وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَمَّنْ قَالَ : اخْتِلَافُ الْمُسْلِمِينَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى " ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ " فَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ قَدِيمُ الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ وَهُمْ الْحَشْوِيَّةُ وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ حَادِثٌ بِالصَّوْتِ وَالْحَرْفِ وَهُمْ الجهمية وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ قَدِيمٌ لَا بِصَوْتِ وَلَا حَرْفٍ إلَّا مَعْنًى قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ وَهُمْ الْأَشْعَرِيَّةُ ؟
وَقَوْلُ الْقَائِلِ : كَمَا لِذَاتِهِ التَّنْزِيهُ عَنْ سِمَاتِ الْخَلْقِ فَكَذَلِكَ لِقَوْلِهِ الْحَقَّ . فَهَذَا مِنْ جِنْسِ سَجْعِ الْكُهَّانِ الَّذِي لَا يُقِيمُ حَقًّا وَلَا يُبْطِلُ بَاطِلًا فَهَلْ تَقُولُ إنَّ كُلَّ مَا وُصِفَ بِهِ الرَّبُّ مِنْ الصِّفَاتِ يَتَّصِفُ بِهِ كُلُّ مَا لَهُ مِنْ الْكَلِمَاتِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّفَاتِ ؟ وَإِذَا قِيلَ : إنَّ الرَّبَّ تَعَالَى إلَهٌ قَادِرٌ خَالِقٌ مَعْبُودٌ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَصِفَاتِهِ إلَهًا قَادِرًا خَالِقًا مَعْبُودًا ؟ وَهَذَا الْقَوْلُ يُضَاهِي قَوْلَ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا : كَمَا أَنَّ أُقْنُومَ الْوُجُودِ إلَهٌ فَكَذَلِكَ أُقْنُومُ الْكَلِمَةِ وَالرُّوحِ فَيُثْبِتُونَ لِلصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَثْبَتُوهَا لِلذَّاتِ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَهُ كَلَامٌ قَائِمٌ بِمَحَلِّ لَا يُوجَدُ بِغَيْرِهِ إذْ لَا بُدَّ لِلْكَلَامِ مِنْ مَحَلٍّ لَا يُوجَدُ الْكَلَامُ بِدُونِهِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَفْتَقِرَ الرَّبُّ إلَى مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ كَمَا يَفْتَقِرُ الْكَلَامُ إلَى ذَلِكَ ؟ وَلَكِنْ يَجِبُ تَنْزِيهُ كَلَامِهِ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ ; إذْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْكَمَالِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ . وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَخْلُوَ عَنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَعَ أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِهَا بَعْضُ مَخْلُوقَاتِهِ فَالْمَوْصُوفُ الْوَاجِبُ الْوُجُودُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ أَحَقُّ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَكُلُّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِمَخْلُوقِ فَمِنْ الْخَالِقِ اسْتَفَادَهُ وَالْخَالِقُ أَوْهَبَهُ إيَّاهُ وَأَعْطَاهُ فَوَاهِبُ الْكَمَالِ وَمُعْطِيهِ أَحَقُّ بِهِ وَأَوْلَى . وَهَذَا مِمَّا يُعَبِّرُ عَنْهُ كُلُّ قَوْمٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ حَتَّى تَقُولَ الْمُتَفَلْسِفَةُ : كُلُّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَعْلُولِ فَهُوَ [ مِنْ ] كَمَالِ الْعِلَّةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَخْلُوقَ الَّذِي خُلِقَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ أَصْلًا ; بَلْ كَلُّ مَا لَهُ فَمِنْ خَالِقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى . وَأَمَّا قَوْلُهُ : وَلْتَعْلَمْ أَنَّ الْحَرْفَ اللِّسَانِيَّ وَالْحَرْفَ الْبَنَانِيَّ : كِلَاهُمَا مُقَيَّدٌ بِزَمَانِ يَصْرِفُهُ الْمَوْلَى مُتَكَلِّمٌ قَبْلَ الزَّمَانِ فَتَعَالَى كَلَامُهُ عَنْ أَنَّ تَكْتَنِفَهُ الحدثان فَقَدْ عَرَفَ مُنَازَعَةَ الْمُنَازِعِينَ لَهُ فِي هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا مُجَرَّدَ الدَّعْوَى وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ تَصَوُّرَ الدَّعْوَى مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُقَلَاءِ وَأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهَا مُقَدِّمَاتٌ يُنَازِعُهُ فِيهَا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ وَآخِرُهَا يَنْتَهِي إلَى مُقَدِّمَاتٍ تَلَقَّوْهَا عَنْ شُيُوخِهِمْ الْمُعْتَزِلَةِ ; فَإِنَّ الكلابية وَالْأَشْعَرِيَّةَ إنَّمَا أَخَذُوا مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكَلَامِ وَمَادَّتَهُ مِنْهُمْ . وَقَدْ عُرِفَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ الْمَوْلَى مُتَكَلِّمٌ قَبْلَ الزَّمَانِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَبْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَبْلَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهَذَا حَقٌّ ; لَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ كُلَّ مَا كَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ وَيُكَلِّمُهُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ ؟ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّهُ قَبْلَ خَلْقِ الْعَالَمِ كَانَ مُنَادِيًا لِمُوسَى قَائِلًا لَهُ : { إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } ؟ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَبْلَ مَا يُوصَفُ بِالْقَبْلِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْفِعْلِ وَالْحَرَكَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي الْأَزَلِ فَقَدْ عَرَفَ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ يُنَازِعُونَهُ فِي هَذَا مَعَ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَقَوْلُهُ : إنَّ الْحَرْفَ وَالصَّوْتَ أَدَاتَانِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ كَمَا يُعَبِّرُ الْإِنْسَانُ عَمَّا قَامَ بِهِ مِنْ الطَّلَبِ . تَارَةً بِالْبَنَانِ وَتَارَةً بِاللِّسَانِ وَتَارَةً بِالرَّأْسِ عِنْدَ طَلَبِ الرَّوَاحِ وَعِنْدَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ فَهَذَا مَذْهَبُ الْحَقِّ وَمَرْكَبُ الصِّدْقِ . فَيُقَالُ لَهُ : هَذَا عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ : " أَحَدُهَا " أَنْ يُقَالَ : مَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ ؟ أَهُوَ وَاحِدٌ كَمَا يَقُولُهُ الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ عِنْدَهُ مَدْلُولُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَدْلُولُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالدِّينِ وَمَدْلُولِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَسُورَةِ الْكَوْثَرِ ؟ أَمْ هُوَ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ ؟ فَإِنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ : كَانَ فَسَادُهُ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ ثُمَّ يُقَالُ : التَّصْدِيقُ فَرْعُ التَّصَوُّرِ وَنَحْنُ لَا نَتَصَوَّرُ هَذَا فَبَيِّنْ لَنَا مَعْنَاهُ . ثُمَّ تَكَلَّمْ عَلَى إثْبَاتِهِ فَإِنْ قَالَ : هُوَ نَظِيرُ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِينَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ بَعْدَ النُّزُولِ عَمَّا يَحْتَمِلُهُ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ بَاطِلًا ; لِأَنَّ الَّذِي فِينَا مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَإِمَّا مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ أَمْرٌ بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَخَبَرٌ عَنْ كُلِّ مَخْبَرٍ عَنْهُ فَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ . الثَّانِي أَنْ يُقَالَ : هَبْ أَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ . فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِهِ ؟ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى قِدَمِهِ ؟ . الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ : قَوْلُك الصَّوْتُ وَالْحَرْفُ عِبَارَةٌ عَنْهُ . أَتَعْنِي بِهِ الْأَصْوَاتَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ أَوْ الْحُرُوفَ الْمَوْجُودَةَ فِي التِّلَاوَةِ وَالْمَصَاحِفِ وَإِمَّا حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا غَيْرَ هَذِهِ . فَإِنْ قُلْت بِالْأَوَّلِ كَانَ بَاطِلًا مِنْ وُجُوهٍ : " أَحَدُهَا " : أَنَّهُ كُلُّ مَنْ أَجَادَ الْقِرَاءَةَ عُبِّرَ عَمَّا فِي نَفْسِ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عُبِّرَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فَيَكُونُ الْمَخْلُوقُ أَقْدَرَ مِنْ الْخَالِقِ . الثَّانِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْقُرَّاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَفْقَهُونَ أَكْثَرَ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَالتَّعْبِيرُ عَمَّا فِي نَفْسِ الْمُعَبِّرِ فَرْعٌ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ جَمِيعَ مَعَانِي الْقُرْآنِ - كَلَامِ اللَّهِ - فَكَيْفَ يُعَبِّرُ عَنْ تِلْكَ الْمَعَانِي " الثَّالِثُ " أَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ إلَّا بِدَلَالَةِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى مَعَانِيهِ ; فَإِذَا سَمِعُوا أَلْفَاظَهُ وَتَدَبَّرُوهُ كَانَ اللَّفْظُ لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي وَالْمُسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ الْمُتَكَلِّمُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْمُعَبِّرَ بِاللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى يَعْرِفُ الْمَعْنَى أَوَّلًا ثُمَّ يَدُلُّ غَيْرَهُ عَلَيْهِ بِالْعِبَارَةِ وَالنَّاسُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ضِدِّ هَذِهِ الْحَالِ ; فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونُوا هُمْ الْمُعَبِّرِينَ بِهِ . الرَّابِعُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِ إلَّا الْحِفْظُ وَالتَّبْلِيغُ وَالْأَدَاءُ ; بَلْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا حَفِظَ خُطَبَ الْخُطَبَاءِ وَشِعْرَ الشُّعَرَاءِ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُعَبِّرَ عَمَّا فِي أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ الْكَلَامِ ; بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ كَلَامَهُمْ وَهُوَ قَدْ حَفِظَهُ وَأَدَّاهُ وَبَلَّغَهُ . فَكَيْفَ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الْخَامِسُ " إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ نَفْسَ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ كُلِّ الْقُرَّاءِ وَأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا تَلَقَّوْهُ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا . وَ " بِالْجُمْلَةِ " فَالدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ . وَإِنْ قُلْت : بَلْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الْمُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْمَعَانِي الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ مِنْ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ وُجُودِ الْقُرَّاءِ : وَلَكِنْ كُلٌّ مِنْ الْقُرَّاءِ حَفِظَ ذَلِكَ النَّظْمَ الْعَرَبِيَّ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَهُ قِيلَ لَك . فَحِينَئِذٍ قَدْ كَانَ ثَمَّ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ غَيْرُ هَذِهِ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ الْقُرَّاءِ وَغَيْرُ الْمِدَادِ الْمَكْتُوبِ فِي الْمَصَاحِفِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ . فَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ مَا ثَمَّ إلَّا الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَوْ هَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ لَيْسَ بِحَقِّ . وَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ : فَتِلْكَ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ أَهِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ ؟ أَمْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ خَلَقَهَا فِي غَيْرِهِ ؟ فَإِنْ قُلْت : هِيَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَزِمَك مَا فَرَرْت مِنْهُ حَيْثُ أَقْرَرْت أَنَّ لِلَّهِ كَلَامًا هُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ كَمَا يَقُولُهُ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ . وَإِنْ قُلْت : لَيْسَتْ كَلَامًا لِلَّهِ فَهَذِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ كَلَامًا لِلَّهِ . وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ .