تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ : لَفْظُ " الْإِسْلَامِ " يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ : " مُتَعَدِّيًا " كَقَوْلِهِ : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } وَقَوْلِهِ : { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } الْآيَةَ { وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَاءِ الْمَنَامِ . أَسْلَمْت نَفَسِي إلَيْك } . وَيُسْتَعْمَلُ " لَازِمًا " كَقَوْلِهِ : { إذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَوْلِهِ : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَقَوْلِهِ عَنْ بلقيس : { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } . وَهُوَ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا الِانْقِيَادُ وَالِاسْتِسْلَامُ . وَ ( الثَّانِي : إخْلَاصُ ذَلِكَ وَإِفْرَادُهُ . كَقَوْلِهِ : { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } . وَعُنْوَانُهُ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ . وَلَهُ مَعْنَيَانِ . ( أَحَدُهُمَا : الدِّينُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ ; كَمَا دَلَّ عَلَى اتِّحَادِ دِينِهِمْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَ ( الثَّانِي مَا اخْتَصَّ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ الدِّينِ وَالشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ - وَهُوَ الشَّرِيعَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَالْحَقِيقَةُ - وَلَهُ مَرْتَبَتَانِ : ( أَحَدُهُمَا الظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَهِيَ الْمَبَانِي الْخَمْسُ . وَ ( الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ مُطَابِقًا لِلْبَاطِنِ . فَبِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ [ جَاءَتْ ] الْآيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْحَدِيثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا . وَبِالتَّفْسِيرِ الثَّانِي يُقَالُ : { إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } وَقَوْلُهُ : { وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } وَقَوْلُهُ : آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَفَسَّرَهُ بِخِصَالِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ فَالْإِيمَانُ التَّامُّ وَالدِّينُ وَالْإِسْلَامُ سَوَاءٌ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَفْهَمْ الْمُعْتَزِلَةُ غَيْرَهُ . وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَعْنًى ثَالِثٌ هُوَ كَمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ : { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } فَيَكُونُ أَسْلَمَ غَيْرَهُ أَيْ جَعَلَهُ سَالِمًا مِنْهُ . وَلَفْظُ الْإِيمَانِ : قِيلَ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ - وَلَيْسَ مُطَابِقًا لَهُ ; بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَصْدِيقًا عَنْ غَيْبٍ وَإِلَّا فَالْخَبَرُ عَنْ مَشْهُودٍ لَيْسَ تَصْدِيقُهُ إيمَانًا ; لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْنِ الَّذِي هُوَ الطُّمَأْنِينَةُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُخْبِرِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ فِيهِ رَيْبٌ وَالْمَشْهُودَاتُ لَا رَيْبَ فِيهَا . إلَّا عَلَى هَذَا - فَأَمَّا تَصْدِيقُ الْقَلْبِ فَقَطْ كَمَا تَقُولُ الجهمية وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَمَّا الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ كَمَا تَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ أَوْ بِاللِّسَانِ كَمَا تَقُولُهُ الكرامية وَأَمَّا التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ - فَإِنَّ الْجَمِيعَ يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى التَّصْدِيقِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا فَسَّرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ - . وَقِيلَ : بَلْ هُوَ الْإِقْرَارُ ; لِأَنَّ التَّصْدِيقَ إنَّمَا يُطَابِقُ الْخَبَرَ فَقَطْ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَيُطَابِقُ الْخَبَرَ وَالْأَمْرَ كَقَوْلِهِ : { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا } وَلِأَنَّ قَرَّ وَآمَنَ : مُتَقَارِبَانِ . فَالْإِيمَانُ دُخُولٌ فِي الْأَمْنِ وَالْإِقْرَارُ دُخُولٌ فِي الْإِقْرَارِ وَعَلَى هَذَا فَالْكَلِمَةُ إقْرَارٌ وَالْعَمَلُ بِهَا إقْرَارٌ أَيْضًا . ثُمَّ هُوَ فِي الْكِتَابِ بِمَعْنَيَيْنِ : أَصْلٌ وَفَرْعٌ وَاجِبٌ فَالْأَصْلُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَرَاءَ الْعَمَلِ فَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ : { آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وَاَلَّذِي يَجْمَعُهُمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ } { لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } . وَحَدِيثُ " الْحَيَّا " وَ " وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ " وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَصْلٍ لَا يَتِمُّ بِدُونِهِ وَمِنْ وَاجِبٍ يَنْقُصُ بِفَوَاتِهِ نَقْصًا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعُقُوبَةَ وَمِنْ مُسْتَحَبٍّ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ عُلُوُّ الدَّرَجَةِ فَالنَّاسُ فِيهِ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمُقْتَصِدٌ وَسَابِقٌ كَالْحَجِّ وَكَالْبَدَنِ وَالْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَعْمَالِ وَالصِّفَاتِ فَمِنْ سَوَاءِ أَجْزَائِهِ مَا إذَا ذَهَبَ نَقْصٌ عَنْ الْأَكْمَلِ وَمِنْهُ مَا نَقَصَ عَنْ الْكَمَالِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فِعْلُ الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْهُ مَا نَقَصَ رُكْنُهُ وَهُوَ تَرْكُ الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ : الَّذِي يَزْعُمُ الْمُرْجِئَةُ والجهمية أَنَّهُ مُسَمًّى فَقَطْ وَبِهَذَا تَزُولُ شُبُهَاتُ الْفِرَقِ . وَأَصْلُهُ الْقَلْبُ وَكَمَالُهُ الْعَمَلُ الظَّاهِرُ بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ أَصْلَهُ الظَّاهِرُ وَكَمَالَهُ الْقَلْبُ .