مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 فَصْلٌ   قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {   قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ   }   {   اللَّهُ الصَّمَدُ   }  فَأَدْخَلَ اللَّامَ  فِي الصَّمَدِ وَلَمْ يُدْخِلْهَا  فِي أَحَدٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ  فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا يُسَمَّى  أَحَدًا  فِي الْإِثْبَاتِ مُفْرِدًا غَيْرَ مُضَافٍ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ; بِخِلَافِ النَّفْيِ وَمَا  فِي مَعْنَاهُ : كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ فَإِنَّهُ  يُقَالُ : هَلْ عِنْدَك أَحَدٌ ؟  وَإِنْ جَاءَنِي أَحَدٌ  مِنْ جِهَتِك أَكْرَمْته وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ  فِي الْعَدَدِ الْمُطْلَقِ  يُقَالُ : أَحَدٌ اثْنَانِ .  وَيُقَالُ : أَحَدٌ عَشْرٌ .  وَفِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ  يُقَالُ : يَوْمُ الْأَحَدِ .  فَإِنَّ  فِيهِ -  عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ - ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . وَمَا بَيْنَهُمَا .  كَمَا  دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ  فَإِنَّ الْقُرْآنَ  أَخْبَرَ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ :  أَنَّهُ  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا  فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَقَدْ  ثَبَتَ  فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ  عَلَى صِحَّتِهِ :  أَنَّ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ  كَانَ  آدَمَ  خُلِقَ يَوْم الْجُمُعَةِ . وَإِذَا  كَانَ آخِرُ الْخَلْقِ  كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ  دَلَّ  عَلَى  أَنَّ  أَوَّلَهُ  كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ لِأَنَّهَا سِتَّةٌ . وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ  مُسْلِمٌ  فِي قَوْلِهِ :   {  خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ   }  فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ  قَدَحَ  فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ  كَالْبُخَارِيِّ  وَغَيْرِهِ  قَالَ  الْبُخَارِيُّ  : الصَّحِيحُ  أَنَّهُ مَوْقُوفٌ  عَلَى  كَعْبٍ  وَقَدْ  ذَكَرَ تَعْلِيلَهُ  البيهقي  أَيْضًا وَبَيَّنُوا  أَنَّهُ غَلَطٌ لَيْسَ مِمَّا رَوَاهُ  أَبُو هُرَيْرَةَ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَهُوَ مِمَّا  أَنْكَرَ الْحُذَّاقُ  عَلَى  مُسْلِمٍ  إخْرَاجَهُ إيَّاهُ  كَمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ إخْرَاجَ أَشْيَاءَ يَسِيرَةٍ وَقَدْ بُسِطَ  هَذَا  فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ وَقَدْ  ذَكَرَ  أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ  فِي   قَوْلِهِ تَعَالَى :   {  خَلَقَ الْأَرْضَ  فِي يَوْمَيْنِ   }  قَالَ  ابْنُ عَبَّاسٍ  :  خَلَقَ الْأَرْضَ  فِي يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ  وَبِهِ  قَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ  وَالضَّحَّاكُ  وَمُجَاهِدٌ  وَابْنُ جريج  والسدي  وَالْأَكْثَرُونَ .  وَقَالَ  مُقَاتِلٌ  فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ .  قَالَ : وَقَدْ  أَخْرَجَ  مُسْلِمٌ  حَدِيثَ  أَبِي هُرَيْرَةَ   {  خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ   }  قَالَ :  وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَصَحُّ فَصَحَّحَ  هَذَا لِظَنِّهِ صِحَّةَ الْحَدِيثِ إذْ رَوَاهُ  مُسْلِمٌ  وَلَكِنَّ  هَذَا لَهُ نَظَائِرُ رَوَى  مُسْلِمٌ  أَحَادِيثَ قَدْ  عَرَفَ  أَنَّهَا غَلَطٌ مِثْلَ قَوْلِ  أَبِي سُفْيَانَ  لَمَّا  أَسْلَمَ :  أُرِيدَ أَنْ أُزَوِّجَك  أُمَّ حَبِيبَةَ  وَلَا خِلَافَ بَيْنِ النَّاسِ  أَنَّهُ  تَزَوَّجَهَا قَبْلَ إسْلَامِ  أَبِي سُفْيَانَ  وَلَكِنَّ  هَذَا قَلِيلٌ جِدًّا وَمِثْلَ مَا رَوَى  فِي بَعْضِ طَرْقِ حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ  أَنَّهُ  صَلَّاهَا بِثَلَاثِ ركوعات وَأَرْبَعٍ وَالصَّوَابُ  أَنَّهُ لَمْ  يُصَلِّهَا إلَّا مَرَّةً  وَاحِدَةً بِرُكُوعَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ  الْبُخَارِيُّ  إلَّا  هَذَا  وَكَذَلِكَ  الشَّافِعِيُّ  وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ  فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَغَيْرِهِمَا  وَالْبُخَارِيُّ  سَلِمَ  مِنْ مِثْلِ  هَذَا ; فَإِنَّهُ إذَا  وَقَعَ  فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ غَلَطٌ  ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الْمَحْفُوظَةَ الَّتِي تُبَيِّنُ غَلَطَ الغالط فَإِنَّهُ  كَانَ  أَعْرَفَ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ  وَأَفْقَهَ  فِي مَعَانِيهِ  مِنْ  مُسْلِمٍ  وَنَحْوِهِ  وَذَكَرَ  ابْنُ الْجَوْزِيِّ  فِي مَوْضِعٍ آخَرَ  أَنَّ  هَذَا قَوْلُ  ابْنِ إسْحَاقَ  قَالَ :  وَقَالَ  ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ  :  وَهَذَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ  .  وَذَكَرَ قَوْلًا ثَالِثًا  فِي  ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ :  أَنَّهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ .  وَقَالَهُ  ابْنُ إسْحَاقَ  وَهَذَا تَنَاقُضٌ .  وَذَكَرَ  أَنَّ  هَذَا قَوْلُ   أَهْلِ   الْإِنْجِيلِ  وَالِابْتِدَاءُ بِيَوْمِ الْأَحَدِ قَوْلُ   أَهْلِ   التَّوْرَاةِ  وَهَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ  عَلَى   أَهْلِ   الْإِنْجِيلِ  .  كَمَا غَلِطَ مَنْ  جَعَلَ الْأَوَّلَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ  مِنْ الْمُسْلِمِينَ .  وَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ ظَنُّوا  أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تَجْعَلُ اجْتِمَاعَهَا  فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ  مِنْ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ الَّتِي  خَلَقَ اللَّهُ  فِيهَا الْعَالَمَ  وَهَذَا غَلَطٌ ;  فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا اجْتِمَاعُهُمْ  فِي آخِرِ يَوْمٍ  خَلَقَ اللَّهُ  فِيهِ الْعَالَمَ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ  كَمَا  ثَبَتَ  ذَلِكَ  فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ .  وَالْمَقْصُودُ هُنَا :  أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ لَمْ يُوصَفْ  بِهِ شَيْءٌ  مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ . وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ  فِي غَيْرِ اللَّهِ  فِي النَّفْيِ  قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يَقُولُ : لَا أَحَدَ  فِي الدَّارِ وَلَا تَقُلْ  فِيهَا أَحَدٌ . وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ  فِي الْقُرْآنِ إلَّا  فِي غَيْرِ الْمُوجَبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {  فَمَا مِنْكُمْ  مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ   }  وَكَقَوْلِهِ :   {   لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ  النِّسَاءِ   }  وَقَوْلِهِ :   {  وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ  فَأَجِرْهُ   }  وَفِي الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ :   {   فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ   }   {   جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ   }  .  وَأَمَّا  اسْمُ ( الصَّمَدِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ  فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِينَ .  كَمَا تَقَدَّمَ . فَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ صَمَدٌ بَلْ  قَالَ : {   اللَّهُ الصَّمَدُ   }  فَبَيَّنَ  أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ ; لَأَنْ  يَكُونَ هُوَ الصَّمَدَ  دُونَ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ الْمُسْتَوْجِبُ لِغَايَتِهِ  عَلَى الْكَمَالِ وَالْمَخْلُوقُ  وَإِنْ  كَانَ صَمَدًا  مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ;  فَإِنَّ حَقِيقَةَ الصَّمَدِيَّةِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ ; فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّفَرُّقَ وَالتَّجْزِئَةَ وَهُوَ أَيْضًا  مُحْتَاجٌ إلَى غَيْرِهِ  فَإِنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ  مُحْتَاجٌ إلَيْهِ  مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَيْسَ أَحَدٌ . يَصْمُدُ إلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ وَلَا يَصْمُدُ هُوَ إلَى شَيْءٍ إلَّا اللَّهُ  تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَيْسَ  فِي الْمَخْلُوقَاتِ إلَّا مَا يَقْبَلُ أَنْ يَتَجَزَّأَ وَيَتَفَرَّقَ وَيَتَقَسَّمَ وَيَنْفَصِلَ بَعْضُهُ  مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ  مِنْ  ذَلِكَ بَلْ حَقِيقَةُ الصَّمَدِيَّةِ  وَكَمَالِهَا لَهُ وَحْدَهُ  وَاجِبَةٌ لَازِمَةٌ لَا يُمْكِنُ عَدَمُ صَمَدِيَّتِهِ بِوَجْهٍ  مِنْ الْوُجُوهِ ;  كَمَا لَا يُمْكِنُ تَثْنِيَةُ أَحَدِّيَّتِهِ بِوَجْهٍ  مِنْ الْوُجُوهِ فَهُوَ أَحَدٌ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ  مِنْ الْأَشْيَاءِ بِوَجْهٍ  مِنْ الْوُجُوهِ  كَمَا  قَالَ  فِي آخِرِ السُّورَةِ : {   وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ   }  اسْتَعْمَلَهَا هُنَا  فِي النَّفْيِ أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ  مِنْ الْأَشْيَاءِ كُفُوًا لَهُ  فِي شَيْءٍ  مِنْ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُ أَحَدٌ . {  وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ سَيِّدُنَا  فَقَالَ : السَّيِّدُ  اللَّهُ   }  وَدَلَّ قَوْلُهُ . ( الْأَحَدُ الصَّمَدُ  عَلَى  أَنَّهُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ;  فَإِنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا أَحْشَاءَ  فَلَا يَدْخُلُ  فِيهِ شَيْءٌ  فَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى  كَمَا  قَالَ : {   قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ  أَتَّخِذُ  وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ   }  وَفِي  قِرَاءَةِ  الْأَعْمَشِ  وَغَيْرِهِ وَلَا يُطْعَمَ بِالْفَتْحِ .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ   }   {   مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ  مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ   }   {   إنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ   }  وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ صَمَدٌ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ فَالْخَالِقُ  لَهُمْ  جَلَّ جَلَالُهُ  أَحَقُّ بِكُلِّ غِنًى  وَكَمَالٍ  جَعَلَهُ لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَلِهَذَا فَسَّرَ بَعْضُ   السَّلَفِ  الصَّمَدَ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَالصَّمَدُ الْمُصْمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ  فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ عَيْنٌ  مِنْ الْأَعْيَانِ  فَلَا يَلِدُ .  وَلِذَلِكَ  قَالَ مَنْ  قَال  مِنْ   السَّلَفِ  : هُوَ الَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ لَيْسَ مُرَادُهُمْ  أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ  وَإِنْ  كَانَ  يُقَالُ  فِي الْكَلَامِ إنَّهُ  خَرَجَ مِنْهُ  كَمَا  قَالَ  فِي الْحَدِيثِ : {   مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ  أَفْضَلَ مِمَّا  خَرَجَ مِنْهُ   }  يَعْنِي الْقُرْآنَ  وَقَالَ  أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ  لَمَّا سَمِعَ قُرْآنَ  مُسَيْلِمَةَ  : إنَّ  هَذَا لَمْ يَخْرُجْ  مِنْ إلٍّ  . فَخُرُوجُ الْكَلَامِ  مِنْ الْمُتَكَلِّمِ هُوَ بِمَعْنَى  أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ  بِهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَيَبْلُغُ إلَى غَيْرِهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ  فِي غَيْرِهِ  كَمَا يَقُولُ   الجهمية  : لَيْسَ بِمَعْنَى  أَنَّ شَيْئًا  مِنْ الْأَشْيَاءِ الْقَائِمَةِ  بِهِ يُفَارِقُهُ وَيَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ  هَذَا مُمْتَنِعٌ  فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ . أَنْ تُفَارِقَ الصِّفَةُ مَحِلَّهَا وَتَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا  فَكَيْفَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ  جَلَّ جَلَالُهُ . وَقَدْ  قَالَ تَعَالَى  فِي  كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ : {   كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ  مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلَّا كَذِبًا   }  وَتِلْكَ الْكَلِمَةُ هِيَ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَسُمِعَتْ مِنْهُ لَيْسَ خُرُوجُهَا  مِنْ  فِيهِ  أَنَّ مَا قَامَ بِذَاتِهِ  مِنْ الْكَلَامِ فَارَقَ ذَاتَه وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ فَخُرُوجُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ  وَمِنْ  شَأْنِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ إذَا  اُسْتُفِيدَ  مِنْ الْعَالِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ أَنْ لَا يَنْقُصَ  مِنْ مَحَلِّهِ وَلِهَذَا شُبِّهَ بِالنُّورِ الَّذِي يَقْتَبِسُ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ الضَّوْءَ وَهُوَ بَاقٍ  عَلَى  حَالِهِ لَمْ يَنْقُصْ فَقَوْلُ مَنْ  قَالَ  مِنْ   السَّلَفِ  : الصَّمَدُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَلَامٌ صَحِيحٌ بِمَعْنَى  أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ شَيْءٌ مِنْهُ . وَلِهَذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَلِدَ وَأَنْ يُولَدَ  وَذَلِكَ  أَنَّ الْوِلَادَةَ وَالتَّوَلُّدَ وَكُلَّ مَا يَكُونُ  مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ إلَّا  مِنْ أَصْلَيْنِ وَمَا  كَانَ  مِنْ الْمُتَوَلِّدِ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا  فَلَا  بُدَّ  لَهَا  مِنْ مَادَّةٍ تَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا  كَانَ عَرَضًا قَائِمًا بِغَيْرِهِ  فَلَا  بُدَّ لَهُ  مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ  بِهِ فَالْأَوَّلُ  نَفَاهُ بِقَوْلِهِ : ( أَحَدٌ  فَإِنَّ الْأَحَدَ هُوَ الَّذِي لَا كُفُؤَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ  تَكُونَ لَا صَاحِبَةَ وَالتَّوَلُّدُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ  قَالَ تَعَالَى : {  أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ   }  فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْوَلَدَ بِامْتِنَاعِ لَازِمِهِ عَلَيْهِ  فَإِنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَبِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ كُلُّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ لَهُ لَيْسَ  فِيهِ شَيْءٌ مَوْلُودٌ لَهُ .  وَالثَّانِي :  نَفَاهُ بِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ الصَّمَدَ  وَهَذَا الْمُتَوَلَّدُ  مِنْ أَصْلَيْنِ يَكُونُ بِجُزْأَيْنِ يَنْفَصِلَانِ  مِنْ الْأَصْلَيْنِ كَتَوَلُّدِ الْحَيَوَانِ  مِنْ  أَبِيهِ وَأُمِّهِ بِالْمَنِيِّ الَّذِي يَنْفَصِلُ  مِنْ  أَبِيهِ وَأُمِّهِ  فَهَذَا التَّوَلُّدُ يَفْتَقِرُ إلَى أَصْلٍ آخَرَ وَإِلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُمَا شَيْءٌ وَكُلُّ  ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ  فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ أَحَدٌ فَلَيْسَ لَهُ كُفُؤٌ يَكُونُ صَاحِبَةً وَنَظِيرًا وَهُوَ صَمَدٌ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ  مِنْ كَوْنِهِ  أَحَدًا وَمَنْ كَوْنِهِ صَمَدًا يَمْنَعُ أَنْ  يَكُونَ وَالِدًا وَيَمْنَعُ أَنْ  يَكُونَ مَوْلُودًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى .  وَكَمَا  أَنَّ التَّوَالُدَ  فِي الْحَيَوَانِ لَا يَكُونُ إلَّا  مِنْ  أَصْلَيْنَ -  سَوَاءٌ  كَانَ الْأَصْلَانِ  مِنْ جِنْسِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْمُتَوَالِدُ أَوْ  مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَهُوَ الْمُتَوَلَّدُ -  فَكَذَلِكَ  فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ كَالنَّارِ الْمُتَوَلِّدَةِ  مِنْ الزَّنْدَيْنِ  سَوَاءٌ  كَانَا خَشَبَتَيْنِ أَوْ  كَانَا حَجَرًا وَحَدِيدًا  : أَوْ غَيْرَ  ذَلِكَ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {   فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ   }   {   أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ  نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ   }   {  نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا  وَنَسِيَ خَلْقَهُ  قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ   }   {   قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي  أَنْشَأَهَا  أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ   }   {   الَّذِي  جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ   }  قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ  مِنْ الْمُفَسِّرَيْنِ هُمَا  شَجَرَتَانِ  يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا : الْمَرْخُ وَالْأُخْرَى الْعِفَارُ .  فَمَنْ  أَرَادَ مِنْهُمَا النَّارَ قَطَعَ مِنْهُمَا غُصْنَيْنِ مِثْلَ السِّوَاكَيْنِ وَهُمَا خَضْرَاوَانِ يَقْطُرُ مِنْهُمَا الْمَاءُ فَيُسْحَقُ الْمَرْخُ - وَهُوَ ذَكَرٌ -  عَلَى الْعِفَارِ . - وَهُوَ  أُنْثَى - فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا النَّارُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقُولُ   الْعَرَبُ  فِي كُلِّ شَجَرٍ نَارٌ وَاسْتَمْجَدَ الْمَرْخُ وَالْعِفَارُ .  وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ  فِي كُلِّ شَجَرَةٍ نَارٌ إلَّا الْعُنَّابُ {   فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ   }  فَذَلِكَ زِنَادُهُمْ . وَقَدْ  قَالَ   أَهْلُ اللُّغَةِ  الْجَوْهَرِيُّ  وَغَيْرُهُ : الزَّنْدُ  الْعُودُ الَّذِي يُقْدَحُ  بِهِ النَّارُ وَهُوَ الْأَعْلَى . وَالزَّنْدَةُ السُّفْلَى  فِيهَا ثَقْبٌ وَهِيَ الْأُنْثَى فَإِذَا اجْتَمَعَا  قِيلَ  زَنْدَانِ .  وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِهَذَا : إنَّهُمْ يَسْحَقُونَ الثُّقْبَ الَّذِي  فِي الْأُنْثَى بِالْأَعْلَى  كَمَا يَفْعَلُ ذَكَرُ الْحَيَوَانِ  فِي أُنْثَاهُ  فَبِذَلِكَ السَّحْقِ وَالْحَكِّ يَخْرُجُ مِنْهُمَا أَجْزَاءُ نَاعِمَةٌ تَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ  فَتَتَوَلَّدُ النَّارُ  مِنْ مَادَّةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى  كَمَا يَتَوَلَّدُ الْوَلَدُ  مِنْ مَادَّةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَسَحْقُ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ وَقَدْحُهَا  بِهِ يَقْتَضِي حَرَارَةَ كُلًّا مِنْهُمَا وَيَتَحَلَّلُ  مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَادَّةٌ تَنْقَدِحُ مِنْهَا النَّارُ  كَمَا  أَنَّ إيلَاجَ ذَكَرِ الْحَيَوَانِ  فِي أُنْثَاهُ بِقَدْحِ وَحَكِّ فَرْجِهَا بِفَرْجِهِ  فَتَقْوَى حَرَارَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيَتَحَلَّلُ  مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَادَّةٌ تَمْتَزِجُ بِالْأُخْرَى وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُمَا الْوَلَدُ  وَيُقَالُ : عَلِقَتْ النَّارُ  فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْدَحُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ كَالرَّحِمِ لِلْوَلَدِ وَهُوَ الْحِرَاقُ وَالصُّوفَانُ وَنَحْوُ  ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ  أَسْرَعَ قَبُولًا لِلنَّارِ  مِنْ غَيْرِهِ  كَمَا عَلِقَتْ الْمَرْأَةُ  مِنْ الرَّجُلِ وَقَدْ لَا تَعْلَقُ النَّارُ  كَمَا قَدْ لَا تَعْلَقُ الْمَرْأَةُ وَقَدْ لَا تَنْقَدِحُ نَارٌ  كَمَا لَا يَنْزِلُ مَنِيٌّ  وَالنَّارُ لَيْسَتْ  مِنْ جِنْسِ الزِّنَادَيْنِ  بَلْ تُوَلَّدُ النَّارُ مِنْهُمَا كَتَوَلُّدِ حَيَوَانٍ  مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ  فَإِنَّ الْحَيَوَانَ نَوْعَانِ مُتَوَالِدٌ كَالْإِنْسَانِ وَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِ  ذَلِكَ  كَمَا يُخْلَقُ  مِنْ  أَبَوَيْنِ وَمُتَوَلِّدُ كَاَلَّذِي يَتَوَلَّدُ  مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْخَلِّ وَكَالْقَمْلِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ  مِنْ وَسَخِ جِلْدِ  الْإِنْسَانِ وَكَالْفَأْرِ وَالْبَرَاغِيثِ وَغَيْرِ  ذَلِكَ مِمَّا يُخْلَقُ  مِنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ .  وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ   فِيمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ  مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَالْمَطَرِ وَالنَّارِ الَّتِي تُورَى بِالزِّنَادِ وَغَيْرِ  ذَلِكَ هَلْ تَحْدُثُ أَعْيَانُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ فَيُقْلَبُ  هَذَا الْجِنْسُ إلَى جِنْسٍ آخَرَ  .  كَمَا يُقْلَبُ الْمَنِيُّ عَلَقَةً  ثُمَّ مُضْغَةً أَوْ لَا تَحْدُثُ إلَّا أَعْرَاضٌ  وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي هِيَ الْجَوَاهِرُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ بِغَيْرِ صِفَاتِهَا بِمَا يُحْدِثُهُ  فِيهَا  مِنْ الْأَكْوَانِ الْأَرْبِعَةِ : الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ :  فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ  مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التجزي  كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ  مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ . وَإِمَّا  مِنْ جَوَاهِرَ لَا نِهَايَةَ  لَهَا  كَمَا يُحْكَى عَنْ  النَّظَّامِ  .  فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ  مِنْ الْجَوَاهِرِ يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يُحْدِثُ الْأَعْرَاضَ الَّتِي هِيَ الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ وَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَغَيْرُ  ذَلِكَ  مِنْ الْأَعْرَاضِ .  ثُمَّ مَنْ  قَالَ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُحْدَثَةٌ  قَالَ : إنَّ اللَّهَ  أَحْدَثَهَا  ابْتِدَاءً  ثُمَّ جَمِيعُ مَا يُحْدِثُهُ إنَّمَا هُوَ إحْدَاثُ أَعْرَاضٍ  فِيهَا لَا يُحْدِثُ اللَّهُ بَعْد  ذَلِكَ جَوَاهِرَ  وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ   الْمُعْتَزِلَةِ   والجهمية   وَالْأَشْعَرِيَّةِ  وَنَحْوِهِمْ  وَمِنْ  أَكَابِرِ هَؤُلَاءِ مَنْ يَظُنُّ  أَنَّ  هَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ  وَيَذْكُرُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ  وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ  بِهِ أَحَدٌ  مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَلَا جُمْهُورِ الْأُمَّةِ ; بَلْ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ حَتَّى  مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ الْكَلَامِ يُنْكِرُونَ الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ وَتَرَكُّبَ الْأَجْسَامِ  مِنْ الْجَوَاهِرِ  وَابْنُ كُلَّابٍ  إمَامُ أَتْبَاعِهِ هُوَ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ وَقَدْ  ذَكَرَ  ذَلِكَ  أَبُو بَكْرٍ بْنُ  فورك  فِي مُصَنَّفِهِ  الَّذِي صَنَّفَهُ  فِي  مَقَالَاتِ  ابْنِ كُلَّابٍ  وَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ  الْأَشْعَرِيِّ  مِنْ الْخِلَافِ وَهَكَذَا نَفَى الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ قَوْلُ   الهشامية   والضرارية  وَكَثِيرٍ  مِنْ   الكرامية   والنجارية  أَيْضًا . وَهَؤُلَاءِ   الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ  مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ  : الْمَشْهُورُ عَنْهُمْ ; بِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ ; بَلْ وَيَقُولُونَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ :  أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ ;  لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ  مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُتَمَاثِلَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ الْأَعْرَاضِ  وَتِلْكَ صِفَاتٌ عَارِضَةٌ  لَهَا لَيْسَتْ لَازِمَةً  فَلَا  تَنْفِي التَّمَاثُلَ  فَإِنَّ  حَدَّ الْمِثْلَيْنِ أَنْ يَجُوزَ  عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يَجُوزُ  عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ . وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَجُوزُ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مَا  جَازَ  عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ .  وَكَذَلِكَ الْأَجْسَامُ الْمُؤَلَّفَةُ  مِنْ الْجَوَاهِرِ ; وَلِهَذَا إذَا أَثْبَتُوا حُكْمًا لِجِسْمٍ  قَالُوا :  هَذَا ثَابِتٌ لِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ بِنَاءً  عَلَى التَّمَاثُلِ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يُنْكِرُونَ  هَذَا وَحُذَّاقِهِمْ قَدْ أَبْطَلُوا الْحُجَجَ الَّتِي  احْتَجُّوا بِهَا  عَلَى التَّمَاثُلِ  كَمَا  ذَكَرَ  ذَلِكَ  الرازي  والآمدي  وَغَيْرُهُمَا . وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ  عَلَى  هَذَا  فِي مَوَاضِعَ .  وَالْأَشْعَرِيُّ  فِي "   كِتَابِ الْإِبَانَةِ  "  جَعَلَ الْقَوْلَ بِتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ  مِنْ أَقْوَالِ   الْمُعْتَزِلَةِ  الَّتِي  أَنْكَرَهَا . وَهَؤُلَاءِ   يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ يَخُصُّ أَحَدَ الْجِسْمَيْنِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ بِأَعْرَاضٍ  دُونَ الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ  الْمَشِيئَةِ  عَلَى  أَصْلِ   الجهمية  أَوْ لِمَعْنَى آخَرَ  كَمَا تَقُولُهُ   الْقَدَرِيَّةُ  وَيَقُولُونَ يَمْتَنِعُ انْقِلَابُ الْأَجْنَاسِ  فَلَا يَنْقَلِبُ الْجِسْمُ عَرَضًا وَلَا جِنْسٌ  مِنْ الْأَعْرَاضِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ فَلَوْ  قَالُوا : إنَّ الْأَجْسَامَ مَخْلُوقَةٌ  وَأَنَّ الْمَخْلُوقَ يَنْقَلِبُ  مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَزِمَ انْقِلَابُ الْأَجْنَاسِ . فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ :  أَنَّ التَّوَلُّدَ الْحَاصِلَ  فِي الرَّحِمِ وَالثَّمَرَ الْحَاصِلَ  فِي الشَّجَرِ وَالنَّارَ الْحَاصِلَةَ  مِنْ الزِّنَادِ هِيَ جَوَاهِرُ  كانت  فِي الْمَادَّةِ الَّتِي خُلِقَ  ذَلِكَ مِنْهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ ; لَكِنْ غُيِّرَتْ صِفَتُهَا بِالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ . وَلِهَذَا  لَمَّا  ذَكَرَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ  الرازي  أَدِلَّةَ " إثْبَاتِ الصَّانِعِ "   ذَكَرَ أَرْبَعَةَ طُرُقٍ : إمْكَانُ الذَّوَاتِ وَحُدُوثُهَا وَإِمْكَانُ الصِّفَاتِ وَحُدُوثُهَا وَالطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ  الْأُوَلُ ضَعِيفَةٌ ; بَلْ بَاطِلَةٌ ;  فَإِنَّ الذَّوَاتَ الَّتِي ادَّعَوْا حُدُوثَهَا أَوْ إمْكَانَهَا أَوْ إمْكَانَ صِفَاتِهَا ذَكَرُوهَا بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ  فِيهَا الْخَالِقُ عَنْ الْمَخْلُوقِ وَلَمْ يُقِيمُوا  عَلَى مَا ادَّعَوْهُ دَلِيلًا صَحِيحًا .  وَأَمَّا " الطَّرِيقُ الرَّابِعُ " وَهُوَ الْحُدُوثُ لِمَا يُعْلَمُ حُدُوثُهُ فَهُوَ طَرِيقٌ صَحِيحٌ وَهُوَ طَرِيقُ الْقُرْآنِ لَكِنْ قَصَّرُوا  فِيهِ غَايَةَ التَّقْصِيرِ ; فَإِنَّهُمْ  عَلَى  أَصْلِهِمْ لَمْ يَشْهَدُوا حُدُوثَ شَيْءٍ  مِنْ الذَّوَاتِ بَلْ حُدُوثُ الصِّفَاتِ وَطَرِيقَةُ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ  أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوق  وَأَنَّهُ آيَةٌ لِلَّهِ وَقَدْ بَسَّطَ الْكَلَام  عَلَى مَا  فِي الْقُرْآنِ  مِنْ الْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ الَّتِي لَمْ يَصِلُ إلَيْهَا هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمَةُ وَالْمُتَفَلْسِفَة  وَإِنَّ كُلَّ مَا عِنْدَهُمْ  مِنْ حَقِّ فَهُوَ جُزْءٌ مِمَّا  دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .  وَالْمَقْصُودُ هُنَا  أَنَّ هَؤُلَاءِ  لَمَّا  كَانَ  هَذَا أَصْلَهُمْ  فِي  ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ -  كَانَ أَصْلُهُمْ  فِي الْمَعَادِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ  فَصَارُوا  عَلَى قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تُعْدَمُ الْجَوَاهِرُ  ثُمَّ تُعَادُ . وَمِنْهُمْ مَنْ  قَالَ : تَتَفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ  ثُمَّ تَجْتَمِعُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَأْكُلُهُ حَيَوَانٌ  وَذَلِكَ الْحَيَوَانُ  أَكَلَهُ إنْسَانٌ آخَرُ  فَإِنْ أُعِيدَتْ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ  مِنْ  هَذَا لَمْ تَعُدْ  مِنْ  هَذَا . وَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ  أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَحَلَّلُ  دَائِمًا  فَمَا الَّذِي يُعَادُ أَهُوَ الَّذِي  كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ ؟  فَإِنْ  قِيلَ :  بِذَلِكَ لَزِمَ أَنْ  يُعَادَ  عَلَى صُورَةٍ ضَعِيفَةٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا جَاءَتْ  بِهِ النُّصُوصُ  وَإِنْ  كَانَ غَيْرَ  ذَلِكَ فَلَيْسَ بَعْضُ الْأَبْدَانُ بِأَوْلَى  مِنْ بَعْضٍ . فَادَّعَى بَعْضُهُمْ  أَنَّ  فِي  الْإِنْسَانِ أَجْزَاءً أَصْلِيَّةً لَا تَتَحَلَّلُ وَلَا يَكُونُ  فِيهَا شَيْءٌ  مِنْ  ذَلِكَ الْحَيَوَانِ الَّذِي  أَكَلَهُ الثَّانِي وَالْعُقَلَاءُ يَعْلَمُونَ  أَنَّ  بَدَنَ  الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ كُلَّهُ يَتَحَلَّلُ لَيْسَ  فِيهِ شَيْءٌ بَاقٍ  فَصَارَ مَا ذَكَرُوهُ  فِي الْمَعَادِ مِمَّا قَوَّى شُبْهَةَ الْمُتَفَلْسِفَةِ  فِي إنْكَارٍ مَعَادِ الْأَبْدَانِ  وَأَوْجَبَ أَنْ  صَارَ  طَائِفَةٌ  مِنْ النُّظَّارِ إلَى  أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ بَدَنًا آخَرَ تَعُودُ الرُّوحُ إلَيْهِ . وَالْمَقْصُودُ تَنْعِيمُ الرُّوحِ وَتَعْذِيبُهَا  سَوَاءٌ  كَانَ  هَذَا  فِي الْبَدَنِ أَوْ  فِي غَيْرِهِ  وَهَذَا أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِإِعَادَةِ  هَذَا الْبَدَنِ  وَهَذَا الْمَذْكُورُ  فِي كُتُبِ  الرازي  فَلَيْسَ  فِي كُتُبِهِ وَكُتُبِ أَمْثَالِهِ  فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ الْكِبَارِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي يُوَافِقُ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ  بِهِ الرَّسُولَ  وَكَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا بَلْ يَذْكُرُ بُحُوثَ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمَلَاحِدَةِ وَبُحُوثَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُبْتَدَعَةِ الَّذِينَ بَنَوْا  عَلَى أُصُولِ   الجهمية   وَالْقَدَرِيَّةِ  فِي مَسَائِلِ الْخَلْقِ وَالْبَعْثِ وَالْمَبْدَإِ وَالْمَعَادِ  وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ فَاسِدٌ . إذْ بَنَوْهُ  عَلَى مُقَدِّمَاتٍ فَاسِدَةٍ وَالْقَوْلُ الَّذِي عَلَيْهِ   السَّلَفُ  وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ  مِنْ  أَنَّ الْأَجْسَامَ تَنْقَلِبُ  مِنْ  حَالٍ إلَى  حَالٍ إنَّمَا يَذْكُرُهُ عَنْ   الْفَلَاسِفَةِ   وَالْأَطِبَّاءِ  ;  وَهَذَا الْقَوْلُ - وَهُوَ الْقَوْلُ  فِي خَلْقِ اللَّهِ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي يُشَاهِدُ حُدُوثَهَا  أَنَّهُ يُقَلِّبُهَا وَيُحِيلُهَا  مِنْ جِسْمٍ إلَى جِسْمٍ - هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ   السَّلَفُ  وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً وَالْجُمْهُورُ . وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ  فِي النَّجَاسَةِ هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا ؟  كَمَا تَسْتَحِيلُ الْعَذِرَةُ رَمَادًا وَالْخِنْزِيرُ وَغَيْرُهُ مِلْحًا وَنَحْوَ  ذَلِكَ وَالْمَنِيُّ الَّذِي  فِي الرَّحِمِ يَقْلِبُهُ اللَّهُ عَلَقَةً  ثُمَّ مُضْغَةً  وَكَذَلِكَ الثَّمَرُ يُخْلَقُ بِقَلْبِ الْمَادَّةِ الَّتِي يُخْرِجُهَا  مِنْ الشَّجَرَةِ  مِنْ الرُّطُوبَةِ مَعَ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ الَّذِي  نَزَلَ عَلَيْهَا وَغَيْرِ  ذَلِكَ  مِنْ الْمَوَادِّ الَّتِي يَقْلِبُهَا ثَمَرَةً  بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ  وَكَذَلِكَ الْحَبَّةُ يَفْلِقُهَا وَتَنْقَلِبُ الْمَوَادُّ الَّتِي يَخْلُقُهَا مِنْهَا سُنْبُلَةً وَشَجَرَةً وَغَيْرَ  ذَلِكَ وَهَكَذَا خَلْقُهُ لِمَا يَخْلُقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .  كَمَا  خَلَقَ  آدَمَ  مِنْ الطِّينِ  فَقَلَبَ حَقِيقَةَ الطِّينِ  فَجَعَلَهَا عَظْمًا وَلَحْمًا وَغَيْرَ  ذَلِكَ  مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ  وَكَذَلِكَ الْمُضْغَةُ يَقْلِبُهَا عِظَامًا وَغَيْرَ عِظَامٍ .  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ  مِنْ سُلَالَةٍ  مِنْ طِينٍ   }   {  ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً  فِي قَرَارٍ  مَكِينٍ   }   {  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا  ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ  فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ   }   {  ثُمَّ إنَّكُمْ بَعْدَ  ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ   }   {  ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ   }  .  وَكَذَلِكَ النَّارُ يَخْلُقُهَا بِقَلْبِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الزِّنَادِ نَارًا  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   الَّذِي  جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا   }  .  فَنَفْسُ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي خَرَجَتْ  مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ  جَعَلَهَا اللَّهُ نَارًا  مِنْ غَيْرِ أَنْ  يَكُونَ  كَانَ  فِي الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارٌ أَصْلًا  كَمَا لَمْ يَكُنْ  فِي الشَّجَرَةِ ثَمَرَةٌ أَصْلًا وَلَا  كَانَ  فِي بَطْنِ الْمَرْأَةِ جَنِينٌ أَصْلًا ; بَلْ  خَلَقَ  هَذَا الْمَوْجُودَ  مِنْ مَادَّةِ غَيْرِهِ بِقَلْبِهِ تِلْكَ الْمَادَّةِ إلَى  هَذَا وَبِمَا  ضَمَّهُ إلَى  هَذَا  مِنْ مَوَادَّ أُخَرٍ  وَكَذَلِكَ الْإِعَادَةُ يُعِيدُهُ بَعْد أَنْ يَبْلَى كُلَّهُ إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   كُلُّ  ابْنِ  آدَمَ  يَبْلَى إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ . مِنْهُ خُلِقَ ابْنُ  آدَمَ  وَمِنْهُ يُرَكَّبُ   }  . وَهُوَ إذَا  أَعَادَ الْإِنْسَانَ  فِي النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ النَّشْأَةُ  مُمَاثَلَةً لِهَذِهِ  فَإِنَّ هَذِهِ كَائِنَةٌ فَاسِدَةٌ وَتِلْكَ كَائِنَةٌ لَا فَاسِدَةَ بَلْ بَاقِيَةٌ  دَائِمَةٌ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فَضَلَاتٌ فَاسِدَةٌ تَخْرُجُ مِنْهُمْ  كَمَا  ثَبَتَ  فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   أَهْلُ الْجَنَّةِ لَا يَبُولُونَ وَلَا يتغوطون وَلَا يَبْصُقُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ وَإِنَّمَا هُوَ رَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ   }  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  قَالَ :   {   يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً  عُرَاةً غُرْلًا  ثُمَّ قَرَأَ {  كَمَا بَدَأْنَا  أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا  عَلَيْنَا إنَّا  كُنَّا فَاعِلِينَ   }   }  فَهُمْ يَعُودُونَ غُلْفًا لَا مَخْتُونِينَ .  وَقَالَ  الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ  وَمُجَاهِدٌ  :  كَمَا بَدَأَكُمْ  فَخَلَقَكُمْ  فِي الدُّنْيَا وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا  كَذَلِكَ تَعُودُونَ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ أَحْيَاءَ  وَقَالَ  قتادة  بَدْأَهُمْ  مِنْ  التُّرَابِ وَإِلَى التُّرَابِ يَعُودُونَ .  كَمَا  قَالَ تَعَالَى : {   مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ  وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى   }  وَقَالَ :   {  فِيهَا تَحْيَوْنَ  وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ   }  . وَهُوَ قَدْ شَبَّهَ سُبْحَانَهُ إعَادَةَ النَّاسِ  فِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَى بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا  فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ . كَقَوْلِهِ : {   وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إذَا  أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا  بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا  بِهِ  مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ  كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى  لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ   }  وَقَالَ :   {   وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا  فِيهَا رَوَاسِيَ   }  إلَى قَوْلِهِ :   {   وَأَحْيَيْنَا  بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا  كَذَلِكَ الْخُرُوجُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   يَا  أَيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ  فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ  فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ  مِنْ تُرَابٍ  ثُمَّ  مِنْ نُطْفَةٍ  ثُمَّ  مِنْ عَلَقَةٍ  ثُمَّ  مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ  فِي الْأَرْحَامِ مَا  نَشَاءُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى  ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا  ثُمَّ لِتَبْلُغُوا  أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ  مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا  وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا  أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ  مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ   }   {  ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ  وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى  وَأَنَّهُ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَاللَّهُ الَّذِي  أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا  بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا  كَذَلِكَ النُّشُورُ   }  .  وَهُوَ سُبْحَانَهُ مَعَ إخْبَارِهِ  أَنَّهُ يُعِيدُ الْخَلْقَ  وَأَنَّهُ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ  وَأَنَّهُ يُخْرِجُ النَّاسَ  مِنْ الْأَرْضِ تَارَةً أُخْرَى هُوَ يُخْبِرُ  أَنَّ الْمَعَادَ هُوَ الْمَبْدَأُ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {   وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ  ثُمَّ يُعِيدُهُ   }  وَيُخْبِرُ  أَنَّ الثَّانِيَ مِثْلُ الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :   {  وَقَالُوا أَئِذَا  كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا   }   {   أَوَلَمْ يَرَوْا  أَنَّ اللَّهَ الَّذِي  خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ  عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ  وَجَعَلَ  لَهُمْ  أَجَلًا لَا رَيْبَ  فِيهِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  وَقَالُوا أَئِذَا  كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا   }   {   قُلْ  كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا   }   {   أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ  فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ  أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ  عَسَى أَنْ  يَكُونَ قَرِيبًا   }   {   يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إنْ لَبِثْتُمْ إلَّا قَلِيلًا   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَوَلَيْسَ الَّذِي  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ  عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَوَلَمْ يَرَوْا  أَنَّ اللَّهَ الَّذِي  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ  عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إنَّهُ  عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ   }  وَقَالَ :   {   أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ   }   {   أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ  نَحْنُ الْخَالِقُونَ   }   {  نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا  نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ   }   {  عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ  فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ   }   {   وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ  الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ   }  . وَالْمُرَادُ بِقُدْرَتِهِ  عَلَى خَلْقِ مِثْلِهِمْ هُوَ قُدْرَتُهُ  عَلَى إعَادَتِهِمْ  كَمَا  أَخْبَرَ بِذَلِكَ .  فِي قَوْلِهِ :   {   أَوَلَمْ يَرَوْا  أَنَّ اللَّهَ الَّذِي  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ  عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى   }  فَإِنَّ الْقَوْمَ مَا  كَانُوا يُنَازِعُونَ  فِي  أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ  فِي هَذِهِ الدَّارِ نَاسًا أَمْثَالَهُمْ  فَإِنَّ  هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْمُشَاهَدُ يَخْلُقُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ يَخْلُقُ الْوَلَدُ  مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَهَذِهِ هِيَ النَّشْأَةُ  الْأُولَى وَقَدْ عَلِمُوهَا وَبِهَا احْتَجَّ عَلَيْهِمْ  عَلَى قُدْرَتِهِ  عَلَى النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ  كَمَا  قَالَ : {   وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ  الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ   }  وَقَالَ :   {  وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا  وَنَسِيَ خَلْقَهُ  قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ   }   {   قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي  أَنْشَأَهَا  أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ   }  وَقَالَ :   {   يَا  أَيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ  فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ  فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ  مِنْ تُرَابٍ  ثُمَّ  مِنْ نُطْفَةٍ  ثُمَّ  مِنْ عَلَقَةٍ  ثُمَّ  مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ   }  . وَلِهَذَا  قَالَ :   {  عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ  فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ   }  قَالَ  الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ البجلي  : الَّذِي عِنْدِي  فِي هَذِهِ الْآيَةِ   {   وَنُنْشِئَكُمْ  فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ   }   {   وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ  الْأُولَى   }  أَيْ أَخُلُقُكُمْ لِلْبَعْثِ بَعْد الْمَوْتِ  مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ  كَيْفَ شِئْت  وَذَلِكَ  أَنَّكُمْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ  الْأُولَى  كَيْفَ  كَانَتْ  فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ وَلَيْسَتْ الْأُخْرَى  كَذَلِكَ وَمَعْلُومٌ  أَنَّ النَّشْأَة  الْأُولَى  كَانَ الْإِنْسَانُ نُطْفَةٍ  ثُمَّ عَلَقَةٍ  ثُمَّ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ  ثُمَّ يُنْفَخُ  فِيهِ الرُّوحُ وَتِلْكَ النُّطْفَةُ  مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ يُغَذِّيهِ بِدَمِ الطَّمْثِ الَّذِي يُرَبِّي اللَّهُ  بِهِ الْجَنِينَ  فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ : ظُلْمَةٍ  الْمَشِيمَةِ وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ وَظُلْمَةِ الْبَطْنِ وَالنَّشْأَةُ الثَّانِيَةُ لَا يَكُونُونَ  فِي بَطْنِ امْرَأَةٍ وَلَا يُغَذُّونَ بِدَمِ وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمْ نُطْفَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ  ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً بَلْ يَنْشَئُونَ نَشْأَةً أُخْرَى وَتَكُونُ الْمَادَّةُ  مِنْ التُّرَابِ  كَمَا  قَالَ : {   مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ  وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فِيهَا تَحْيَوْنَ  وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ   }  وَقَالَ   {   وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا   }   {  ثُمَّ يُعِيدُكُمْ  فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إخْرَاجًا   }  وَفِي الْحَدِيثِ :   {   إنَّ الْأَرْضَ تُمْطِرُ مَطَرًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ يَنْبُتُونَ  فِي الْقُبُورِ  كَمَا يَنْبُتُ النَّبَاتُ   }  كَمَا  قَالَ تَعَالَى :   {  كَذَلِكَ الْخُرُوجُ   }   {  كَذَلِكَ النُّشُورُ   }   {  كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى  لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ   }  . فَعُلِمَ  أَنَّ النَّشْأَتَيْنِ نَوْعَانِ تَحْتَ جِنْسٍ يَتَّفِقَانِ وَيَتَمَاثَلَانِ وَيَتَشَابَهَانِ  مِنْ وَجْهٍ وَيَفْتَرِقَانِ وَيَتَنَوَّعَانِ  مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلِهَذَا جُعِلَ الْمَعَادُ هُوَ الْمَبْدَأَ وَجُعِلَ مِثْلَهُ أَيْضًا . فَبِاعْتِبَارِ اتِّفَاقِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ فَهُوَ هُوَ وَبِاعْتِبَارِ مَا بَيْنَ النَّشْأَتَيْنِ  مِنْ الْفَرْقِ فَهُوَ مِثْلُهُ . وَهَكَذَا كُلُّ مَا  أُعِيدَ . فَلَفْظُ الْإِعَادَةِ يَقْتَضِي الْمَبْدَأَ وَالْمَعَادَ  سَوَاءٌ  فِي  ذَلِكَ إعَادَةُ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ كَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا  فَإِنَّ {   النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مَرَّ بِرَجُلِ  يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ  فَأ�