وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ " اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ " هَلْ هُوَ وَاجِبٌ ؟ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟ وَمَا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ؟ .
فَأَجَابَ : الِاسْتِفْتَاحُ عَقِبَ التَّكْبِيرِ مَسْنُونٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ : مِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ . قَالَ : { قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت سُكُوتَك بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي } وَذَكَرَ الدُّعَاءَ . فَبَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ سُكُوتًا يَدْعُو فِيهِ . وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَتِهِ أَنْوَاعٌ وَغَالِبُهَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فَمَنْ اسْتَفْتَحَ بِقَوْلِهِ : { سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك } فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمَنْ اسْتَفْتَحَ بِقَوْلِهِ : { وَجَّهْت وَجْهِي } إلَخْ فَقَدْ أَحْسَنَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِهِ وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْفَرْضِ . وَرُوِيَ أَنَّهُ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَاسْتَفْتَحَ : بـ { سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك } إلَى آخِرِهِ . و { وَجَّهْت وَجْهِي } فَقَدْ أَحْسَنَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ . و ( الْأَوَّلُ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد . و ( الثَّانِي : اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ . و ( الثَّالِثُ : اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد . وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ بِمَنْزِلَةِ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَبِمَنْزِلَةِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ الَّتِي يَقْرَأُ الْإِنْسَانُ مِنْهَا بِمَا اخْتَارَ . وَأَمَّا كَوْنُهُ وَاجِبًا : فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبِ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرُ يَذْكُرُهُ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً عَنْهُ أَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .