِتَالًا وَجِهَادًا ; كَمَا وَصَفَهُمْ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } وَقَالَ فِي صِفَتِهِمْ : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافًا } وَلَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ ; حَتَّى وَجَدَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجِدَةً وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ ; وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ : { أَنَّهُمْ بِهِمْ تُتَّقَى الْمَكَارِهُ ; وَتُسَدُّ بِهِمْ الثُّغُورُ ; وَأَنَّهُمْ أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَى الْحَوْضِ ; وَأَنَّهُمْ الشُّعْثُ رُءُوسًا . الدَّنَسُ ثِيَابًا ; الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ ; وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْمُلُوكِ } .