تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
بَابٌ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ : هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ غَيْرَ مُخَرَّقٍ حَتَّى لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدَمِ ؟ وَهَلْ لِلتَّخْرِيقِ حَدٌّ ؟ وَمَا الْقَوْلُ الرَّاجِحُ بِالدَّلِيلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ ؟ .
123456789
وَقَدْ كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا فَهَلْ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِهِ وَكَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَمْسَحَانِ عَلَى الْقَلَانِسِ ; وَلِهَذَا جَوَّزَ أَحْمَد هَذَا وَهَذَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ; وَجَوَّزَ أَيْضًا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ ; لَكِنْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ رَأَى أَنَّ الْعِمَامَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُحَنَّكَةً الْمُتَقَطِّعَةَ : كَانَ أَحْمَد يَكْرَهُ لُبْسَهَا . وَكَذَا مَالِكٌ يَكْرَهُ لُبْسَهَا أَيْضًا لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْآثَارِ ; وَشَرَطَ فِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ مُحَنَّكَةً . وَاتَّبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاضِي وَأَتْبَاعُهُ وَذَكَرُوا فِيهَا - إذَا كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ - وَجْهَيْنِ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَد : إذَا كَانَ أَحْمَد فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَى الْقَلَانِسِ الدَّنِيَّاتِ - وَهِيَ الْقَلَانِسُ الْكِبَارُ - فَلَأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ عَلَى الْعِمَامَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى . وَالسَّلَفُ كَانُوا يُحَنِّكُونَ عَمَائِمَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَيُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ; فَإِنْ لَمْ يَرْبُطُوا الْعَمَائِمَ بِالتَّحْنِيكِ وَإِلَّا سَقَطَتْ وَلَمْ يُمْكِنْ مَعَهَا طَرْدُ الْخَيْلِ ; وَلِهَذَا ذَكَرَ أَحْمَد عَنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَافِظُونَ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِهِ هُمْ الْمُجَاهِدِينَ . وَذَكَرَ إسْحَاقُ بْنُ راهويه بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْعَمَائِمَ بِلَا تَحْنِيكٍ ; وَهَذَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْحِجَازِ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ لَا يُجَاهِدُونَ . وَرَخَّصَ إسْحَاقُ وَغَيْرُهُ فِي لُبْسِهَا بِلَا تَحْنِيكٍ وَالْجُنْدُ الْمُقَاتِلَةُ لَمَّا احْتَاجُوا إلَى رَبْطِ عَمَائِمِهِمْ صَارُوا يَرْبُطُونَهَا : إمَّا بِكَلَالِيبَ ; وَإِمَّا بِعِصَابَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَهَذَا مَعْنَاهُ مَعْنَى التَّحْنِيكِ كَمَا أَنَّ مِنْ السَّلَفِ مَنْ كَانَ يَرْبُطُ وَسَطَهُ بِطَرَفِ عِمَامَتِهِ وَالْمَنَاطِقُ يَحْصُلُ بِهَا هَذَا الْمَقْصُودُ . وَفِي نَزْعِ الْعِمَامَةِ الْمَرْبُوطَةِ بِعِصَابَةِ وَكَلَالِيبَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا فِي نَزْعِ الْمُحَنَّكَةِ . وَقَدْ ثَبَتَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ صَحِيحَةٍ لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْفَرْضُ سَقَطَ بِمَسْحِ مَا بَدَا مِنْ الرَّأْسِ ; وَالْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ مُسْتَحَبٌّ . وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ الْفَرْضُ سَقَطَ بِمَسْحِ الْعِمَامَةِ وَمَسْحِ مَا بَدَا مِنْ الرَّأْسِ ; كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ . وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ ; أَوْ لَيْسَ بِوَاجِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ . وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَد الْمَشْهُورُ عَنْهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ إنَّمَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ وَهُوَ مَا إذَا حَصَلَ بِكَشْفِ الرَّأْسِ ضَرَرٌ مِنْ بَرْدٍ وَمَرَضٍ ; فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَمَا جَاءَ : أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَرِيَّةٍ فَشَكَوْا الْبَرْدَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى التَّسَاخِينِ وَالْعَصَائِبِ - وَالْعَصَائِبُ هِيَ الْعَمَائِمُ - وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبِلَادَ الْبَارِدَةَ يَحْتَاجُ فِيهَا مَنْ يَمْسَحُ التَّسَاخِينَ وَالْعَصَائِبَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ فَأَهْلُ الشَّامِ وَالرُّومِ وَنَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَحَقُّ بِالرُّخْصَةِ فِي هَذَا وَهَذَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْمَاشُونَ فِي الْأَرْضِ الْحَزِنَةِ وَالْوَعِرَةِ أَحَقُّ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ الْمَاشِينَ فِي الْأَرْضِ السَّهْلَةِ وَخِفَافُ هَؤُلَاءِ فِي الْعَادَةِ لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا الْحَجَرُ ; فَهُمْ بِرُخْصَةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخِفَافِ الْمُخَرَّقَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ . ثُمَّ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُ : إذَا ظَهَرَ بَعْضُ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ فَقَدْ يَظْهَرُ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ الْقَدَمِ كَمَوْضِعِ الْخَرَزِ - وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْخِفَافِ - فَإِنْ مَنَعُوا مِنْ الْمَسْحِ عَلَيْهَا ضَيَّقُوا تَضْيِيقًا يَظْهَرُ خِلَافُهُ لِلشَّرِيعَةِ بِلَا حُجَّةٍ مَعَهُمْ أَصْلًا . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ حَتَّى يَقُولُوا : فَرْضُهُ الْغَسْلُ وَإِنْ قَالُوا : هَذَا يُعْفَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ضَابِطٌ فِيمَا يَمْنَعُ وَفِيمَا لَا يُمْنَعُ . وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمْ : إذَا ظَهَرَ بَعْضُ الْقَدَمِ إنْ أَرَادُوا ظُهُورَهُ لِلْبَصَرِ فَأَبْصَارُ النَّاسِ مَعَ اخْتِلَافِ إدْرَاكِهَا قَدْ يَظْهَرُ لَهَا مِنْ الْقَدَمِ مَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ وَإِنْ أَرَادُوا مَا يَظْهَرُ وَيُمْكِنُ مَسُّهُ بِالْيَدِ فَقَدْ يُمْكِنُ غَسْلُهُ بِلَا مَسٍّ . وَإِنْ قَالُوا : مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ فَالْإِمْكَانُ يَخْتَلِفُ قَدْ يُمْكِنُ مَعَ الْجُرْحِ وَلَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ فَإِنَّ سَمَّ الْخِيَاطِ يُمْكِنُ غَسْلُهُ إذَا وَضَعَ الْقَدَمَ فِي مَغْمَزِهِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَاءُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَتَيَقَّنُ وُصُولَ الْمَاءِ عَلَيْهِ إلَّا بِخَضْخَضَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ كَمَا يَغْسِلُ الْقَدَمَ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَد أَقْوَى ; فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ إذَا لُبِسَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ مَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ ذَلِكَ . وَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ مَعَ ذَلِكَ ؟ فِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ . فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْمَمْسُوحِ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِجَمِيعِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَأَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ . وَالشَّافِعِيُّ أَيْضًا يَسْتَحِبُّ ذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِبُّهُ أَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اللِّبَاسِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ سَوَاءٌ سَتَرَ جَمِيعَ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ لَمْ يَسْتُرْهُ . وَالْخِفَافُ قَدْ اُعْتِيدَ فِيهَا أَنْ تُلْبَسَ مَعَ الْفَتْقِ وَالْخَرْقِ وَظُهُورِ بَعْضِ الرِّجْلِ ; وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَذَاكَ لَيْسَ بِخُفِّ أَصْلًا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّعْلَيْنِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ نَسْخَ الْأَمْرِ بِالْقَطْعِ ; وَأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ حِينَ لَمْ يُشْرَعْ الْبَدَلُ أَيْضًا . فَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ دَلِيلِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُهُمْ : يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ - مَمْنُوعٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ; فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ غَسْلُ بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ الْبَعْضِ ; لِكَوْنِ الْبَاقِي جَرِيحًا ; أَوْ كَوْنِ الْمَاءِ قَلِيلًا وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ مَعَ الْعِمَامَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ ; فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ كَمَا أَوْجَبَ غَسْلَ جَمِيعِ الْبَدَنِ : أَمْكَنَ أَنْ يَغْسِلَ مَا ظَهَرَ وَيَمْسَحَ مَا بَطَنَ ; كَمَا يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْجَبِيرَةِ ; فَإِنَّهُ إذَا رَبَطَهَا عَلَى بَعْضِ مَكَانِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَغَسَلَ أَوْ مَسَحَ مَا بَيْنَهُمَا فَجَمَعَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ سُقُوطَ غَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ لَمْ يُمْكِنْ لِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ ; بَلْ لِأَنَّ مَسْحَ ظَهْرِ الْخُفِّ وَلَوْ خَطًّا بِالْأَصَابِعِ يُجْزِئُ عَنْ جَمِيعِ الْقَدَمِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهُ لَا مَا ظَهَرَ وَلَا مَا بَطَنَ كَمَا أَمَرَ صَاحِبُ الشَّمْسِ لِأُمَّتِهِ إذْ أَمَرَهُمْ إذَا كَانُوا مُسَافِرِينَ أَنْ لَا يَنْزِعُوا خِفَافَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لَا مِنْ غَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَا نَوْمٍ فَأَيُّ خُفٍّ كَانَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ دَخَلَ فِي مُطْلَقِ النَّصِّ ؟ . كَمَا أَنَّ { قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ فَقَالَ : لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ } هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِذَلِكَ لَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ قَدْ شُرِعَتْ رُخْصَةُ الْبَدَلِ . فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ لَا فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْإِزَارَ وَلَا فِي لُبْسِ الْخُفِّ مُطْلَقًا . ثُمَّ إنَّهُ فِي عَرَفَاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ : { السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ وَالْخِفَافُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ } هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ جَابِرٌ وَحَدِيثُهُ فِي مُسْلِمٍ فَأَرْخَصَ لَهُمْ بِعَرَفَاتِ فِي الْبَدَلِ فَأَجَازَ لَهُمْ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ إذَا لَمْ يَجِدُوا الْإِزَارَ بِلَا فَتْقٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَمَنْ اشْتَرَطَ فَتْقَهُ خَالَفَ النَّصَّ . وَأَجَازَ لَهُمْ حِينَئِذٍ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ إذَا لَمْ يَجِدُوا النَّعْلَيْنِ بِلَا قَطْعٍ فَمَنْ اشْتَرَطَ الْقَطْعَ فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ فَإِنَّ السَّرَاوِيلَ الْمَفْتُوقَ وَالْخُفَّ الْمَقْطُوعَ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى السَّرَاوِيلِ وَالْخُفِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا أَنَّ الْقَمِيصَ إذَا فُتِقَ وَصَارَ قَطْعًا لَمْ يُسَمَّ سَرَاوِيلَ وَكَذَلِكَ الْبُرْنُسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ . فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالْقَطْعِ أَوَّلًا لِأَنَّ رُخْصَةَ الْبَدَلِ لَمْ تَكُنْ شُرِعَتْ فَأَمَرَهُمْ بِالْقَطْعِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمَقْطُوعَ يَصِيرُ كَالنَّعْلَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخُفِّ . وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي إذْنِهِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ . وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُلْبَسُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ مَدَاسٍ وَجُمْجُمٍ وَغَيْرِهِمَا كَالْخُفِّ الْمَقْطُوعِ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ فَتَكُونُ إبَاحَتُهُ أَصْلِيَّةً كَمَا تُبَاحُ النَّعْلَانِ لَا أَنَّهُ أُبِيحَ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ وَإِنَّمَا الْمُبَاحُ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِ هُوَ الْخُفُّ الْمُطْلَقُ وَالسَّرَاوِيلُ .