مسألة تاليةمسألة سابقة
متن:
فَصْلٌ فَهَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ - سُبْحَانَهُ - وَالِدًا لِشَيْءِ أَوْ مُتَّخِذًا لِشَيْءِ وَلَدًا بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْوِلَادَةِ أَوْ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ أَيًّا كَانَ . وَأَمَّا نَفْيُ كَوْنِهِ مَوْلُودًا : فَيَتَضَمَّنُ نَفْيَ كَوْنِهِ مُتَوَلِّدًا بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ التَّوَالُدِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ وَسَائِرَ مَا تَوَلَّدَ مَنْ غَيْرِهِ : فَهُوَ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ . وَرَدٌّ عَلَى الدَّجَّالِ الَّذِي يَقُولُ : أَنَّهُ اللَّهُ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ فِي بَشَرٍ : أَنَّهُ اللَّهُ مِنْ غَالِيَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي عَلِيٍّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا قَالَ قَوْمٌ ذَلِكَ فِي عَلِيٍّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَقَالُوهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا وَقَالَهُ قَوْمٌ فِي الْحَلَّاجِ وَقَوْمٌ فِي الْحَاكِمِ بِمِصْرِ وَقَوْمٌ فِي الشَّيْخِ عَدِيٍّ وَقَوْمٌ فِي يُونُسَ العنيني وَقَوْمٌ يَعُمُّونَهُ فِي الْمَشَايِخِ وَيُصَوِّبُونَ هَذَا كُلَّهُ . فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : { وَلَمْ يُولَدْ } نَفْيٌ لِهَذَا كُلِّهِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ مَوْلُودُونَ ; وَاَللَّهُ لَمْ يُولَدْ . وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الْمَسِيحَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ : ابْنُ مَرْيَمَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ كَقَوْلِهِ : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ } وَقَوْلُهُ : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ } وَقَوْلِهِ : { إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ } وَقَوْلِهِ : { يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } وَقَوْلِهِ : { وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } وَقَوْلِهِ : { وَقَوْلِهِمْ إنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ } . وَفِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ : إحْدَاهُمَا : بَيَانٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ وَاَللَّهُ لَمْ يُولَدْ . وَالثَّانِيَةُ : نِسْبَتُهُ إلَى مَرْيَمَ ; بِأَنَّهُ ابْنُهَا لَيْسَ هُوَ ابْنَ اللَّهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلَهُمْ الَّذِي قَالُوهُ وَهُمْ قَدْ نَسَبُوهُ إلَى اللَّهِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلَمْ يُضَمِّنُوا ذَلِكَ قَوْلَهُمْ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . وَقَوْلُهُ : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } نَفْيٌ لِلشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ جَعَلَ شَيْئًا كُفُوًا لِلَّهِ فِي شَيْءٍ مِنْ خَوَاصِّ الرُّبُوبِيَّةِ مِثْلُ خَلْقِ الْخَلْقِ وَالْإِلَهِيَّةِ ; كَالْعِبَادَةِ لَهُ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَهَذِهِ نُكَتٌ تُبَيِّنُ اشْتِمَالَ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى إبْطَالِ قَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ الْإِلَهِيَّةَ ; بِاتِّحَادِ أَوْ حُلُولٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .