تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ إمَامُ الْوَقْتِ فَرِيدُ الدَّهْرِ جَوْهَرُ الْعِلْمِ لُبُّ الْإِيمَانِ قُطْبُ الزَّمَانِ مُفْتِي الْفِرَقِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شِهَابِ الدِّينِ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَلَّامَةِ مُؤَيِّدِ السُّنَّةِ مَجْدِ الدِّينِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تيمية الحراني - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ آمِينَ . فِي جَمَاعَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ وَيُلَبِّسُونَ لِشَخْصِ مِنْهُمْ لِبَاسَ " الْفُتُوَّةِ " وَيُدِيرُونَ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِهِمْ شَرْبَةً فِيهَا مِلْحٌ وَمَاءٌ يَشْرَبُونَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ الدِّينِ وَيَذْكُرُونَ فِي مَجْلِسِهِمْ أَلْفَاظًا لَا تَلِيقُ بِالْعَقْلِ وَالدِّينِ . فَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ; إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِبَاسَ الْفُتُوَّةِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ وَيَقُولُونَ : إنَّ اللِّبَاسَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُنْدُوقٍ وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ } الْآيَةَ - فَهَلْ هُوَ كَمَا زَعَمُوا ؟ أَمْ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ ؟ وَهَلْ هُوَ مِنْ الدِّينِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الدِّينِ فَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُعِينُ عَلَيْهِ ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسِبُ ذَلِكَ إلَى الْخَلِيفَةِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللَّهِ . إلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ وَيَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ ; فَهَلْ لِذَلِكَ أَصْلٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي يُسَمَّوْنَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا مِنْ اسْمِ الْفُتُوَّةِ وَرُءُوسِ الْأَحْزَابِ وَالزُّعَمَاءِ فَهَلْ لِهَذَا أَصْلٌ أَمْ لَا ؟ وَيُسَمَّوْنَ الْمَجْلِسَ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ " دَسْكَرَةً " وَيَقُومُ لِلْقَوْمِ نَقِيبٌ إلَى الشَّخْصِ الَّذِي يُلْبِسُونَهُ فَيَنْزِعُهُ اللِّبَاسَ الَّذِي عَلَيْهِ بِيَدِهِ وَيُلْبِسُهُ اللِّبَاسَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لِبَاسُ الْفُتُوَّةِ بِيَدِهِ فَهَلْ هَذَا جَائِزٌ . أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قِيلَ : لَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ وَلَا الْإِعَانَةُ عَلَيْهِ ؟ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ لِلْفُتُوَّةِ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا قِيلَ : لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى غَيْرِ وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَوْ التَّابِعِينَ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَعَلَ هَذِهِ الْفُتُوَّةَ الْمَذْكُورَةَ أَوْ أَمَرَ بِهَا أَمْ لَا ؟ وَهَلْ خُلِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النُّورِ ؟ أَمْ خُلِقَ مِنْ الْأَرْبَعِ عَنَاصِرَ ؟ أَمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ الْحَدِيثُ الَّذِي يَذْكُرُهُ بَعْضُ النَّاسِ : { لَوْلَاك مَا خَلَقَ اللَّهُ عَرْشًا . وَلَا كُرْسِيًّا وَلَا أَرْضًا وَلَا سَمَاءً وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا . وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ } صَحِيحٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ " الْأُخُوَّةُ " الَّتِي يُؤَاخِيهَا الْمَشَايِخُ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ فِي السَّمَاعِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي السَّمَاعِ وَنَحْوِهِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟ أَمْ بَيْنَ كُلِّ مهاجري وَأَنْصَارِيٍّ ؟ وَهَلْ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَمْ لَا ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بِالتَّعْلِيلِ وَالْحُجَّةِ الْمُبَيِّنَةِ وَابْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا شَافِيًا مَأْجُورِينَ . أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
123456
فَصْلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِقَ مِمَّا يُخْلَقُ مِنْهُ الْبَشَرُ ; وَلَمْ يُخْلَقْ أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ نُورٍ ; بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ ; وَخَلَقَ إبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ; وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ } وَلَيْسَ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ فَقَطْ ; بَلْ قَدْ يُخْلَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ كَافِرٍ ; وَالْكَافِرُ مِنْ مُؤْمِنٍ ; كَابْنِ نُوحٍ مِنْهُ وَكَإِبْرَاهِيمَ مِنْ آزَرَ ; وَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ : فَلَمَّا سَوَّاهُ ; وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ; وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ ; وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ ; وَبِغَيْرِ ذَلِكَ . فَهُوَ وَصَالِحُو ذُرِّيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ; وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ مَخْلُوقِينَ مِنْ طِينٍ ; وَهَؤُلَاءِ مِنْ نُورٍ . وَهَذِهِ " مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ " مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; فَإِنَّ فَضْلَ بَنِي آدَمَ هُوَ بِأَسْبَابِ يَطُولُ شَرْحُهَا هُنَا . وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْقَرَارِ : { وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } . وَالْآدَمِيُّ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ ; ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ; ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ مَنْ صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ ثُمَّ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ فَلَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ وَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَحْوَالِهِ ; وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ عِنْدَ كَمَالِ أَحْوَالِهِ ; بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي تَشَابَهَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ . وَمِنْ هُنَا غَلِطَ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ نَظَرَ إلَى أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ . وَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَحْوَالِ . قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنْ نِهَايَاتِ الْكَمَالِ . وَقَدْ ظَهَرَ فَضْلُ نَبِيِّنَا عَلَى الْمَلَائِكَةِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ لَمَّا صَارَ بِمُسْتَوَى يُسْمَعُ فِيهِ صَرِيفُ الْأَقْلَامِ ; وَعَلَا عَلَى مَقَامَاتِ الْمَلَائِكَةِ ; وَاَللَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَعَجِيبِ حِكْمَتِهِ مِنْ صَالِحِي الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِثْلُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ جَمَعَ فِيهِمْ مَا تَفَرَّقَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ . فَخَلَقَ بَدَنَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُوحَهُ مِنْ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَلِهَذَا يُقَالُ : هُوَ الْعَالَمُ الصَّغِيرُ وَهُوَ نُسْخَةُ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ . وَمُحَمَّدٌ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ . وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِنْ أَجْلِهِ الْعَالَمَ أَوْ إنَّهُ لَوْلَا هُوَ لَمَا خَلَقَ عَرْشًا وَلَا كُرْسِيًّا وَلَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا . لَكِنْ لَيْسَ هَذَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ . عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ لَا يُدْرَى قَائِلُهُ . وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِوَجْهِ صَحِيحٍ كَقَوْلِهِ . { سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } وَقَوْلُهُ : { وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ لِبَنِي آدَمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ لِلَّهِ فِيهَا حِكَمًا عَظِيمَةً غَيْرَ ذَلِكَ وَأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ لِبَنِي آدَمَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعْمَةِ . فَإِذَا قِيلَ : فَعَلَ كَذَا لِكَذَا لَمْ يَقْتَضِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى . وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ : لَوْلَا كَذَا مَا خُلِقَ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكَمٌ أُخْرَى عَظِيمَةٌ بَلْ يَقْتَضِي إذَا كَانَ أَفْضَلُ صَالِحِي بَنِي آدَمَ مُحَمَّدٌ وَكَانَتْ خِلْقَتُهُ غَايَةً مَطْلُوبَةً وَحِكْمَةً بَالِغَةً مَقْصُودَةً [ أَعْظَمَ ] مِنْ غَيْرِهِ صَارَ تَمَامَ الْخَلْقِ وَنِهَايَةَ الْكَمَالِ حَصَلَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاَللَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ آخِرُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَفِيهِ خُلِقَ آدَمَ وَهُوَ آخِرُ مَا خُلِقَ خَلَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ . وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ - قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ } أَيْ كُتِبَتْ نُبُوَّتِي وَأُظْهِرَتْ لَمَّا خُلِقَ آدَمَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا يَكْتُبُ اللَّهُ رِزْقَ الْعَبْدِ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ إذَا خُلِقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ . فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ هُوَ خَاتَمُ الْمَخْلُوقَاتِ وَآخِرُهَا وَهُوَ الْجَامِعُ لِمَا فِيهَا وَفَاضِلُهُ هُوَ فَاضِلُ الْمَخْلُوقَاتِ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ إنْسَانُ هَذَا الْعَيْنِ ; وَقُطْبُ هَذِهِ الرَّحَى وَأَقْسَامُ هَذَا الْجَمْعِ كَانَ كَأَنَّهَا غَايَةُ الْغَايَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ لِأَجْلِهِ خُلِقَتْ جَمِيعهَا وَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمَا خُلِقَتْ فَإِذَا فُسِّرَ هَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ . وَأَمَّا إذَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ غُلُوٌّ مِنْ جِنْسِ غُلُوِّ النَّصَارَى بِإِشْرَاكِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرُّبُوبِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ ; فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى . { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ } وَاَللَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ حَقًّا لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ فَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إلَّا لَهُ وَلَا الدُّعَاءُ إلَّا لَهُ وَلَا التَّوَكُّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا الرَّغْبَةُ إلَّا إلَيْهِ وَلَا الرَّهْبَةُ إلَّا مِنْهُ وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْهُ إلَّا إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا هُوَ وَلَا يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ إلَّا هُوَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } . { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } . { إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } { لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا } { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } فَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَجَعَلَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَالْإِيتَاءُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ . وَأَمَّا التَّوَكُّلُ فَعَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ .