تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْبُرُونَ إلَى الْحَمَّامِ ; فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَغْتَسِلُوا مِنْ الْجَنَابَةِ وَقَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى الطَّهُورِ وَحْدَهُ ; وَلَا يَغْتَسِلُ أَحَدٌ مَعَهُ حَتَّى يَفْرُغَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ; فَهَلْ إذَا اغْتَسَلَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَا يَطْهُرُ ؟ وَإِنْ تَطَهَّرَ مِنْ بَقِيَّةِ أَحْوَاضِ الْحَمَّامِ فَهَلْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَائِنًا فِيهَا ؟ وَهَلْ الْمَاءُ الَّذِي يَتَقَاطَرُ مِنْ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ مِنْ الْجِمَاعِ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ ؟ وَهَلْ مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدَ كَوْنِهِ مُسْخَنًا بِالنَّجَاسَةِ نَجِسٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الزُّنْبُورُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَمَّامِ أَيَّامَ الشِّتَاءِ هُوَ مِنْ دُخَانِ النَّجَاسَةِ يَتَنَجَّسُ بِهِ الرَّجُلُ إذَا اغْتَسَلَ وَجَسَدُهُ مَبْلُولٌ أَمْ لَا ؟ وَالْمَاءُ الَّذِي يَجْرِي فِي أَرْضِ الْحَمَّامِ مِنْ اغْتِسَالِ النَّاسِ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ ؟ أَفْتُونَا لِيَزُولَ الْوَسْوَاسُ .
1234567
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; وَذَكَرْنَا بِضْعَةَ عَشَرَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثِهِ فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَكَيْفَ بِالْمُسْتَحِيلِ مِنْهَا أَيْضًا ؟ وَطَهَارَةُ هَذِهِ الْأَرْوَاثِ بَيِّنَةٌ فِي السُّنَّةِ فَلَا يُجْعَلُ الْخِلَافُ فِيهَا شُبْهَةً يُسْتَحَبُّ لِأَجْلِهِ اتِّقَاءُ مَا خَالَطَتْهُ ; إذْ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُلَابِسُونَهَا . وَأَمَّا رَوْثُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ : فَهَذِهِ نَجِسَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ . وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى طَهَارَتِهَا ; وَأَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مِنْ الْأَرْوَاثِ وَالْأَبْوَالِ إلَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتُهُ ; لَكِنْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إذَا شَكَّ فِي الرَّوْثَةِ : هَلْ هِيَ مِنْ رَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِنْ رَوْثِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ؟ فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد : أَحَدُهُمَا : يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْوَاثِ النَّجَاسَةُ . وَالثَّانِي : وَهُوَ الْأَصَحُّ : يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْيَانِ الطَّهَارَةُ . وَدَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَرْوَاثِ النَّجَاسَةُ مَمْنُوعٌ ; فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَمَنْ ادَّعَى أَصْلًا بِلَا نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ فَقَدْ أَبْطَلَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا الْقِيَاسُ فَرَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ ; فَكَيْفَ يُدَّعَى أَنَّ الْأَصْلَ نَجَاسَةُ الْأَرْوَاثِ ؟ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ . فَإِنَّ تَيَقُّنَ أَنَّ الْوَقُودَ نَجِسٌ فَالدُّخَانُ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِحَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ . وَإِنْ شَكَّ : هَلْ فِيهِ نَجَسٌ ؟ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ رَوْثًا وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ . وَإِنْ عَلِمَ اشْتِمَالَهُ عَلَى طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَقُلْنَا بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَحِيلِ عَنْهُ : كَانَ لَهُ حُكْمُهُ فِيمَا يُصِيبُ بَدَنَ الْمُغْتَسِلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الطَّاهِرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّجِسِ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ أَصَابَهُ بَعْضُ رَمَادٍ مِثْلَ هَذَا الْوَقُودِ فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ بِذَلِكَ وَإِنْ تَيَقَّنَّا أَنَّ فِي الْوَقُودِ نَجَسًا ; لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّمَادُ غَيْرَ نَجِسٍ وَالْبَدَنُ طَاهِرٌ بِيَقِينِ فَلَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ بِالشَّكِّ . وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ الرَّمَادُ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ ; أَوْ الْبُخَارُ النَّجِسُ بِالطَّاهِرِ . فَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ : فَمَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مِنْهُمَا جَمِيعًا ; وَلَكِنَّ الْوَقُودَ فِي مَقَرِّهِ لَا يَكُونُ مُخْتَلِطًا بَلْ رَمَادُ كُلِّ نَجَاسَةٍ يَبْقَى فِي حَيِّزِهَا .