مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ - أَئِمَّةُ الدِّينِ وَهُدَاةُ الْمُسْلِمِينَ : - فِي كِتَابٍ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ زَعَمَ مُصَنِّفُهُ أَنَّهُ وَضَعَهُ وَأَخْرَجَهُ لِلنَّاسِ بِإِذْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامٍ زَعَمَ أَنَّهُ رَآهُ ; وَأَكْثَرُ كِتَابِهِ ضِدٌّ لِمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَعَكْسٌ وَضِدٌّ عَنْ أَقْوَالِ أَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلَةِ ; فمما قَالَ فِيهِ : إنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا سُمِّيَ إنْسَانًا لِأَنَّهُ لِلْحَقِّ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ إنْسَانِ الْعَيْنِ مِنْ الْعَيْنِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ النَّظَرُ . وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : إنَّ الْحَقَّ الْمُنَزَّهَ هُوَ الْخَلْقُ الْمُشَبَّهُ . وَقَالَ فِي قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُمْ لِوَدِّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ : لَجَهِلُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْ هَؤُلَاءِ . ثُمَّ قَالَ : فَإِنَّ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَجْهًا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ وَيَجْهَلُهُ مَنْ جَهِلَهُ . فَالْعَالِمُ يَعْلَمُ مَنْ عَبَدَ وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى [ عَبَدَ ] وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ : كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ . ثُمَّ قَالَ فِي قَوْمِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُمْ حَصَلُوا فِي عَيْنِ الْقُرْبِ فَزَالَ الْبُعْدُ فَزَالَ مُسَمَّى جَهَنَّمَ فِي حَقِّهِمْ فَفَازُوا بِنَعِيمِ الْقُرْبِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِمَّا أَعْطَاهُمْ هَذَا الْمَقَامَ الذَّوْقِيَّ اللَّذِيذَ مِنْ جِهَةِ الْمِنَّةِ فَإِنَّمَا أَخَذُوهُ بِمَا اسْتَحَقَّتْهُ حَقَائِقُهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وَكَانُوا عَلَى صِرَاطِ الرَّبِّ الْمُسْتَقِيمِ . ثُمَّ إنَّهُ أَنْكَرَ فِيهِ حُكْمَ الْوَعِيدِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ حَقَّتْ [ عَلَيْهِ ] كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَائِرَ الْعَبِيدِ فَهَلْ يَكْفُرُ مَنْ يُصَدِّقُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَوْ يَرْضَى بِهِ مِنْهُ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَأْثَمُ سَامِعُهُ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا وَلَمْ يُنْكِرْهُ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا بِالْوُضُوحِ وَالْبَيَانِ كَمَا أَخَذَ الْمِيثَاقَ لِلتِّبْيَانِ فَقَدْ أَضَرَّ الْإِهْمَالُ بِالضُّعَفَاءِ وَالْجُهَّالِ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ الِاتِّكَالُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْمُلْحِدِينَ النَّكَالَ ; لِصَلَاحِ الْحَالِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الضَّلَالِ .
وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا : عَلَى أَنَّ الْخَالِقَ تَعَالَى بَائِنٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ . وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ كَفَّرُوا الجهمية لَمَّا قَالُوا إنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَكَانَ مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِمْ : أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ فِي الْبُطُونِ وَالْحُشُوشِ والأخلية ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . فَكَيْفَ بِمَنْ يَجْعَلُهُ نَفْسَ وُجُودِ الْبُطُونِ وَالْحُشُوشِ والأخلية وَالنَّجَاسَاتِ وَالْأَقْذَارِ ؟ . وَاتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا : أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ . وَلَا فِي أَفْعَالِهِ وَقَالَ : مَنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا رَسُولَهُ تَشْبِيهًا . وَأَيْنَ الْمُشَبِّهَةُ الْمُجَسِّمَةُ مِنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ غَايَةُ كُفْرِهِمْ : أَنْ يَجْعَلُوهُ مِثْلَ الْمَخْلُوقَاتِ . لَكِنْ يَقُولُونَ : هُوَ قَدِيمٌ وَهِيَ مُحْدَثَةُ وَهَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ عَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَجَعَلُوهُ نَفْسَ الْأَجْسَامِ الْمَصْنُوعَاتِ وَوَصَفُوهُ بِجَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ الَّتِي يُوصَفُ بِهِمَا كُلُّ كَافِرٍ وَكُلُّ فَاجِرٍ وَكُلُّ شَيْطَانٍ وَكُلُّ سَبُعٍ وَكُلُّ حَيَّةٍ مِنْ الْحَيَّاتِ فَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ إفْكِهِمْ وَضَلَالِهِمْ وَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَلِدِينِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إنَّ النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا لِتَخْصِيصِهِمْ ; حَيْثُ قَالُوا : { إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ } فَكُلَّمَا قَالَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ : يَقُولُونَهُ فِي اللَّهِ وَكُفْرُ النَّصَارَى جُزْءٌ مِنْ كُفْرِ هَؤُلَاءِ . وَلَمَّا قَرَءُوا هَذَا الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ ; قَالَ لَهُ قَائِلٌ : هَذَا الْكِتَابُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ . فَقَالَ : الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِرْكٌ . وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ فِي كَلَامِنَا هَذَا : يَعْنِي أَنَّ الْقُرْآنَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ وَحَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْعَبْدُ ; فَقَالَ لَهُ الْقَائِلُ : فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ زَوْجَتِي وَبِنْتِي إذًا ؟ قَالَ : لَا فَرْقَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ . وَهَؤُلَاءِ إذَا قِيلَ فِي مَقَالَتِهِمْ إنَّهَا كُفْرٌ : لَمْ يُفْهَمْ هَذَا اللَّفْظُ حَالَهَا فَإِنَّ الْكُفْرَ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ بَلْ كُفْرُ كُلِّ كَافِرٍ جُزْءٌ مِنْ كُفْرِهِمْ ; وَلِهَذَا قِيلَ لِرَئِيسِهِمْ أَنْتَ نصيري . فَقَالَ : نُصَيْرٌ جُزْءٌ مِنِّي وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ : إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الجهمية وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ الجهمية فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانَ غَايَتُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ وُجُودُ كُلِّ مَكَانٍ ; مَا عِنْدَهُمْ مَوْجُودَانِ ; أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مَحَلٌّ . وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ آدَمَ مِنْ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ إنْسَانِ الْعَيْنِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ; بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُرْسَلِينَ : أَنَّ مَنْ قَالَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ إذْ النَّصَارَى لَمْ تَقُلْ هَذَا - وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ - لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ عَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ هِيَ جُزْءُ الْخَالِقِ وَلَا أَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمَخْلُوقُ وَلَا الْحَقُّ الْمُنَزَّهُ هُوَ الْخَلْقُ الْمُشَبَّهُ .