وَسُئِلَ  شَيْخُ الْإِسْلَامِ   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ   الرَّجُلِ إذَا  كَانَ يَتْلُو الْكِتَابَ الْعَزِيزَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَقَرَأَ سَجْدَةً فَقَامَ  عَلَى قَدَمَيْهِ  وَسَجَدَ . فَهَلْ قِيَامُهُ أَفْضَلُ  مِنْ سُجُودِهِ . وَهُوَ قَاعِدٌ ؟ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ فِعْلُهُ  ذَلِكَ رِيَاءٌ وَنِفَاقٌ ؟  . 
				
				
				 فَأَجَابَ : بَلْ   سُجُودُ التِّلَاوَةِ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْهُ قَاعِدًا  كَمَا  ذَكَرَ  ذَلِكَ مَنْ  ذَكَرَهُ  مِنْ الْعُلَمَاءِ  مِنْ أَصْحَابِ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَغَيْرِهِمَا  وَكَمَا نُقِلَ عَنْ  عَائِشَةَ  بَلْ  وَكَذَلِكَ سُجُودُ الشُّكْرِ  كَمَا رَوَى  أَبُو داود  فِي سُنَنِهِ  عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْ سُجُودِهِ لِلشُّكْرِ قَائِمًا  وَهَذَا ظَاهِرٌ  فِي الِاعْتِبَارِ  فَإِنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ أَفْضَلُ  مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ .  وَقَدْ  ثَبَتَ   {   عَنْ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  أَنَّهُ  كَانَ أَحْيَانًا  يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا قَرُبَ  مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ قَائِمٌ وَأَحْيَانًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ   }  فَهَذَا قَدْ يَكُونُ لِلْعُذْرِ أَوْ لِلْجَوَازِ وَلَكِنْ  تَحَرِّيهِ مَعَ قُعُودِهِ أَنْ يَقُومَ لِيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَهُوَ قَائِمٌ دَلِيلٌ  عَلَى  أَنَّهُ أَفْضَلُ . إذْ هُوَ أَكْمَلُ وَأَعْظَمُ خُشُوعًا لِمَا  فِيهِ  مِنْ هُبُوطِ رَأْسِهِ وَأَعْضَائِهِ السَّاجِدَةِ لِلَّهِ  مِنْ الْقِيَامِ .  وَمَنْ  كَانَ لَهُ وِرْدٌ مَشْرُوعٌ  مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى أَوْ قِيَامِ لَيْلٍ أَوْ غَيْرِ  ذَلِكَ فَإِنَّهُ  يُصَلِّيهِ حَيْثُ  كَانَ  وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَعَ وِرْدَهُ الْمَشْرُوعَ  لِأَجْلِ كَوْنِهِ بَيْنَ النَّاسِ إذَا عَلِمَ اللَّهُ  مِنْ قَلْبِهِ  أَنَّهُ يَفْعَلُهُ سِرًّا لِلَّهِ مَعَ اجْتِهَادِهِ  فِي سَلَامَتِهِ  مِنْ الرِّيَاءِ وَمُفْسِدَاتِ الْإِخْلَاصِ ; وَلِهَذَا  قَالَ  الفضيل بْنُ عِيَاضٍ  :   تَرْكُ الْعَمَلِ  لِأَجْلِ النَّاسِ  رِيَاءٌ   وَالْعَمَلُ  لِأَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ  . وَفِعْلُهُ  فِي  مَكَانِهِ الَّذِي تَكُونُ  فِيهِ مَعِيشَتُهُ الَّتِي يَسْتَعِينُ بِهَا  عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ  مِنْ أَنْ يَفْعَلَهُ حَيْثُ تَتَعَطَّلُ مَعِيشَتُهُ وَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ بِسَبَبِ  ذَلِكَ  فَإِنَّ الصَّلَاةَ كُلَّمَا  كَانَتْ  أَجْمَعَ لِلْقَلْبِ  وَأَبْعَدَ  مِنْ الْوَسْوَاسِ  كَانَتْ  أَكْمَلَ .  وَمَنْ   نَهَى عَنْ أَمْرٍ مَشْرُوعٍ بِمُجَرَّدِ زَعْمِهِ  أَنَّ  ذَلِكَ رِيَاءٌ  فَنَهْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ  مِنْ وُجُوهٍ : ( أَحَدُهَا :  أَنَّ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا خَوْفًا  مِنْ الرِّيَاءِ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا وَبِالْإِخْلَاصِ  فِيهَا  وَنَحْنُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُهَا أَقْرَرْنَاهُ  وَإِنْ جَزَمْنَا  أَنَّهُ يَفْعَلُهَا رِيَاءً فَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ  قَالَ اللَّهُ  فِيهِمْ : {   إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا   }  فَهَؤُلَاءِ  كَانَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُقِرُّونَهُمْ  عَلَى مَا يُظْهِرُونَهُ  مِنْ الدِّينِ  وَإِنْ  كَانُوا مُرَائِينَ وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الظَّاهِرِ ;  لِأَنَّ الْفَسَادَ  فِي تَرْكِ إظْهَارِ  الْمَشْرُوعِ أَعْظَمُ  مِنْ الْفَسَادِ  فِي إظْهَارِهِ رِيَاءً  كَمَا  أَنَّ  فَسَادَ تَرْكِ إظْهَارِ  الْإِيمَانِ وَالصَّلَوَاتِ أَعْظَمُ  مِنْ الْفَسَادِ  فِي إظْهَارِ  ذَلِكَ رِيَاءً ; وَلِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ  عَلَى الْفَسَادِ  فِي إظْهَارِ  ذَلِكَ رِئَاءَ النَّاسِ .  ( الثَّانِي : لِأَنَّ الْإِنْكَارَ إنَّمَا يَقَعُ  عَلَى مَا أَنْكَرَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَقَدْ  قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   {   إنِّي لَمْ  أومر أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَنْ  أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ؟   }  وَقَدْ  قَالَ  عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ  : مَنْ  أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَحْبَبْنَاهُ وَوَالَيْنَاهُ عَلَيْهِ  وَإِنْ  كَانَتْ سَرِيرَتُهُ بِخِلَافِ  ذَلِكَ . وَمَنْ  أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا أَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ  وَإِنْ  زَعَمَ  أَنَّ سَرِيرَتَهُ صَالِحَةٌ  . ( الثَّالِثُ :  أَنَّ تَسْوِيغَ مِثْلِ  هَذَا يُفْضِي إلَى  أَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ يُنْكِرُونَ  عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ إذَا رَأَوْا مَنْ يُظْهِرُ أَمْرًا مَشْرُوعًا مَسْنُونًا  قَالُوا :  هَذَا مِرَاءٌ فَيَتْرُكُ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ إظْهَارَ الْأُمُورِ الْمَشْرُوعَةِ حَذَرًا  مِنْ لَمْزِهِمْ وَذَمِّهِمْ فَيَتَعَطَّلُ الْخَيْرُ وَيَبْقَى لِأَهْلِ الشِّرْكِ شَوْكَةٌ يُظْهِرُونَ الشَّرَّ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ  وَهَذَا  مِنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ .  ( الرَّابِعُ :  أَنَّ مِثْلَ  هَذَا  مِنْ شَعَائِرِ الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ يَطْعَنُ  عَلَى مَنْ يُظْهِرُ الْأَعْمَالَ الْمَشْرُوعَةَ  قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {   الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  فِي  الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ  وَلَهُمْ عَذَابٌ  أَلِيمٌ   }  فَإِنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمَّا  حَضَّ  عَلَى الْإِنْفَاقِ  عَامَ  تَبُوكَ جَاءَ بَعْضُ   الصَّحَابَةِ  بِصُرَّةِ  كَادَتْ يَدُهُ تَعْجِزُ  مِنْ حَمْلِهَا  فَقَالُوا :  هَذَا مِرَاءٌ وَجَاءَ بَعْضُهُمْ بِصَاعِ  فَقَالُوا : لَقَدْ  كَانَ اللَّهُ غَنِيًّا عَنْ صَاعِ فُلَانٍ فَلَمَزُوا  هَذَا  وَهَذَا  فَأَنْزَلَ اللَّهُ  ذَلِكَ  وَصَارَ عِبْرَةً فِيمَنْ يَلْمِزُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ .