مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ  مِنْ الزَّانِي أَوْ السَّارِقِ أَوْ الشَّارِبِ أَوْ  قَاطِعِ الطَّرِيقِ  وَنَحْوِهِمْ مَالٌ تَعَطَّلَ  بِهِ الْحُدُودُ ; لَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا لِغَيْرِهِ .  وَهَذَا  الْمَالُ الْمَأْخُوذُ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ   سُحْتٌ خَبِيثٌ وَإِذَا فَعَلَ  وَلِيُّ الْأَمْرِ  ذَلِكَ فَقَدْ جَمَعَ فَسَادَيْنِ عَظِيمَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا : تَعْطِيلُ الْحَدِّ وَ ( الثَّانِي : أَكْلُ السُّحْتِ .  فَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمُحَرَّمِ .  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ  وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا  كَانُوا يَصْنَعُونَ   }  وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ   الْيَهُودِ  :   {   سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ   }  لِأَنَّهُمْ  كَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ  مِنْ الرِّشْوَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْبِرْطِيلَ وَتُسَمَّى أَحْيَانًا الْهَدِيَّةَ وَغَيْرَهَا  . وَمَتَى  أَكَلَ السُّحْتَ  وَلِيُّ الْأَمْرِ احْتَاجَ أَنْ يَسْمَعَ الْكَذِبَ  مِنْ شَهَادَةِ  الزُّورِ وَغَيْرِهَا . وَقَدْ {   لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ  وَالرَّائِشَ - الْوَاسِطَةُ - الَّذِي بَيْنَهُمَا   }  رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ .  وَفِي   الصَّحِيحَيْنِ  :   {  أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ .  فَقَالَ صَاحِبُهُ -  وَكَانَ  أَفْقَهَ مِنْهُ - نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وائذن  لِي .  فَقَالَ : قُلْ .  فَقَالَ : إنَّ  ابْنِي  كَانَ عَسِيفًا  فِي أَهْلِ هَذَا - يَعْنِي  أَجِيرًا - فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ  وَإِنِّي سَأَلْت رِجَالًا  مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي  أَنَّ  عَلَى  ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ  عَامٍ  وَأَنَّ  عَلَى امْرَأَةِ  هَذَا الرَّجْمُ .  فَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ : الْمِائَةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْك .  وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ  عَامٍ وَاغْدُ يَا  أنيس  عَلَى امْرَأَةِ  هَذَا فَاسْأَلْهَا  فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا . فَسَأَلَهَا فَاعْتَرَفَتْ  فَرَجَمَهَا   }  .  فَفِي  هَذَا الْحَدِيثِ إنَّهُ  لَمَّا بَذَلَ عَنْ الْمُذْنِبِ  هَذَا الْمَالَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهُ  أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  بِدُفَعِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ  وَأَمَرَ  بِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ :  مِنْ الْمُجَاهِدِينَ وَالْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ  أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ  عَلَى  أَنَّ تَعْطِيلَ الْحَدِّ  بِمَالِ يُؤْخَذُ أَوْ غَيْرِهِمْ لَا يَجُوزُ وَأَجْمَعُوا  عَلَى  أَنَّ  الْمَالَ الْمَأْخُوذَ  مِنْ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ وَالْمُحَارِبِ  وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ  مَالٌ سُحْتٌ خَبِيثٌ . كَثِيرٌ مِمَّا يُوجَدُ  مِنْ فَسَادِ أُمُورِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ لِتَعْطِيلِ الْحَدِّ  بِمَالِ أَوْ  جَاهٍ  وَهَذَا  مِنْ  أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَالْأَمْصَارِ :  مِنْ   الْأَعْرَابِ   وَالتُّرْكُمَانِ   وَالْأَكْرَادِ  وَالْفَلَّاحِينَ وَأَهْلِ  الْأَهْوَاءِ   كَقَيْسِ  وَيَمَنَ  وَأَهْلِ الْحَاضِرَةِ  مِنْ رُؤَسَاءِ النَّاسِ وَأَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ وَأُمَرَاءِ النَّاسِ وَمُقَدِّمِيهِمْ وَجُنْدِهِمْ وَهُوَ سَبَبُ سُقُوطِ حُرْمَةِ الْمُتَوَلِّي وَسُقُوطِ قَدْرِهِ  مِنْ الْقُلُوبِ وَانْحِلَالِ  أَمْرِهِ فَإِذَا ارْتَشَى وَتَبَرْطَلَ  عَلَى تَعْطِيلِ حَدٍّ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا آخَرَ وَصَارَ  مِنْ جِنْسِ   الْيَهُودِ  الْمَلْعُونِينَ . وَأَصْلُ الْبِرْطِيلِ هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ سُمِّيَتْ  بِهِ الرِّشْوَةُ لِأَنَّهَا تُلْقِمُ الْمُرْتَشِيَ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ  كَمَا يَلْقَمُهُ الْحَجَرُ الطَّوِيلُ  كَمَا قَدْ جَاءَ  فِي الْأَثَرِ : {   إذَا دَخَلَتْ الرِّشْوَةُ  مِنْ الْبَابِ خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ  مِنْ الْكُوَّةِ   }  .  وَكَذَلِكَ إذَا أُخِذَ مَالٌ لِلدَّوْلَةِ  عَلَى  ذَلِكَ مِثْلَ  هَذَا السُّحْتِ الَّذِي يُسَمَّى التَّأْدِيبَاتِ .  أَلَا  تَرَى  أَنَّ الْأَعْرَابَ الْمُفْسِدِينَ  أَخَذُوا لِبَعْضِ النَّاسِ  ثُمَّ جَاءُوا إلَى  وَلِيِّ الْأَمْرِ  فَقَادُوا إلَيْهِ خَيْلًا يُقَدِّمُونَهَا لَهُ أَوْ غَيْرَ  ذَلِكَ  كَيْفَ يَقْوَى طَمَعُهُمْ  فِي الْفَسَادِ وَتَنْكَسِرُ حُرْمَةُ الْوِلَايَةِ وَالسَّلْطَنَةِ وَتَفْسُدُ الرَّعِيَّةُ ؟  كَذَلِكَ الْفَلَّاحُونَ وَغَيْرُهُمْ  كَذَلِكَ شَارِبُ الْخَمْرِ إذَا  أَخَذَ فَدَفَعَ بَعْضَ  مَالِهِ :  كَيْفَ يَطْمَعُ الْخَمَّارُونَ فَيَرْجُونَ إذَا أَمْسَكُوا أَنْ يَفْتَدُوا بِبَعْضِ أَمْوَالِهِمْ فَيَأْخُذُهَا  ذَلِكَ الْوَالِي سُحْتًا لَا يُبَارَكُ  فِيهَا وَالْفَسَادُ قَائِمٌ . وَكَذَلِكَ ذَوُو الْجَاهِ إذَا  حَمُوا  أَحَدًا أَنْ  يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ مِثْلَ أَنْ يَرْتَكِبَ بَعْضُ الْفَلَّاحِينَ جَرِيمَةً  ثُمَّ يَأْوِي إلَى قَرْيَةِ نَائِبِ  السُّلْطَانِ أَوْ أَمِيرِهِ فَيُحْمَى  عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ  ذَلِكَ الَّذِي  حَمَاهُ مِمَّنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَدْ رَوَى  مُسْلِمٌ  فِي صَحِيحِهِ  عَنْ  عَلِيِّ بْنِ  أَبِي طَالِبٍ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  قَالَ :  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {   لَعَنَ اللَّهُ مَنْ  أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا   }  . فَكُلُّ مَنْ آوَى مُحْدِثًا  مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُحْدِثِينَ  فَقَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَإِذَا  كَانَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  قَدْ  قَالَ :   {   إنَّ مَنْ  حَالَتْ شَفَاعَتُهُ  دُونَ حَدٍّ  مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ  ضَادَّ اللَّهَ  فِي  أَمْرِهِ   }  فَكَيْفَ بِمَنْ مَنَعَ الْحُدُودَ بِقُدْرَتِهِ وَيَدِهِ وَاعْتَاضَ عَنْ الْمُجْرِمِينَ بِسُحْتِ  مِنْ الْمَالِ يَأْخُذُهُ لَا سِيَّمَا الْحُدُودُ  عَلَى  سُكَّانِ الْبَرِّ ;  فَإِنَّ  مِنْ أَعْظَمِ فَسَادِهِمْ حِمَايَةَ الْمُعْتَدِينَ مِنْهُمْ بِجَاهِ أَوْ  مَالٍ  سَوَاءٌ  كَانَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ لِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ لِلْوَالِي : سِرًّا أَوْ عَلَانِيَةً  فَذَلِكَ جَمِيعُهُ مُحَرَّمٌ  بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ  وَهُوَ مِثْلُ تَضْمِينِ الْحَانَاتِ وَالْخَمْرِ  فَإِنَّ مَنْ مُكِّنَ  مِنْ  ذَلِكَ أَوْ  أَعَانَ  أَحَدًا عَلَيْهِ  بِمَالِ يَأْخُذُهُ مِنْهُ فَهُوَ مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ .  وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ  عَلَى  هَذَا يُشْبِهُ مَا يُؤْخَذُ  مِنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ  وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ  وَثَمَنِ الْكَلْبِ  وَأُجْرَةِ الْمُتَوَسِّطِ  فِي الْحَرَامِ : الَّذِي يُسَمَّى الْقَوَّادَ  .  قَالَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ خَبِيثٌ   }  رَوَاهُ  الْبُخَارِيُّ  . فَمَهْرُ الْبَغِيِّ الَّذِي يُسَمَّى حُدُورَ الْقِحَابِ .  وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُعْطَاهُ الْمُخَنَّثُونَ الصِّبْيَانُ  مِنْ الْمَمَالِيكِ أَوْ الْأَحْرَارِ  عَلَى الْفُجُورِ بِهِمْ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ : مِثْلُ حَلَاوَةِ الْمُنَجِّمِ  وَنَحْوِهِ  عَلَى مَا يُخْبِرُ  بِهِ  مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُبَشِّرَةِ بِزَعْمِهِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ .