تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي كُنْت دَائِمًا أَعْلَمُ أَنَّ الْمَنْطِقَ الْيُونَانِيَّ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الذَّكِيُّ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْبَلِيدُ . وَلَكِنْ كُنْت أَحْسَبُ أَنَّ قَضَايَاهُ صَادِقَةٌ لِمَا رَأَيْنَا مِنْ صِدْقِ كَثِيرٍ مِنْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي فِيمَا بَعْدُ خَطَأُ طَائِفَةٍ مِنْ قَضَايَاهُ وَكَتَبْت فِي ذَلِكَ شَيْئًا ; وَلَمَّا كُنْت بالإسكندرية اجْتَمَعَ بِي مَنْ رَأَيْته يُعَظِّمُ الْمُتَفَلْسِفَةَ بِالتَّهْوِيلِ وَالتَّقْلِيدِ فَذَكَرْت لَهُ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ التَّجْهِيلِ وَالتَّضْلِيلِ . وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنِّي كَتَبْت فِي قَعْدَةٍ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَنْطِقِ مَا عَلَّقْته تِلْكَ السَّاعَةَ . وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ هِمَّتِي لِأَنَّ هِمَّتِي كَانَتْ فِيمَا كَتَبْته عَلَيْهِمْ فِي " الْإِلَهِيَّاتِ " وَتَبَيَّنَ لِي أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْمَنْطِقِ هُوَ مِنْ أَصُوَلِ فَسَادِ قَوْلِهِمْ فِي الْإِلَهِيَّاتِ مِثْلَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَرْكِيبِ الْمَاهِيَّاتِ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي سَمَّوْهَا ذَاتِيَّاتٍ . وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ حَصْرِ طُرُقِ الْعِلْمِ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُدُودِ وَالْأَقْيِسَةِ الْبُرْهَانِيَّاتِ بَلْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُدُودِ الَّتِي بِهَا تُعْرَفُ التَّصَوُّرَاتُ . بَلْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صُوَرِ الْقِيَاسِ وَمَوَادِّهِ الْيَقِينِيَّاتِ . فَأَرَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَكْتُبَ مَا عَلَّقْته إذْ ذَاكَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَنْطِقِ فَأَذِنْت فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مَا فُتِحَ مِنْ بَابِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ يَحْتَمِلُ أَضْعَافَ مَا عَلَّقْته . فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ بَنَوْا " الْمَنْطِقَ " عَلَى الْكَلَامِ فِي الْحَدِّ وَنَوْعِهِ وَالْقِيَاسِ الْبُرْهَانِيِّ وَنَوْعِهِ . قَالُوا : لِأَنَّ الْعِلْمَ إمَّا تَصَوُّرٌ وَإِمَّا تَصْدِيقٌ فَالطَّرِيقُ الَّذِي يُنَالُ بِهِ التَّصَوُّرُ هُوَ الْحَدُّ وَالطَّرِيقُ الَّذِي يُنَالُ بِهِ التَّصْدِيقُ هُوَ الْقِيَاسُ .