مسألة تاليةمسألة سابقة
				
				
				
				متن:
				 وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إذَا  تَرَكَ إنْكَارَ الْمُنْكَرَاتِ  وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهَا  بِمَالِ يَأْخُذُهُ  :  كَانَ بِمَنْزِلَةِ مُقَدِّمِ الْحَرَامِيَّةِ الَّذِي يُقَاسِمُ الْمُحَارِبِينَ  عَلَى الْأَخِيذَةِ وَبِمَنْزِلَةِ الْقَوَّادِ الَّذِي يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ ; لِيَجْمَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ  عَلَى فَاحِشَةٍ وَكَانَ حَالُهُ شَبِيهًا بِحَالِ عَجُوزِ السُّوءِ امْرَأَةِ   لُوطٍ  الَّتِي  كَانَتْ تُدِلُّ الْفُجَّارَ  عَلَى ضَيْفِهِ الَّتِي  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى  فِيهَا : {   فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ  كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا امْرَأَتَكَ إنَّهُ مُصِيبُهَا مَا  أَصَابَهُمْ   }  . فَعَذَّبَ اللَّهُ عَجُوزَ السُّوءِ الْقَوَّادَةَ بِمِثْلِ مَا عَذَّبَ قَوْمَ السُّوءِ الَّذِينَ  كَانُوا يَحْمِلُونَ الْخَبَائِثَ  وَهَذَا لِأَنَّ  هَذَا جَمِيعَهُ  أَخْذُ  مَالٍ  لِلْإِعَانَةِ  عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  وَوَلِيُّ الْأَمْرِ إنَّمَا نُصِّبَ لِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ  وَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ . فَإِذَا  كَانَ الْوَالِي يُمْكِنُ  مِنْ الْمُنْكَرِ  بِمَالِ يَأْخُذُهُ  كَانَ قَدْ أَتَى بِضِدِّ الْمَقْصُودِ مِثْلَ مَنْ نَصَّبْته لِيُعِينَك  عَلَى عَدُوِّك  فَأَعَانَ عَدُوَّك عَلَيْك . وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ  أَخَذَ مَالًا لِيُجَاهِدَ  بِهِ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَاتَلَ  بِهِ الْمُسْلِمِينَ .  يُوَضِّحُ  ذَلِكَ  أَنَّ صَلَاحَ الْعِبَادِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ;  فَإِنَّ صَلَاحَ الْمَعَاشِ وَالْعِبَادِ  فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا يَتِمُّ  ذَلِكَ إلَّا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ  وَبِهِ  صَارَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ   }  وَقَالَ تَعَالَى :   {   وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ   }  وَقَالَ تَعَالَى عَنْ   بَنِي إسْرَائِيلَ  :   {  كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا  كَانُوا يَفْعَلُونَ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {  فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا  بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا  كَانُوا يَفْسُقُونَ   }  .  فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى  أَنَّ الْعَذَابَ  لَمَّا  نَزَلَ نَجَّى الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ  وَأَخَذَ الظَّالِمِينَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ . وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ :  أَنَّ  أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ  خَطَبَ النَّاسَ  عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَقَالَ : "  أَيُّهَا النَّاسُ إنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ وَتَضَعُونَهَا  فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا : {   يَا  أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ  أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ  ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ   }  وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :   {   إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِ  مِنْ عِنْدِهِ   }  .  وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ :   {   إنَّ الْمَعْصِيَةَ إذَا  خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا وَلَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ  ضَرَّتْ الْعَامَّةَ   }  .  وَهَذَا الْقِسْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ  مِنْ الْحُكْمِ  فِي حُدُودِ اللَّهِ وَحُقُوقِهِ : مَقْصُودُهُ الْأَكْبَرُ : هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ . فَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ : مِثْلَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ  وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَهْلِ  وَالْجِيرَانِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ . فَالْوَاجِبُ  عَلَى  وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِالصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَمِيعَ مَنْ يَقْدِرُ  عَلَى  أَمْرِهِ  وَيُعَاقِبُ التَّارِكَ  بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ  فَإِنْ  كَانَ التَّارِكُونَ  طَائِفَةً مُمْتَنِعَةً قُوتِلُوا  عَلَى تَرْكِهَا  بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ  وَكَذَلِكَ يُقَاتَلُونَ  عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا  وَعَلَى اسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْفَسَادِ  فِي الْأَرْضِ  وَنَحْوِ  ذَلِكَ . فَكُلُّ  طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ  مِنْ الْتِزَامِ شَرِيعَةٍ  مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ يَجِبُ جِهَادُهَا حَتَّى  يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ  بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  .  وَإِنْ  كَانَ   التَّارِكُ لِلصَّلَاةِ  وَاحِدًا فَقَدْ  قِيلَ : إنَّهُ يُعَاقَبُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ حَتَّى  يُصَلِّيَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ  عَلَى  أَنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ إذَا امْتَنَعَ  مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ يُسْتَتَابَ  فَإِنْ تَابَ  وَصَلَّى  وَإِلَّا قُتِلَ .  وَهَلْ يُقْتَلُ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا فَاسِقًا  ؟  فِيهِ قَوْلَانِ . وَأَكْثَرُ   السَّلَفِ  عَلَى  أَنَّهُ يُقْتَلُ كَافِرًا  وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا  أَمَّا إذَا  جَحَدَ وُجُوبَهَا فَهُوَ كَافِرٌ  بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ  وَكَذَلِكَ مَنْ  جَحَدَ  سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَجِبُ الْقِتَالُ عَلَيْهَا . فَالْعُقُوبَةُ  عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ هِيَ مَقْصُودُ الْجِهَادِ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ وَاجِبٌ  عَلَى الْأُمَّةِ  بِالِاتِّفَاقِ  كَمَا  دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَهُوَ  مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ . {  قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي  عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ .  قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُهُ أَوْ لَا تُطِيقُهُ .  قَالَ : أَخْبِرْنِي  بِهِ ؟  قَالَ : هَلْ تَسْتَطِيعُ إذَا  خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ وَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ ؟  قَالَ : وَمَنْ يَسْتَطِيعُ  ذَلِكَ ؟  قَالَ :  فَذَلِكَ الَّذِي يَعْدِلُ الْجِهَادَ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ   }  .  وَقَالَ :   {   إنَّ  فِي الْجَنَّةِ لِمِائَةِ دَرَجَةٍ بَيْنَ الدَّرَجَةِ إلَى الدَّرَجَةِ  كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ  أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ نَحْوَ سَبِيلِهِ   }  كِلَاهُمَا  فِي   الصَّحِيحَيْنِ  .  وَقَالَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ   }  وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :   {   إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ  ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ   }  .  وَقَالَ تَعَالَى :   {   أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ  آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ  فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ   }   {   الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا  فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ   }   {   يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ  لَهُمْ  فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ   }   {   خَالِدِينَ  فِيهَا  أَبَدًا إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ   }  .