وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُرُونَ إلَى الْحَمَّامِ ; فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَغْتَسِلُوا مِنْ الْجَنَابَةِ وَقَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى الطَّهُورِ وَحْدَهُ ; وَلَا يَغْتَسِلُ أَحَدٌ مَعَهُ حَتَّى يَفْرُغَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ; فَهَلْ إذَا اغْتَسَلَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَا يَطْهُرُ ؟ وَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْ بَقِيَّةِ أَحْوَاضِ الْحَمَّامِ فَهَلْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَائِنًا فِيهَا ؟ وَهَلْ الْمَاءُ الَّذِي يَتَقَاطَرُ مِنْ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ مِنْ الْجِمَاعِ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ ؟ وَهَلْ مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدَ كَوْنِهِ مُسْخَنًا بِالنَّجَاسَةِ نَجِسٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الزُّنْبُورُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَمَّامِ أَيَّامَ الشِّتَاءِ هُوَ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ يَتَنَجَّسُ بِهِ الرَّجُلُ إذَا اغْتَسَلَ وَجَسَدُهُ مَبْلُولٌ أَمْ لَا ؟ وَالْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ ؟ أَفْتُونَا لِيَزُولَ الْوَسْوَاسُ .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُتَطَهَّرَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا غَمَسَ الْجُنُبُ يَدَهُ فِيهِ : هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ . وَهُوَ نَظِيرُ غَمْسِ الْمُتَوَضِّئِ يَدَهُ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ عِنْدَ مَنْ يُوجِبُ التَّرْتِيبَ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ : الْفَرْقُ بِهِ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْغُسْلَ أَوْ لَا يَنْوِيَهُ ; فَإِنْ نَوَى مُجَرَّدَ الْغُسْلِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ نَوَى مُجَرَّدَ الِاغْتِرَافِ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اغْتَرَفَ مِنْ الْإِنَاءِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ } كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ اغْتَرَفَ مِنْهُ فِي الْجَنَابَةِ وَلَمْ يُحَرِّجْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَلْ قَدْ عَلِمْنَا يَقِينًا أَنَّ أَكْثَرَ تَوَضُّؤِ الْمُسْلِمِينَ وَاغْتِسَالِهِمْ عَلَى عَهْدِهِ كَانَ مِنْ الْآنِيَةِ الصِّغَارِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَغْمِسُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ جَمِيعًا فَمَنْ جَعَلَ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا بِذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّقَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ . فَإِنْ قِيلَ : فَنَحْنُ نَحْتَرِزُ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ قَوْلِ مَنْ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ . قِيلَ : هَذَا أَبْعَدُ عَنْ السُّنَّةِ ; فَإِنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ نَجَاسَةٌ حِسِّيَّةٌ كَنَجَاسَةِ الدَّمِ وَنَحْوِهِ - وَإِنْ كَانَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا ; مُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَدِلَّةِ الْجَلِيَّةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَوَارِدِ الظُّنُونِ بَلْ هِيَ قَطْعِيَّةٌ بِلَا رَيْبٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرٍ } وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ كَمَا يَأْخُذُونَ نُخَامَتَهُ وَكَمَا اقْتَسَمُوا شَعْرَهُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ . فَمَنْ نَجَّسَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَجَّسَ شُعُورَ الْآدَمِيِّينَ بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ نَجَّسَ الْبُصَاقَ كَمَا يُرْوَى عَنْ سَلْمَانَ . وَأَيْضًا فَبَدَنُ الْجُنُبِ طَاهِرٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَاءُ الطَّاهِرُ إذَا لَاقَى مَحَلًّا طَاهِرًا لَمْ يَنْجُسْ بِالْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ طَهَارَةً ; وَأَنَّهَا ضِدُّ النَّجَاسَةِ : فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ أَنَّ كُلَّ طَهَارَةٍ فَضِدُّهَا النَّجَاسَةُ ; فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَنْقَسِمُ إلَى : طَهَارَةِ خَبَثٍ وَحَدَثٍ طَهَارَةً عَيْنِيَّةً وَحُكْمِيَّةً . الثَّانِي : أَنَّا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَنَقُولُ : النَّجَاسَةُ أَنْوَاعٌ كَالطَّهَارَةِ فَيُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ كَمَا يُرَادُ بِالنَّجَاسَةِ ضِدُّ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } وَهَذِهِ النَّجَاسَةُ لَا تُفْسِدُ الْمَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ طَاهِرٌ وَآنِيَتُهُمْ الَّتِي يَصْنَعُونَ فِيهَا الْمَائِعَاتِ وَيَغْمِسُونَ فِيهَا أَيْدِيَهُمْ طَاهِرَةٌ وَقَدْ { أَهْدَى الْيَهُودِيُّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً مَشْوِيَّةً وَأَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً } مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ بَاشَرُوهَا . { وَقَدْ أَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيًّا إلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ } . وَالثَّانِي : يُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَضِدُّ هَذِهِ نَجَاسَةُ الْحَدَثِ كَمَا قَالَ أَحْمَد فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ نَحْوِ ذَلِكَ : إنَّهُ أَنْجَسُ الْمَاءِ . فَظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَرَادَ نَجَاسَةَ الْجُنُبِ ; فَذَكَرَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْهُ . وَإِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَد نَجَاسَةَ الْحَدَثِ وَأَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً ظَاهِرَةً مَعْلُومَةً لَهُ قَطُّ وَالسُّنَّةُ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ تَخْفَى عَلَى أَقَلِّ أَتْبَاعِهِ لَكِنْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : اغْسِلْ بَدَنَك مِنْهُ . وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ ; فَإِنَّ غَسْلَ الْبَدَنِ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ ذَكَرُوا عَنْ أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ الْبَدَنِ مِنْهُ : رِوَايَتَيْنِ . الرِّوَايَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ; لِأَنَّ هَذَا عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُونُوا يَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ بِمَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الْوُضُوءِ . الثَّالِثُ : يُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْأَعْيَانِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ النَّجَاسَةِ بِالْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْأَعْيَانِ الْخَبِيثَةِ ; كَالدَّمِ وَالْمَاءِ الْمُنَجَّسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي دَلَّتْ النُّصُوصُ وَالْإِجْمَاعُ الْقَدِيمُ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى بُطْلَانِهِ . وَعَلَى هَذَا فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمِيَاهِ الَّتِي فِي الْحِيَاضِ ; وَالْبِرَكِ الَّتِي فِي الْحَمَّامَاتِ وَالطُّرُقَاتِ وَعَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَفِي الْمَدَارِسِ ; وَغَيْرِ ذَلِكَ : لَا يُكْرَهُ التَّطَهُّرُ بِشَيْءِ مِنْهَا وَإِنْ سَقَطَ فِيهَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ أَمْرٍ ثَبَتَتْ فِيهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّخْصَةِ لِأَجْلِ شُبْهَةٍ وَقَعَتْ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ جَوَابُ السَّائِلِ عَنْ الْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ بَدَنِ الْجُنُبِ بِجِمَاعِ أَوْ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ وَأَنَّ التَّنَزُّهَ عَنْهُ أَوْ عَنْ مُلَامَسَتِهِ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي فِي ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُخَالِفَةٌ لَلسُّنَّةِ وَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ مَسَّ مُغْتَسِلًا لَمْ يُقْدَحْ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ . وَأَمَّا الْمُسْخَنُ بِالنَّجَاسَةِ فَلَيْسَ بِنَجِسِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَا يُنَجِّسُهُ وَأَمَّا كَرَاهَتُهُ فَفِيهَا نِزَاعٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ ; وَمَالِكٍ وَأَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُمَا . وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لَهَا مَأْخَذَانِ : أَحَدُهُمَا : احْتِمَالُ وُصُولِ أَجْزَاءِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ ; فَيَبْقَى مَشْكُوكًا فِي طِهَارَتِهِ شَكًّا مُسْتَنِدًا إلَى أَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ مَتَى كَانَ بَيْنَ الْوَقُودِ وَالْمَاءِ حَاجِزٌ حَصِينٌ كَمِيَاهِ الْحَمَّامَاتِ لَمْ يُكْرَهْ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَاءَ لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد كَالشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا . وَالثَّانِي : أَنَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ سُخِّنَ بِإِيقَادِ النَّجَاسَةِ ; وَاسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ ; وَالْحَاصِلُ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ . فَعَلَى هَذَا إنَّمَا الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ التَّسْخِينُ حَصَلَ بِالنَّجَاسَةِ . فَأَمَّا إذَا كَانَ غَالِبُ الْوَقُودِ طَاهِرًا أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ . وَأَمَّا دُخَانُ النَّجَاسَةِ : فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْعَيْنَ النَّجِسَةَ الْخَبِيثَةَ إذَا اسْتَحَالَتْ حَتَّى صَارَتْ طَيِّبَةً كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الطَّيِّبَةِ - مِثْلَ أَنْ يَصِيرَ مَا يَقَعُ فِي الْمَلَّاحَةِ مِنْ دَمٍ وَمَيْتَةٍ وَخِنْزِيرٍ مِلْحًا طَيِّبًا كَغَيْرِهَا مِنْ الْمِلْحِ أَوْ يَصِيرُ الْوَقُودُ رَمَادًا وخرسفا وقصرملا وَنَحْوَ ذَلِكَ - فَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَطْهُرُ . كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ . وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ; وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَد ; وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ; وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى : أَنَّهُ طَاهِرٌ ; وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِمْ : أَنَّهَا تَطْهُرُ . وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ ; فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا نُصُوصُ التَّحْرِيمِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى ; فَلَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَا فِي مَعْنَى الْمُحَرَّمِ فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهَا بَلْ تَتَنَاوَلُهَا نُصُوصُ الْحِلِّ ; فَإِنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ . وَهِيَ أَيْضًا فِي مَعْنَى مَا اتَّفَقَ عَلَى حِلِّهِ فَالنَّصُّ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي تَحْلِيلَهَا .