تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا يُذْكَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ : اتَّخِذُوا مَعَ الْفَقِيرِ أَيَادِي فَإِنَّ لَهُمْ دَوْلَةً وَأَيَّ دَوْلَةٍ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُنْت بَيْنَهُمَا كَالزِّنْجِيِّ مَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ لِبَعْضِ : نَحْنُ فِي بَرَكَتِك أَوْ مِنْ وَقْتِ حَلَلْت عِنْدَنَا حَلَّتْ عَلَيْنَا الْبَرَكَةُ . وَنَحْنُ فِي بَرَكَةِ هَذَا الشَّيْخِ الْمَدْفُونِ عِنْدَنَا . هَلْ هُوَ قَوْلٌ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
12
فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : نَحْنُ فِي بَرَكَةِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ وَقْتِ حُلُولِهِ عِنْدَنَا حَلَّتْ الْبَرَكَةُ . فَهَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ بَاطِلٌ بِاعْتِبَارِ . فَأَمَّا الصَّحِيحُ : فَأَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا وَأَمَرَنَا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ فَبِبَرَكَةِ اتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ حَصَلَ لَنَا مِنْ الْخَيْرِ مَا حَصَلَ فَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ . كَمَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَرَكَتِهِ لَمَّا آمَنُوا بِهِ وَأَطَاعُوهُ فَبِبَرَكَةِ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُمْ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَلْ كُلُّ مُؤْمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ بَرَكَةِ الرَّسُولِ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ . وَ ( أَيْضًا إذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ وَصَلَاحِهِ دَفَعَ اللَّهُ الشَّرَّ وَحَصَلَ لَنَا رِزْقٌ وَنَصْرٌ فَهَذَا حَقٌّ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ بِدُعَائِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ؟ } وَقَدْ يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ لِئَلَّا يُصِيبَ مِنْ بَيْنِهِمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ } - إلَى قَوْلِهِ - { لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } فَلَوْلَا الضُّعَفَاءُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ كَانُوا بِمَكَّةَ بَيْنَ ظهراني الْكُفَّارِ عَذَّبَ اللَّهُ الْكُفَّارَ : وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ لَأَمَرْت بِالصَّلَاةِ فَتُقَامُ ثُمَّ أَنْطَلِقُ مَعِي بِرِجَالِ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ } وَكَذَلِكَ تَرَكَ رَجْمَ الْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ جَنِينَهَا . وَقَدْ قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ } فَبَرَكَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ بِاعْتِبَارِ نَفْعِهِمْ لِلْخَلْقِ بِدُعَائِهِمْ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَبِدُعَائِهِمْ لِلْخَلْقِ وَبِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ الرَّحْمَةِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْعَذَابِ بِسَبَبِهِمْ حَقٌّ مَوْجُودٌ فَمَنْ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ هَذَا وَكَانَ صَادِقًا فَقَوْلُهُ حَقٌّ . وَأَمَّا " الْمَعْنَى الْبَاطِلُ " فَمِثْلُ أَنْ يُرِيدَ الْإِشْرَاكَ بِالْخَلْقِ : مِثْلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ مَقْبُورٌ بِمَكَانِ فَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَتَوَلَّاهُمْ لِأَجْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهَذَا جَهْلٌ . فَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مَدْفُونٌ بِالْمَدِينَةِ عَامَ الْحَرَّةِ وَقَدْ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالْخَوْفِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَكَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَحْدَثُوا أَعْمَالًا أَوْجَبَتْ ذَلِكَ وَكَانَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُمْ إلَى ذَلِكَ وَكَانَ بِبَرَكَةِ طَاعَتِهِمْ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَرَكَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ مَعَهُمْ يَنْصُرُهُمْ اللَّهُ وَيُؤَيِّدُهُمْ . وَكَذَلِكَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَدْفُونٌ بِالشَّامِ وَقَدْ اسْتَوْلَى النَّصَارَى عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ وَكَانَ أَهْلُهَا فِي شَرٍّ . فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَدْفَعُ عَنْ الْحَيِّ مَعَ كَوْنِ الْحَيِّ عَامِلًا بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ غالط . وَكَذَلِكَ إذَا ظَنَّ أَنَّ بَرَكَةَ الشَّخْصِ تَعُودُ عَلَى مَنْ أَشْرَكَ بِهِ وَخَرَجَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِثْلُ أَنْ يَظُنُّ أَنَّ بَرَكَةَ السُّجُودِ لِغَيْرِهِ وَتَقْبِيلَ الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُحَصِّلُ لَهُ السَّعَادَةَ ; وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ . وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ يَشْفَعُ لَهُ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بِمُجَرَّدِ مَحَبَّتِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَنَحْوُهَا مِمَّا فِيهِ مُخَالَفَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَهْلِ الْبِدَعِ . بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ . وَلَا اعْتِمَادُهُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .