وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ رَجُلَيْنِ تَجَادَلَا فِي " الْأَحْرُفِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ " فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّهَا قَدِيمَةٌ لَيْسَ لَهَا مُبْتَدَأٌ وَشَكْلُهَا وَنَقْطُهَا مُحْدَثٌ . فَقَالَ الْآخَرُ لَيْسَتْ بِكَلَامِ اللَّهِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ بِشَكْلِهَا وَنَقْطِهَا وَالْقَدِيمُ هُوَ اللَّهُ وَكَلَامُهُ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَكِنَّهُ كَتَبَ بِهَا . وَسَأَلَا أَيُّهُمَا أَصْوَبُ قَوْلًا وَأَصَحُّ اعْتِقَادًا ؟
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ الْحُرُوفَ قَدِيمَةٌ أَوْ حُرُوفُ الْمُعْجَمِ قَدِيمَةٌ فَإِنْ أَرَادَ جِنْسَهَا فَهَذَا صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ الْحَرْفَ الْمُعَيَّنَ فَقَدْ أَخْطَأَ فَإِنَّ لَهُ مَبْدَأٌ وَمُنْتَهًى وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِغَيْرِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُحْدَثًا . وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحُرُوفِ مُجْمَلٌ يُرَادُ بِالْحُرُوفِ الْحُرُوفُ الْمَنْطُوقَةُ الْمَسْمُوعَةُ الَّتِي هِيَ مَبَانِي الْكَلَامِ وَيُرَادُ بِهَا الْحُرُوفُ الْمَكْتُوبَةُ وَيُرَادُ بِهَا الْحُرُوفُ الْمُتَخَيَّلَةُ فِي النَّفْسِ وَالصَّوْتِ لَا يَكُونُ كَلَامًا إلَّا بِالْحُرُوفِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ . وَأَمَّا الْحُرُوفُ فَهَلْ تَكُونُ كَلَامًا بِدُونِ الصَّوْتِ ؟ فِيهِ نِزَاعٌ . وَالْحَرْفُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الصَّوْتُ الْمُقَطَّعُ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ نِهَايَةُ الصَّوْتِ وَحْدَهُ وَقَدْ يُرَادُ بِالْحُرُوفِ الْمِدَادُ وَقَدْ يُرَادُ بِالْحُرُوفِ شَكْلُ الْمِدَادِ فَالْحُرُوفُ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ قِيلَ كَلَامُ اللَّهِ الْمَكْتُوبُ فِي الْمُصْحَفِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَمَّا نَفْسُ أَصْوَاتُ الْعِبَادِ فَمَخْلُوقَةٌ وَالْمِدَادُ مَخْلُوقٌ وَشَكْلُ الْمِدَادِ مَخْلُوقٌ فَالْمِدَادُ مَخْلُوقٌ بِمَادَّتِهِ وَصُورَتِهِ وَكَلَامُ اللَّهِ الْمَكْتُوبُ بِالْمِدَادِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ . وَمِنْ كَلَامِ اللَّهِ الْحُرُوفُ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا فَإِذَا كُتِبَتْ بِالْمِدَادِ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوقَةً وَكَانَ الْمِدَادُ مَخْلُوقًا . وَأَشْكَالُ الْحُرُوفِ الْمَكْتُوبَةِ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهَا اصْطِلَاحُ الْأُمَمِ . وَالْخَطُّ الْعَرَبِيُّ قَدْ قِيلَ إنَّ مَبْدَأَهُ كَانَ مِنْ الْأَنْبَارِ وَمِنْهَا انْتَقَلَ إلَى مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَالْخَطُّ الْعَرَبِيُّ تَخْتَلِفُ صُورَتُهُ : الْعَرَبِيُّ الْقَدِيمُ فِيهِ تَكَوُّفٌ وَقَدْ اصْطَلَحَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى تَغْيِيرِ بَعْضِ صُوَرِهِ وَأَهْلُ الْمَغْرِب لَهُمْ اصْطِلَاحٌ ثَالِثٌ حَتَّى فِي نَقْطِ الْحُرُوفِ وَتَرْتِيبِهَا وَكَلَامُ اللَّهِ الْمَكْتُوبُ بِهَذِهِ الْخُطُوطِ كَالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ هُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْخُطُوطِ الَّتِي يُكْتَبُ بِهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَالْحَرْفُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ فِي كَلَامِ الْخَالِقِ أَوْ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ فِي كَلَامِ الْعِبَادِ وَإِنْ قُلْتُمْ مَخْلُوقٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا فِي كَلَامِ اللَّهِ ؟ قِيلَ : قَوْلُ الْقَائِلِ الْحَرْفُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ كَقَوْلِهِ الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَالْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَالْقُدْرَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَالْوُجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَغَيْرَهَا إذَا أُخِذَتْ مُجَرَّدَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ وَلَا مُشَخَّصَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقِيقَةٌ فِي الْخَارِجِ عَنْ الْأَذْهَانِ إلَّا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَيْسَ ثَمَّ وُجُودٌ إلَّا وُجُودُ الْخَالِقِ أَوْ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ وَوُجُودُ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُخْتَصٌّ بِهِ وَإِنْ كَانَ اسْمُ الْوُجُودِ عَامًّا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادَ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا عِلْمُ الْخَالِقِ وَعِلْمُ الْمَخْلُوقِ وَعِلْمُ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُخْتَصٌّ بِهِ قَائِمٌ بِهِ وَاسْمُ الْكَلَامِ وَالْحُرُوفِ يَعُمُّ كُلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْحُرُوفِ وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا كَلَامُ الْخَالِقِ وَكَلَامُ الْمَخْلُوقِينَ . وَكَلَامُ كُلِّ مَخْلُوقٍ مُخْتَصٌّ بِهِ وَاسْمُ الْكَلَامِ يَعُمُّ كُلَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا اللَّفْظُ . وَلَيْسَ فِي الْخَارِجِ إلَّا الْحُرُوفُ الَّتِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهَا الْمَوْجُودَةُ فِي كَلَامِ الْخَالِقِ وَالْحُرُوفُ الْمَوْجُودَةُ فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ . فَإِذَا قِيلَ : إنَّ عِلْمَ الرَّبِّ وَقُدْرَتَهُ بِكَلَامِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَحُرُوفَ كَلَامِهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِلْمُ الْعَبْدِ وَقُدْرَتُهُ وَكَلَامُهُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَحُرُوفُ كَلَامِهِ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ . وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْحَرْفِ يَتَنَاوَلُ الْحَرْفَ الْمَنْطُوقَ وَالْحَرْفَ الْمَكْتُوبَ وَإِذَا قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْحُرُوفِ الْمَنْطُوقَةِ كَمَا تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَبِقَوْلِهِ : الم - وَحُمَّ - وَطسم - وَطَسَ - وَيس - وَقِ - وَنِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا كَلَامُهُ وَكَلَامُهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَإِذَا كُتِبَ فِي الْمَصَاحِفِ كَانَ مَا كُتِبَ مِنْ كَلَامِ الرَّبِّ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَإِنْ كَانَ الْمِدَادُ وَشَكْلُهُ مَخْلُوقًا . وَ " أَيْضًا " فَإِذَا قَرَأَ النَّاسُ كَلَامَ اللَّهِ فَالْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ إذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ تَكَلَّمَ بِهِ وَإِذَا قَرَأَهُ الْمُبَلِّغُ لَمْ يَخْرَجْ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَلَامَ اللَّهِ ; فَإِنَّ الْكَلَامَ كَلَامُ مَنْ قَالَهُ مُبْتَدِئًا أَمْرًا يَأْمُرُ بِهِ أَوْ خَبَرًا يُخْبِرُهُ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ الْمُبَلِّغِ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ ; إذْ لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ . وَإِذَا قَرَأَهُ الْمُبَلِّغُ فَقَدْ يُشَارُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ فَيُقَالُ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا بَلَغَهُ بِهِ الْعِبَادُ مِنْ صِفَاتِهِمْ وَقَدْ يُشَارُ إلَى نَفْسِ صِفَةِ الْعَبْدِ كَحَرَكَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَقَدْ يُشَارُ إلَيْهِمَا فَالْمُشَارُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ الثَّانِي مَخْلُوقٌ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ الثَّالِثُ فَمِنْهُ مَخْلُوقٌ وَمِنْهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ نَظِيرِ هَذَا هُوَ نَظِيرُ صِفَةِ الْعَبْدِ لَا نَظِيرُ صِفَةِ الرَّبِّ أَبَدًا . وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ الْقَافُ فِي قَوْلِهِ { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } كَالْقَافِ فِي قَوْلِهِ : قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِلٍ قِيلَ : مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ وَسُمِعَ مِنْهُ لَا يُمَاثِلُ صِفَةَ الْمَخْلُوقِينَ وَلَكِنْ إذَا بَلَّغْنَا كَلَامَ اللَّهِ فَإِنَّمَا بَلَّغْنَاهُ بِصِفَاتِنَا وَصِفَاتُنَا مَخْلُوقَةٌ وَالْمَخْلُوقُ يُمَاثِلُ الْمَخْلُوقَ . وَفِي هَذَا جَوَابٌ لِلطَّائِفَتَيْنِ لِمَنْ قَاسَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ بِصِفَةِ الْخَالِقِ فَجَعَلَهَا غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ فَإِنَّ الجهمية الْمُعَطِّلَةَ أَشْبَاهُ الْيَهُودِ وَالْحُلُولِيَّةُ الْمُمَثِّلَةُ أَشْبَاهُ النَّصَارَى دَخَلُوا فِي هَذَا وَهَذَا أُولَئِكَ مَثَّلُوا الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فَوَصَفُوهُ بِالنَّقَائِصِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالْمَخْلُوقِ : كَالْفَقْرِ وَالْبُخْلِ وَهَؤُلَاءِ مَثَّلُوا الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ فَوَصَفُوهُ بِخَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ وَالْمُسْلِمُونَ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَبِمَا وَصَفَتْهُ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ بَلْ يُثْبِتُونَ لَهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَيُنَزِّهُونَهُ عَنْ الْأَكْفَاءِ وَالْأَمْثَالِ فَلَا يُعَطِّلُونَ الصِّفَاتِ وَلَا يُمَثِّلُونَهَا بِصِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ ; فَإِنَّ الْمُعَطِّلَ يَعْبُدُ عَدَمًا وَالْمُمَثِّلَ يَعْبُدُ صَنَمًا وَاَللَّهُ تَعَالَى { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ كَلَامَ الْمُتَكَلِّمِ فِي نَفْسِهِ وَاحِدٌ وَإِذَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُونَ تَخْتَلِفُ أَصْوَاتُهُمْ بِهِ فَإِذَا أَنْشَدَ الْمُنْشِدُ قَوْلَ لَبِيدٍ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ كَلَامَ لَبِيَدِ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ مَعَ أَنَّ أَصْوَاتَ الْمُنْشِدِينَ لَهُ تَخْتَلِفُ وَتِلْكَ الْأَصْوَاتُ لَيْسَتْ صَوْتَ لَبِيَدِ : وَكَذَلِكَ مَنْ رَوَى حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِهِ كَقَوْلِهِ : " { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } كَانَ هَذَا الْكَلَامُ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَيُقَالُ لِمَنْ رَوَاهُ : أَدَّى الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ وَإِنْ كَانَ صَوْتُ الْمُبَلِّغِ لَيْسَ هُوَ صَوْتَ الرَّسُولِ فَالْقُرْآنُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَلَامَ اللَّهِ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ وَإِذَا قَرَأَهُ الْقُرَّاءُ فَإِنَّمَا يَقْرَءُونَهُ بِأَصْوَاتِهِمْ . وَلِهَذَا كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ : مَنْ قَالَ اللَّفْظُ بِالْقُرْآنِ أَوْ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جهمي وَمَنْ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ يَعْنِي بِهِ الْقُرْآنَ فَهُوَ جهمي ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظًا وَمُسَمَّى هَذَا فِعْلُ الْعَبْدِ وَفِعْلُ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ وَيُرَادُ بِاللَّفْظِ الْقَوْلُ الَّذِي يَلْفِظُ بِهِ اللَّافِظُ وَذَلِكَ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ الْقَارِئِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ فَقَدْ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَقْرَءُوهُ الْمُسْلِمُونَ لَيْسَ هُوَ كَلَامَ اللَّهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ .