قال رحمه الله في ترجمته لابن تيمية:
شيخ الاسلام والمسلمين القائم ببيان الحق ونصرة الدين الداعي الى الله ورسوله المجاهد في سبيله الذي اضحك الله به من الدين ما كان عابسا وأحيى من السنة ما كان دارسا والنور الذي اطلعه الله في ليل الشبهات فكشف به غياهب الظلمات وفتح به من القلوب مقفلها وازاح به عن النفوس عللها فقمع به زيغ الزائغين وشك الشاكين وانتحال المبطلين وصدقت به بشارة رسول رب العالمين يقول (( ان الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )) [1]
وهو الشيخ العلامة الزاهد العابد الخاشع الناسك الحافظ المتبع تقي الدين أبو العباس احمد بن الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام ابي المحاسن عبد الحليم بن الشيخ الإسلام ومفتى الفرق علامة الدنيا مجد الين عبد السلام ابن الشيخ الامام العلامة الكبير شيخ الاسلام فخر الدين عبد الله بن ابي القاسم بن محمد بن تيمية الحراني قدس الله روحه ونور ضريحه [2]
قال ابن القيم وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول :
ان في الدنيا جنة من لم يدخل جنة الاخرة
وكان يقول:
بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين
يقول عنه : هو البحر من أي النواحي جئته والبدر من أي الضواحي رأيته رضع ثدي العلم منذ فطم وطلع وجه الصباح ليحاكيه فلطم وقطع الليل والنهار ردائين واتخذ العلم والعمل صاحبين إلى أن أنسى السلف بهداه وأنأى الخلف عن بلوغ مداه على أنه من بيت نشأت منه علماء في سالف الدهور ونشأت منه عظماء على المشاهير الشهور فأحيا معالم بيته القديم إذ درس وجنى من فننه الرطيب ما غرس وأصبح في فضله آية إلا أنه آية الحرس عرضت له الكدي فزحزحها وعارضته البحار فضحضها ثم كان أمة وحده وفردا حتى نزل لحده أخمل من القرناء كل عظيم وأخمد من أهل البدع كل حديث وقديم جاء في عصر مأهول بالعلماء مشحون بنجوم السماء تموج في جوانبه بحور خضارم وتطير بين خافقيه نسور قشاعم وتشرق في أنديته بدور دجنة وتبرق في ألويته صدور أسنة إلا أن شمسه طمست تلك النجوم وبحره طم على تلك الغيوم وابتلع غديره المطمئن جداولها واقتلع طوده المرجحن جنادلها ثم عبيت له الكتائب فحطم صفوفها وخطم أنوفها وأخمدت أنفاسهم ريحه وأكمدت شراراتهم مصابيحه ... تقدم ركابا فيهم إماما ... ولولاه لما ركبوا وراءه ...
فجمع أشتات المذاهب وشتات الذاهب ونقل عن أئمة الإجماع فمن سواهم مذاهبهم المختلفة واستحضرها ومثل صورهم الذاهبة وأحضرها فلو شعر أبو حنيفة بزمانه وملك أمره لأدنى عصره إليه مقتربا
أو مالك لأجرى وراءه أشهبه وكوكبا أو الشافعي لقال ليت هذا كان للأم ولدا وليتني كنت له أبا أو الشيباني ابن حنبل لما لام عذاره إذ غدا منه لفرط العجب أشيبا لا بل داود الظاهري وسنان الباطني لظنا تحقيقه من منتحله أو ابن حزم والشهرستاني لحشر كل منهما ذكره في نحله أو الحاكم النيسابوري والحافظ السلفي لأضافه هذا إلى مستدركه وهذا إلى رحله
ترد إليه الفتاوى ولا يردها وتفد عليه فيجيب عنها بأجوبة كأنه كان قاعدا لها يعدها ... أبدا على طرف اللسان جوابه ... فكأنما هي دفعة من صيب ... وكان من أذكى الناس كثير الحفظ قليل النسيان قلما حفظ شيئا فنسية
وكان إماما في التفسير وعلوم القرآن عارفا بالفقه واختلاف الفقهاء والأصوليين والنحو وما يتعلق به واللغة والمنطق وعلم الهيئة والجبر والمقابلة وعلم الحساب وعلم أهل الكتابين وعلم أهل البدع وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية
وما تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه
وكان حافظة للحديث مميزا بين صحيحه وسقيمه عارفا برجاله متضلعا من ذلك وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة وفتاوى مشبعة في الفروع والأصول والحديث ورد البدع بالكتاب والسنة .[3]
يقول : "ما رأتْ عيناي مثله، ثم مدحه أبو حيان على البديهة لَمَّا اجتمع به في المجلس"، فقال: [4]
لمَّا أَتَيْنَا تَقِيَّ الدِّينِ لاَحَ لَنَا ... دَاعٍ إِلَى اللَّهِ فَرْدٌ مَا لَهُ وَزَرُ
عَلَى مُحَيَّاهُ مِنْ سِيمَا الأُولَى صَحِبُوا ... خَيْرَ الْبَرِيَّةِ نُورٌ دُونَهُ الْقَمَرُ
حَبْرٌ تَسَرْبَلَ مِنْهُ دَهْرُهُ حِبَرًا ... بَحْرٌ تَقَاذَفَ مِنْ أَمْوَاجِهِ الدُّرَرُ
قَامَ ابْنُ تَيْمِيَّةٍ فِي نَصْرِ شِرْعَتِنَا ... مَقَامَ سَيِّدِ تَيْمٍ إِذْ عَصَتْ مُضَرُ
فَأَظْهَرَ الْحَقَّ إِذْ آثَارُهُ دَرَسَتْ ... وَأَخْمَدَ الشَّرَّ إِذْ طَارَتْ لَهُ الشَّرَرُ
كُنَّا نُحَدَّثُ عَنْ حَبْرٍ يَجِيءُ فَهَا ... أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي قَدْ كَانَ يُنْتَظَرُ
يقول : "قرَأ بنفسه ونَسَخ سُنن أبي داود، وحصَّل الأجزاء، ونظر في الرجال والعِلل، وتفقَّه وتمهَّر، وتميَّز وتقدَّم، وصنَّف ودرَّس وأفْتى، وفاق الأقران، وصار عجبًا في سُرعة الاستحضار، وقوَّة الجَنان، والتوسُّع في المنقول والمعقول، والاطلاع على مذاهب السَّلَف والخَلَف"[5]
يقول : "شيخ الإسلام، أحَدُ المجتهدين" [6]
يقول: "شيْخ الإسلام، إمام الأئمَّة، المجتهد المطلق" [7]
يقول :"الإمام الجَريء، العالِم الكاتِب، الخطيب المجاهِد"، كـما وصفَه بـأنَّه مـجتهدٌ منتسِب لمـذهب الحنابلة . [8]
"شيْخ الإسلام، وبحْر العلوم، ومفْتي الفِرق، المجتهد تقي الدِّين، ابن تيمية" [9]
سمع كلام ابن تيمية وقال له بعد سماع كلامه ما كنت اظن ان الله تعالى بقي بخلق مثلك.
وسئل ابن دقيق العيد بعد انقضاء ذلك المجلس عن ابن تيمية فقال هو رجل حفظة فقيل له هلا تكلمت معه فقال هو رجل يحب الكلام وانا احب السكوت
وقال ابن دقيق العيد ايضا لما اجتمعت بابن تيمية رايت رجلا العلوم كلها بين عينيه ياخذ منها ما يريد ويدع ما يريد[10]
حدث غير واحد من الشيوخ عن المزي أنه قال عن ابن تيمية ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله ولا أتبع لهما منه
وقال المزي أيضا عن ابن تيمية ابن تيمية لم ير مثله منذ أربعمائة سنة
كتب المزي على كتاب ترجمة الشيخ تقي الدين ابن تيمية
تصنيف ابن عبدالهادي ما صورته كتاب مختصر في ذكر حال الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية وذكر بعض مصنفاته ومناقبه جمع الشيخ الإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي
وكتب المزي أيضا بخطه طبقة سماع على الجزء الثاني من حديث الحسن بن علي الجوهري ما صورته سمع هذا الجزء على المشايخ الثلاثة الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية والإمام علم الدين البرزالي بقرأته من لفظه وكاتب السماع يوسف ابن الركي
وقد قال قاضي القضاة صالح بن عمر البلقيني الشافعي لقد افتخر قاضي القضاة تاج الدين السبكي في ترجمة أبيه الشيخ تقي الدين السبكي في ثناء الأئمة عليه بأن الحافظ المزي لم يكتب بخطه لفظة شيخ الإسلام إلا لأبيه وللشيخ تقي الدين ابن تيمية وللشيخ شمس الدين بن أبي عمر الحنبلي[11]
ومما وجد في كتاب كتبه العلامة قاضي القضاة أبو الحسن السبكي إلى الحافظ الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين يعني ابن تيمية أما قول سيدي في الشيخ فالمملوك يتحقق كبر قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي لا يتجاوز الوصف والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة نصرة الحق
والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان إنتهى[12]
[1]