مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَصْلٌ فِي " تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ " وَفِي " كَمْ يُقْرَأُ " وَفِي " مِقْدَارِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ الْمَشْرُوعِ " . عَنْ { عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ فَكَانَ يَتَعَاهَدُ ابْنَتَهُ فَيَسْأَلَهَا عَنْ بَعْلِهَا فَتَقُولَ : نِعْمَ الرَّجُلُ لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الْقَنِ بِهِ فَلَقِيته بَعْدُ فَقَالَ : كَيْفَ تَصُومُ ؟ قُلْت : كُلَّ يَوْمٍ . قَالَ : مَتَى - أَوْ كَيْفَ - تَخْتِمُ ؟ قُلْت : كُلَّ لَيْلَةٍ . قَالَ : صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ . قُلْت : إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ . قُلْت : إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا قَالَ : قُلْت إنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ داود صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ وَاقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً . قَالَ : فَلَيْتَنِي قَبِلْت رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنِّي كَبِرْت وَضَعُفْت } " فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السَّبْعَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ وَاَلَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنْ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ; فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ عَلَيْهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فِي ثَلَاثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ . وَفِي لَفْظٍ : " { اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْت : إنِّي أَجِدُ قُوَّةً . قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ } " رَوَاهُ بِكَمَالِهِ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ . وَرَوَى مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَاللَّفْظُ الْآخَرُ مِثْلُهُ . وَفِي رِوَايَةٍ { أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَقُلْت : نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ . وَفِيهِ قَالَ : اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي كُلِّ عَشْرٍ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : فَشَدَّدْت فَشُدِّدَ عَلَيَّ وَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك لَا تَدْرِي لَعَلَّك يَطُولُ بِك عُمْرُك قَالَ : فَصِرْت إلَى الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ } " رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو داود . قُلْت هَذِهِ الرِّوَايَةُ نَبَّهَ عَلَيْهَا الْبُخَارِيُّ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فِي ثَلَاثٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ { سَعْدِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَكَانَ يَقْرَؤُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ } رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ . وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : فِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَبْعٍ كَمَا أَنَّهُ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً بِقِرَاءَتِهِ فِي الشَّهْرِ فَجَعَلَ الْحَدَّ مَا بَيْنَ الشَّهْرِ إلَى الْأُسْبُوعِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً أَنْ يَقْرَأَهُ فِي أَرْبَعِينَ وَهَذَا فِي طَرَفِ السَّعَةِ يُنَاظِرُ التَّثْلِيثَ فِي طَرَفِ الِاجْتِهَادِ . وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى : " { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْ } " فَلَا تُنَافِي رِوَايَةَ التَّسْبِيعِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ أَمْرًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَا فِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ قِرَاءَتَهُ فِي ثَلَاثٍ دَائِمًا سُنَّةً مَشْرُوعَةً وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْ وَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ الْعَدَدِ وَهُوَ مَفْهُومٌ صَحِيحٌ أَنَّ مَنْ قَرَأَهُ فِي ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا فَحُكْمُهُ نَقِيضُ ذَلِكَ وَالتَّنَاقُضُ يَكُونُ بِالْمُخَالَفَةِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ . فَإِذَا كَانَ مَنْ يَقْرَؤُهُ فِي ثَلَاثٍ أَحْيَانًا قَدْ يَفْقَهُهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ وَلَا يَلْزَمُ إذَا شُرِعَ فِعْلُ ذَلِكَ أَحْيَانًا لِبَعْضِ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَحَبَّةً ; وَلِهَذَا لَمْ يُعْلَمْ فِي الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِهِ مَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ أَعْنِي عَلَى قِرَاءَتِهِ دَائِمًا فِيمَا دُونَ السَّبْعِ وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ . وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّحْزِيبُ الْمُسْتَحَبُّ مَا بَيْنَ أُسْبُوعٍ إلَى شَهْرٍ - وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ مَا بَيْنَ ثَلَاثٍ إلَى أَرْبَعِينَ - فَالصَّحَابَةُ إنَّمَا كَانُوا يحزبونه سُوَرًا تَامَّةً لَا يحزبون السُّورَةَ الْوَاحِدَةَ كَمَا رَوَى { أَوْسُ بْنُ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ قَالَ : فَنَزَلَتْ الْأَحْلَافُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي مَالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ قَالَ : وَكَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَأَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ . ثُمَّ يَقُولُ : لَا سَوَاءَ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ بِمَكَّةَ فَلَمَّا خَرَجْنَا إلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نُدَالَ عَلَيْهِمْ وَيُدَالَوْنَ عَلَيْنَا فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةً أَبْطَأَ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ فَقُلْنَا : لَقَدْ أَبْطَأْت عَنَّا اللَّيْلَةَ قَالَ : إنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنْ الْقُرْآنِ فَكَرِهْت أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ . } { قَالَ أَوْسٌ : سَأَلْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تحزبون الْقُرْآنَ ؟ قَالُوا : ثَلَاثٌ وَخَمْسٌ وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَاحِدٌ } . رَوَاهُ أَبُو داود وَهَذَا لَفْظُهُ وَأَحْمَد وَابْنُ ماجه وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَد قَالُوا : نحزبه ثَلَاثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ ( ق حَتَّى يَخْتِمَ . وَرَوَاهُ الطبراني فِي مُعْجَمِهِ فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَزِّبُ الْقُرْآنَ ؟ فَقَالُوا : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَزِّبُهُ ثَلَاثًا وَخَمْسًا فَذَكَرَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ مَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي أَنَّ الْمَسْنُونَ كَانَ عِنْدَهُمْ قِرَاءَتَهُ فِي سَبْعٍ ; وَلِهَذَا جَعَلُوهُ سَبْعَةَ أَحْزَابٍ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ ثَلَاثَةً وَلَا خَمْسَةً وَفِيهِ أَنَّهُمْ حزبوه بِالسُّورِ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ ; فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ أَوَّلَ مَا جُزِّئَ الْقُرْآنُ بِالْحُرُوفِ تَجْزِئَةُ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَسِتِّينَ . هَذِهِ الَّتِي تَكُونُ رُءُوسُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَحْزَابِ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ وَأَثْنَاءِ الْقِصَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ وَمَا بَعْدَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أَمَرَ بِذَلِكَ . وَمِنْ الْعِرَاقِ فَشَا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَتْ التَّجْزِئَةُ بِالْحُرُوفِ مُحْدَثَةً مِنْ عَهْدِ الْحَجَّاجِ بِالْعِرَاقِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ كَانَ لَهُمْ تَحْزِيبٌ آخَرُ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّرُونَ تَارَةً بِالْآيَاتِ فَيَقُولُونَ : خَمْسُونَ آيَةً سِتُّونَ آيَةً . وَتَارَةً بِالسُّوَرِ لَكِنَّ تَسْبِيعَهُ بِالْآيَاتِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فَتَعَيَّنَ التَّحْزِيبُ بِالسُّوَرِ . فَإِنْ قِيلَ : فَتَرْتِيبُ سُوَرِ الْقُرْآنِ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا وَاجِبًا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَى النَّاسِ ; وَلِهَذَا اخْتَلَفَ تَرْتِيبُ مَصَاحِفِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِهَذَا فِي كَرَاهَةِ تَنْكِيسِ السُّوَرِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ . و " الثَّانِيَةُ " لَا يُكْرَهُ كَمَا يُلَقَّنُهُ الصِّبْيَانُ ; إذْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ بِالْبَقَرَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ . قِيلَ : لَا رَيْبَ أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ بَعْدَ سُورَةٍ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَكُونُ أَنْوَاعًا كَمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَحْرُفٍ وَعَلَى هَذَا فَهَذَا التَّحْزِيبُ يَكُونُ تَابِعًا لِهَذَا التَّرْتِيبِ . وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّحْزِيبُ مَعَ كُلِّ تَرْتِيبٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعْيِينُ السُّوَرِ . وَهَذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ هُوَ الْأَحْسَنُ ; لِوُجُوهِ : " أَحَدُهَا " أَنَّ هَذِهِ التحزيبات الْمُحْدَثَةَ تَتَضَمَّنُ دَائِمًا الْوُقُوفَ عَلَى بَعْضِ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِمَا بَعْدَهُ حَتَّى يَتَضَمَّنَ الْوَقْفَ عَلَى الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَحْصُلَ الْقَارِئُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مُبْتَدِئًا بِمَعْطُوفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَقَوْلُهُ : { وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَيَتَضَمَّنُ الْوَقْفَ عَلَى بَعْضِ الْقِصَّةِ دُونَ بَعْضٍ - حَتَّى كَلَامُ الْمُتَخَاطِبَيْنِ - حَتَّى يَحْصُلَ الِابْتِدَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بِكَلَامِ الْمُجِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا } . وَمِثْلُ هَذِهِ الْوُقُوفِ لَا يَسُوغُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ إذَا طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيِّ ; وَلِهَذَا لَوْ أُلْحِقَ بِالْكَلَامِ عَطْفٌ أَوْ اسْتِثْنَاءٌ أَوْ شَرْطٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ بِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَسُغْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ بِمِثْلِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُتَخَاطِبَيْنِ لَمْ يَسُغْ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ وَمَنْ حَكَى عَنْ أَحْمَد خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا أَخْطَأَ مَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْأَوَّلِ خِلَافَ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَحْمَد أَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدَانِ غَائِبَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَائِبًا وَالْآخَرُ حَاضِرًا فَيَنْقُلُ الْإِيجَابَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَقْبَلُ فِي مَجْلِسِ الْبَلَاغِ وَهَذَا جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ وَاَلَّذِي فِي الْقُرْآنِ نَقْلُ كَلَامِ حَاضِرَيْنِ مُتَجَاوِرَيْنِ فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُفَرَّقَ هَذَا التَّفْرِيقُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ؟ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ فِي التَّلْقِينِ لِعَدَمِ حِفْظِ الْمُتَلَقِّنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَادَتُهُ الْغَالِبَةُ وَعَادَةُ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِسُورَةِ ك ( ق وَنَحْوِهَا وَكَمَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ " بِيُونُسَ " و " يُوسُفَ " و " النَّحْلِ " { وَلَمَّا قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْفَجْرِ أَدْرَكَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ فِي أَثْنَائِهَا . وَقَالَ : إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطِيلَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأُخَفِّفُ لِمَا أَعْلَمُ مِنْ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ } " . وَأَمَّا " الْقِرَاءَةُ بِأَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا " فَلَمْ يَكُنْ غَالِبًا عَلَيْهِمْ ; وَلِهَذَا يُتَوَرَّعُ فِي كَرَاهَةٍ ذَلِكَ وَفِيهِ النِّزَاعُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ وَمِنْ أَعْدَلِ الْأَقْوَالِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ اعْتِيَادُ ذَلِكَ دُونَ فِعْلِهِ أَحْيَانًا ; لِئَلَّا يَخْرُجَ عَمَّا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ . وَعَادَةُ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا التَّحْزِيبَ وَالتَّجْزِئَةَ فِيهِ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ أَعْظَمُ مِمَّا فِي قِرَاءَةِ آخِرِ السُّورَةِ وَوَسَطِهَا فِي الصَّلَاةِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَا رَيْبَ أَنَّ التَّجْزِئَةَ وَالتَّحْزِيبَ الْمُوَافِقَ لَمَّا كَانَ هُوَ الْغَالِبَ عَلَى تِلَاوَتِهِمْ أَحْسَنُ . و " الْمَقْصُودُ " أَنَّ التَّحْزِيبَ بِالسُّورَةِ التَّامَّةِ أَوْلَى مِنْ التَّحْزِيبِ بِالتَّجْزِئَةِ . الثَّالِثُ أَنَّ التَّجْزِئَةَ الْمُحْدَثَةَ لَا سَبِيلَ [ فِيهَا ] إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حُرُوفِ الْأَجْزَاءِ ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرُوفَ فِي النُّطْقِ تُخَالِفُ الْحُرُوفَ فِي الْخَطِّ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ يَزِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَتَخْتَلِفُ الْحُرُوفُ مِنْ وَجْهٍ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِأُمُورِ : " أَحَدُهَا " أَنَّ أَلِفَاتِ الْوَصْلِ ثَابِتَةٌ فِي الْخَطِّ وَهِيَ فِي اللَّفْظِ تَثْبُتُ فِي الْقَطْعِ وَتُحْذَفُ فِي الْوَصْلِ فَالْعَادُّ إنْ حَسَبَهَا انْتَقَضَ عَلَيْهِ حَالُ الْقَارِئِ إذَا وَصَلَ وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا وَإِنْ أَسْقَطَهَا انْتَقَضَ عَلَيْهِ بِحَالِ الْقَارِئِ الْقَاطِعِ وَبِالْخَطِّ . الثَّانِي أَنَّ الْحَرْفَ الْمُشَدَّدَ حَرْفَانِ فِي اللَّفْظِ أَوَّلُهُمَا سَاكِنٌ وَهَذَا مَعْرُوفٌ بِالْحِسِّ وَاتِّفَاقِ النَّاسِ وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ فِي اللَّفْظِ وَأَمَّا فِي الْخَطِّ فَقَدْ يَكُونَانِ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ ( { إيَّاكَ } و ( { إيَّاكَ } وَقَدْ يَكُونَانِ حَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِثْلَ : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } و { حِينَئِذٍ } - و { قَدْ سَمِعَ } - فَالْعَادُّ إنْ حَسَبَ اللَّفْظَ فَالْإِدْغَامُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَالِ الْوَصْلِ دُونَ حَالِ الْقَطْعِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَوَّلَ مِنْ جِنْسِ الثَّانِي وَهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَرْفِ الْمُعَادِ بِهَا . وَإِنْ حَسَبَ الْخَطَّ كَانَ الْأَمْرُ أَعْظَمَ اضْطِرَابًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ تَارَةً حَرْفًا وَتَارَةً حَرْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُتَهَجَّى فَالنُّطْقُ بِخِلَافِهِ . الثَّالِثُ أَنَّ تَقْطِيعَ حُرُوفِ النُّطْقِ مِنْ جِنْسِ تَقْطِيعِ الْعَرُوضِيِّينَ وَأَمَّا حُرُوفُ الْخَطِّ فَيُخَالِفُ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَالنَّاسُ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَتَهَجَّوْنَ الْحُرُوفَ مَكْتُوبَةً لَا مَنْطُوقَةً وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ عَظِيمٌ . الرَّابِعُ أَنَّ النُّطْقَ بِالْحُرُوفِ يَنْقَسِمُ إلَى تَرْتِيلٍ وَغَيْرِ تَرْتِيلٍ وَمَقَادِيرُ الْمَدَّاتِ وَالْأَصْوَاتِ مِنْ الْقُرَّاءِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ وَقَدْ يَكُونُ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ أُكْثِرَ مِمَّا فِي الْآخَرِ فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ التَّسْوِيَةِ فِي النُّطْقِ وَمُرَاعَاةُ مُجَرَّدِ الْخَطِّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَسْوِيَةَ زَمَانِ الْقِرَاءَةِ . وَإِذَا كَانَ تَحْزِيبُهُ بِالْحُرُوفِ إنَّمَا هُوَ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ تَجْزِئَتِهِ بِالسُّوَرِ هُوَ أَيْضًا تَقْرِيبٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْأَسْبَاعِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ فِي الْحُرُوفِ وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ بِقِرَاءَةِ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ وَالِافْتِتَاحِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ بِهِ السُّورَةَ وَالِاخْتِتَامِ بِمَا خَتَمَ بِهِ وَتَكْمِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ التَّحْزِيبِ . وَفِيهِ أَيْضًا مِنْ زَوَالِ الْمَفَاسِدِ الَّذِي فِي ذَلِكَ التَّحْزِيبِ مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهَا فَصَارَ رَاجِحًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ طُولَ الْعِبَادَةِ وَقِصَرَهَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْمَصَالِحِ فَتُسْتَحَبُّ إطَالَةُ الْقِيَامِ تَارَةً وَتَخْفِيفُهُ أُخْرَى فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ بِحَسَبِ الْوُجُوهِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوعُ هُوَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَقَادِيرِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي مَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ لَا اعْتِبَارَ بِهِ إذَا قَارَنَهُ مَصْلَحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ التَّسَاوِي فِي الْفَضْلِ ; بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ ; وَأَمْثَالَ ذَلِكَ . فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ بِكَمَالِهَا وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى آخِرِ بَرَاءَةَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إلَى آخِرِ النَّمْلِ : كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ : { بَلِيغًا } وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى قَوْلِهِ : { إنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } فَعَلَى هَذَا إذَا قَرَأَهُ كُلَّ شَهْرٍ كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَوَّلًا عَمَلًا عَلَى قِيَاسِ تَحْزِيبِ الصَّحَابَةِ ; فَالسُّورَةُ الَّتِي تَكُونُ نَحْوَ جُزْءٍ أَوْ أَكْثَرَ بِنَحْوِ نِصْفٍ أَوْ أَقَلَّ بِيَسِيرِ يَجْعَلُهَا حِزْبًا كَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ وَالْمَائِدَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ . وَأَمَّا الْبَقَرَةُ فَقَدْ يُقَالُ : يَجْعَلُهَا حِزْبًا وَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ حِزْبَيْنِ وَثُلُثٍ ; لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ يُقَسِّمُهَا حِزْبَيْنِ لِلْحَاجَةِ ; لِأَنَّ التَّحْزِيبَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَقَارِبًا ; بِحَيْثُ يَكُونُ الْحِزْبُ مِثْلَ الْأَجْزَاءِ وَمِثْلَهُ مَرَّةً وَدُونَ النِّصْفِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَرَّتَيْنِ وَشَيْئًا فَهَذَا تَضْعِيفٌ وَزِيَادَةٌ . وَعَلَى هَذَا فَإِلَى الْأَعْرَافِ سَبْعَةُ أَجْزَاءٍ وَالْأَنْفَالُ جُزْءٌ وَبَرَاءَةُ جُزْءٌ فَإِنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهَا جُزْءًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى أَنْ يَكُونَ نَحْوَ الثُّلُثِ فِي ثَمَانِيَةٍ وَاَلَّذِي رَجَّحْنَاهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَحْوَ الثُّلُثِ فِي تِسْعَةٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ . وَتَحْزِيبُ الصَّحَابَةِ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحِزْبُ الْأَوَّلُ أَكْثَرَ وَيَكُونُ إلَى آخِرِ الْعَنْكَبُوتِ الْعُشْرُ الثَّانِي سُورَتَيْنِ سُورَتَيْنِ . وَأَمَّا يُونُسُ وَهُودٌ فَجُزْءَانِ أَيْضًا أَوْ جُزْءٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ ذَوَاتِ { الر } وَيَكُونُ عَلَى هَذَا الثُّلُثُ الْأَوَّلُ سُورَةً سُورَةً وَالثَّانِي سُورَتَيْنِ سُورَتَيْنِ ; لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ فِي الْعُشْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ بِسُورَةِ أَقْرَبُ مِنْ الزِّيَادَةِ بِسُورَتَيْنِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ عَشَرَةُ أَحْزَابٍ سُورَةً سُورَةً وَهَذَا أَشْبَهُ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَيُوسُفُ وَالرَّعْدُ جُزْءٌ وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ وَالْحِجْرُ وَكَذَلِكَ النَّحْلُ وَسُبْحَانَ وَكَذَلِكَ الْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَكَذَلِكَ طَه وَالْأَنْبِيَاءُ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَالْمُؤْمِنُونَ وَكَذَلِكَ النُّورُ وَالْفُرْقَانُ وَكَذَلِكَ ذَاتُ { طس } الشُّعَرَاءُ وَالنَّمْلُ وَالْقَصَصُ وَذَاتُ { الم } الْعَنْكَبُوتُ وَالرُّومُ وَلُقْمَانُ وَالسَّجْدَةُ جُزْءٌ وَالْأَحْزَابُ وَسَبَأٌ وَفَاطِرٌ جُزْءٌ و يس وَالصَّافَّاتُ وَصِّ جُزْءٌ وَالزُّمَرُ وَغَافِرٌ و حم السَّجْدَةُ جُزْءٌ وَالْخَمْسُ الْبَوَاقِي مِنْ آلِ حم جُزْءٌ . وَالثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِتَشَابُهِ أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالثَّانِي أَشْبَهُ بِمِقْدَارِ جُزْءٍ مِنْ تَجْزِئَةِ الْحُرُوفِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ . ثُمَّ " الْقِتَالُ " و " الْفَتْحُ " و " الْحُجُرَاتُ " و " ق " و " الذَّارِيَاتُ " جُزْءٌ ثُمَّ الْأَرْبَعَةُ الْأَجْزَاءُ الْمَعْرُوفَةُ وَهَذَا تَحْزِيبٌ مُنَاسِبٌ مُشَابِهٌ لِتَحْزِيبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ مُقَارِبٌ لِتَحْزِيبِ الْحُرُوفِ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً حِزْبٌ حِزْبٌ ; إذْ الْبَقَرَةُ كَسُورَتَيْنِ ; فَيَكُونُ إحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً وَهِيَ نَصِيبُ إحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .