تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بَابٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ : هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ غَيْرَ مُخَرَّقٍ حَتَّى لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ ؟ وَهَلْ لِلتَّخْرِيقِ حَدٌّ ؟ وَمَا الْقَوْلُ الرَّاجِحُ بِالدَّلِيلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ ؟ .
123456789
وَكُلُّ مَنْ لَبِسَ خُفًّا وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ الْخُفُّ سَلِيمًا أَوْ مَقْطُوعًا ; فَإِنَّهُ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ فِعْلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى - كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ - حَتَّى تُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ . وَأَمَّا قَوْلُ الْمُنَازِعِ : إنَّ فَرْضَ مَا ظَهَرَ الْغَسْلُ وَمَا بَطَنَ الْمَسْحُ . فَهَذَا خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا بَطَنَ مِنْ الْقَدَمِ يُمْسَحُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ الْخُفِّ بَلْ إذَا مَسَحَ ظَهْرَ الْقَدَمِ أَجْزَأَهُ . وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يَسْتَحِبُّ مَسْحَ أَسْفَلِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَمْسَحُ خُطَطًا بِالْأَصَابِعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ جَمِيعَ الْخُفِّ كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ الْجَبِيرَةَ فَإِنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَقُومُ مَقَامَ غَسْلِ نَفْسِ الْعُضْوِ فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرِ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ وَظُفْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ نَزْعُهُ وَغَسْلُ الْقَدَمِ وَلِهَذَا كَانَ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَاجِبًا وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ جَائِزًا إنْ شَاءَ مَسَحَ وَإِنْ شَاءَ خَلَعَ . وَلِهَذَا فَارَقَ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ الْخُفَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ وَذَلِكَ جَائِزٌ . الثَّانِي : أَنَّ هَذَا يَجُوزُ فِي الطَّهَارَتَيْنِ : الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إلَّا ذَلِكَ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ لَا يَكُونُ فِي الْكُبْرَى بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يُوَصِّلَ الْمَاءَ إلَى جِلْدِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَفِي الْوُضُوءِ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَغَسْلُ ظَاهِرِ اللِّحْيَةِ الْكَثِيفَةِ : فَكَذَلِكَ الْخِفَافُ يُمْسَحُ عَلَيْهَا فِي الصُّغْرَى ; فَإِنَّهُ لَمَّا احْتَاجَ إلَى لُبْسِهَا صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ مِنْ الشَّعْرِ الَّذِي يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهِ وَلَكِنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَالْغَسْلُ لَا يَتَكَرَّرُ . الثَّالِثُ : أَنَّ الْجَبِيرَةَ يُمْسَحَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَحِلَّهَا ; لَيْسَ فِيهَا تَوْقِيتٌ ; فَإِنَّ مَسْحَهَا لِلضَّرُورَةِ . بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّ مَسْحَهُ مُوَقَّتٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ; فَإِنَّ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي خَلْعِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ضَرَرٌ - مِثْلُ : أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَرْدٌ شَدِيدٌ مَتَى خَلَعَ خُفَّيْهِ تَضَرَّرَ كَمَا يُوجَدُ فِي أَرْضِ الثُّلُوجِ وَغَيْرِهَا ; أَوْ كَانَ فِي رُفْقَةٍ مَتَى خَلَعَ وَغَسَلَ لَمْ يَنْتَظِرُوهُ فَيَنْقَطِعُ عَنْهُمْ فَلَا يَعْرِفُ الطَّرِيقَ ; أَوْ يَخَافُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ ; أَوْ كَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَاتَهُ وَاجِبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ - فَهُنَا قِيلَ : إنَّهُ يَتَيَمَّمُ : وَقِيلَ : إنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا لِلضَّرُورَةِ . وَهَذَا أَقْوَى لِأَنَّ لُبْسَهُمَا هُنَا صَارَ كَلُبْسِ الْجَبِيرَةِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَأَحَادِيثُ التَّوْقِيتِ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَسْحِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلَيْسَ فِيهَا النَّهْيُ عَنْ الزِّيَادَةِ إلَّا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ ; فَإِذَا كَانَ يَخْلَعُ بَعْدَ الْوَقْتِ عِنْدَ إمْكَانِ ذَلِكَ عُمِلَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ . وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَمَّا خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ إلَى الْمَدِينَةِ يُبَشِّرُ النَّاس بِفَتْحِ دِمَشْقَ وَمَسَحَ أُسْبُوعًا بِلَا خَلْعٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَصَبْت السُّنَّةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَلَيْسَ الْخُفُّ كَالْجَبِيرَةِ مُطْلَقًا ; فَإِنَّهُ لَا يُسْتَوْعَبُ بِالْمَسْحِ بِحَالِ ; وَيُخْلَعُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى ; وَلَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِ عَلَى طَهَارَةٍ . لَكِنَّ الْمَقْصُودَ : أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ خَلْعُهُ فَالْمَسْحُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ خَلْعُهُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى فَقَدْ صَارَ كَالْجَبِيرَةِ يَمْسَحُ عَلَيْهِ كُلَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى رِجْلِهِ جَبِيرَةٌ يَسْتَوْعِبُهَا . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ ; لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ فِيمَا يُغَطِّي مَوْضِعَ الْغَسْلِ ; وَذَاكَ مَسْحٌ بِالتُّرَابِ فِي عُضْوَيْنِ آخَرَيْنِ : فَكَانَ هَذَا الْبَدَلُ أَقْرَبَ إلَى الْأَصْلِ مِنْ التَّيَمُّمِ ; وَلِهَذَا لَوْ كَانَ جَرِيحًا وَأَمْكَنَهُ مَسْحُ جِرَاحِهِ بِالْمَاءِ دُونَ الْغَسْلِ : فَهَلْ يَمْسَحُ بِالْمَاءِ أَوْ يَتَيَمَّمُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ . هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد وَمَسْحُهُمَا بِالْمَاءِ أَصَحُّ ; لِأَنَّهُ إذَا جَازَ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ وَمَسْحُ الْخُفِّ وَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ فَلِأَنْ يَكُونَ مَسْحُ الْعُضْوِ بِالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . الرَّابِعُ : أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَسْتَوْعِبُهَا بِالْمَسْحِ كَمَا يَسْتَوْعِبُ الْجِلْدَ ; لِأَنَّ مَسْحَهَا كَغَسْلِهِ وَهَذَا أَقْوَى عَلَى قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ . الْخَامِسُ : أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى حَدَثٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد ; وَهُوَ الصَّوَابُ . وَمَنْ قَالَ : لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا قِيَاسُهَا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ ; فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ثَابِتٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَسْحُهَا كَمَسْحِ الْجِلْدَةِ وَمَسْحُ الشَّعْرِ ; لَيْسَ كَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَد مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ عِنْدَهُ بِجِلْدَةِ الْإِنْسَانِ لَا بِالْخُفَّيْنِ وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ ; لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يَجْعَلُهَا كَالْخُفَّيْنِ وَيَجْعَلُ الْبُرْءَ كَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَقُولُ بِبُطْلَانِ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ كَمَا قَالُوا فِي الْخُفِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ : أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ سُقُوطَ بُرْءٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَبِمَنْزِلَةِ كَشْطِ الْجِلْدِ لَا يُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَلَيْهَا إذَا كَانَ قَدْ مَسَحَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَنَابَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَلِّ وَلَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ كَمَا قِيلَ : إنَّهُ يَجِبُ فِي خَلْعِ الْخُفِّ وَالطَّهَارَةِ وَجَبَتْ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِيَكُونَ إذَا أَحْدَثَ يَتَعَلَّقُ الْحَدَثُ بِالْخُفَّيْنِ ; فَيَكُونُ مَسْحُهُمَا كَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَلَّقَ الْحَدَثُ بِالْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ . ثُمَّ قِيلَ : إنَّ الْمَسْحَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ فَإِذَا خَلَعَهَا كَانَ كَأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا فَيَغْسِلُهَا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْمُوَالَاةَ وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْمُوَالَاةَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ . وَقِيلَ : بَلْ حَدَثُهُ ارْتَفَعَ رَفْعًا مُؤَقَّتًا إلَى حِينِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَخَلْعِ الْخُفِّ لَكِنْ لَمَّا خَلَعَهُ انْقَضَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ وَالطَّهَارَةُ الصُّغْرَى لَا تَتَبَعَّضُ لَا فِي ثُبُوتِهَا وَلَا فِي زَوَالِهَا . فَإِنَّ حُكْمَهَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ مَحَلِّهَا فَإِنَّهَا غَسْلُ أَعْضَاءٍ أَرْبَعَةٍ وَالْبَدَنُ كُلُّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا فَإِذَا غُسِلَ عُضْوٌ أَوْ عُضْوَانِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ حَتَّى يَغْسِلَ الْأَرْبَعَةَ وَإِذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ فِي عُضْوٍ انْتَقَضَ فِي الْجَمِيعِ . وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ : إنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَمِثْلُ هَذَا مُنْتَفٍ فِي الْجَبِيرَةِ فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ يَمْسَحُ عَلَيْهَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الْبَدَلُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَالْمَسْحِ عَلَى الْجِلْدِ وَالشَّعْرِ . وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا : إنَّهُ إذَا سَقَطَتْ لِبُرْءِ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ أَوْ غَسَلَ مَحَلَّهَا وَإِذَا سَقَطَتْ لِغَيْرِ بُرْءٍ : فَعَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا مُؤَقَّتَةً بِالْبُرْءِ وَجَعَلُوا سُقُوطَهَا بِالْبُرْءِ كَانْقِطَاعِ مُدَّةِ الْمَسْحِ . وَأَمَّا إذَا سَقَطَتْ قَبْلَ الْبُرْءِ فَقِيلَ : هِيَ كَمَا لَوْ خَلَعَ الْخُفَّ قَبْلَ الْمُدَّةِ . وَقِيلَ : لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهَا قَبْلَ الْبُرْءِ بِخِلَافِ الرِّجْلِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهَا إذَا خُلِعَ الْخُفُّ فَلِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُفِّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ غَسْلُهَا بَقِيَتْ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبُرْءِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ مَحَلِّهَا . وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْبُرْءَ كَالْوَقْتِ فِي الْخُفَّيْنِ ضَعِيفٌ فَإِنَّ طَهَارَةَ الْجَبِيرَةِ لَا تَوْقِيتَ فِيهَا أَصْلًا حَتَّى يُقَالَ : إذَا انْقَضَى الْوَقْتُ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ . بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ مُوَقَّتٌ وَنَزْعُهَا مُشَبَّهٌ بِخَلْعِ الْخُفِّ وَهُوَ أَيْضًا تَشْبِيهٌ فَاسِدٌ فَإِنَّهُ إنْ شُبِّهَ بِخَلْعِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ظَهَرَ الْفَرْقُ وَإِنَّمَا يُشْبِهُ هَذَا نَزْعَهَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ شُبِّهَ بِخَلْعِهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَوُجُودُ الْخَلْعِ كَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ أَمَرَهُ بِخَلْعِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا وَقْتًا بَلْ جَعَلَهَا بِمَنْزِلَةِ مَا يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ مِنْ جِلْدٍ وَشَعْرٍ وَظُفْرٍ وَذَاكَ إذَا احْتَاجَ الرَّجُلُ إلَى إزَالَتِهِ أَزَالَهُ وَلَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلَى بُطْلَانِهَا وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ مَوْضِعَهُ وَهَذَا مُشْبِهٌ قَوْلَ مَنْ قَالَ : مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْجَبِيرَةِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : خَلْعُ الْخُفِّ لَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ . وَالْقَوْلُ الْوَسَطُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَإِلْحَاقُ الْجَبِيرَةِ بِمَا يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَوْلَى كَالْوَسَخِ الَّذِي عَلَى يَدِهِ وَالْحِنَّاءِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَاجِبٌ لَا يُمْكِنُهُ تَخْيِيرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَسْلِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إذَا شَدَّهَا وَهُوَ مُحْدِثٌ نُقِلَ إلَى التَّيَمُّمِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْحِ بِالْمَاءِ فِي مَحَلِّ الْغَسْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ طِهَارَةِ الْمَسْحِ بِالتُّرَابِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْغَسْلِ الْوَاجِبِ ; لِأَنَّ الْمَاءَ أَوْلَى مِنْ التُّرَابِ وَمَا كَانَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِمَّا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ . فَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَعَلَى الْجَبِيرَةِ وَعَلَى نَفْسِ الْعُضْوِ : كُلُّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنْ التَّيَمُّمِ حَيْثُ كَانَ وَلِأَنَّهُ إذَا شَدَّهَا عَلَى حَدَثِ مَسَحَ عَلَيْهَا فِي الْجَنَابَةِ فَفِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى أَوْلَى . وَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا مِنْ الْجَنَابَةِ حَتَّى يَشُدَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ : كَانَ هَذَا قَوْلًا بِلَا أَصْلٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا . وَإِنْ قِيلَ : بَلْ إذَا شَدَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ مَسَحَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا شَدَّهَا وَهُوَ جُنُبٌ . قِيلَ : هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى شَدِّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يَجْنُبُ - وَالْمَاءُ يَضُرُّ جِرَاحَهُ وَيَضُرُّ الْعَظْمَ الْمَكْسُورَ وَيَضُرُّ الْفِصَادَ - فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ أَنْ يَشُدَّهُ بَعْدَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَمْسَحُ عَلَيْهَا . وَهَذِهِ مِنْ أَحْسَنِ الْمَسَائِلِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ لَا يُسْتَوْعَبُ فِيهِ الْخُفُّ بَلْ يَجْزِي فِيهِ مَسْحُ بَعْضِهِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ قَاطِبَةً فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا بَطَنَ مِنْ الْقَدَمِ مُسِحَ مَا يَلِيهِ مِنْ الْخُفِّ بَلْ إذَا مَسَحَ ظَهْرَ الْقَدَمِ كَانَ هَذَا الْمَسْحُ مُجْزِئًا عَنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ وَعَنْ الْعَقِبِ . وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعٍ وَمَسَحَ مَوْضِعًا آخَرَ : كَانَ ذَلِكَ مَسْحًا مُجْزِئًا عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْقَدَمِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مُؤَخِّرِ الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ فَإِنَّ مَسْحَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَجِبُ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ فِي الْمُقَدِّمِ فَالْمَسْحُ خُطُوطٌ بَيْنَ الْأَصَابِعِ . فَإِنْ قِيلَ : مُرَادُنَا أَنَّ مَا بَطَنَ يَجْزِي عَنْهُ الْمَسْحُ وَمَا ظَهَرَ يَجِبُ غَسْلُهُ . قِيلَ هَذَا : دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا تَكُونُ حُجَّةً فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَرْضُهُ غَسْلُهُ فَهَذَا رَأْسُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ احْتَجَّ بِهِ كَانَ مُثْبِتًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ . وَإِنْ قَالُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَسْتُورٍ أَوْ مُغَطًّى وَنَحْوَ ذَلِكَ : كَانَتْ هَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتٍ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ دَعْوَى رَأْسِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا . وَالشَّارِعُ أَمَرَنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي : أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ .