تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَسَائِلَ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَحْصُلُ الِابْتِلَاءُ بِهَا وَالضِّيقُ وَالْحَرَجُ عَلَى رَأْيِ إمَامٍ بِعَيْنِهِ : مِنْهَا " مَسْأَلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلصَّلَاةِ " هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ ؟ أَمْ سُنَّةٌ ؟ وَإِذَا قُلْنَا : وَاجِبَةٌ هَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ . بِدُونِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ؟ .
123
فَصْلٌ وَإِذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ : فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : أَحَدُهُمَا : تَصِحُّ صَلَاتُهُ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَفْضُلُ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً } وَالثَّانِي : لَا تَصِحُّ لِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ } وَلِقَوْلِهِ : " { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } وَقَدْ قَوَّاهُ عَبْدُ الْحَقِّ الإشبيلي . وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً فَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ . وَحَدِيثُ التَّفْضِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْعُذْرِ . كَمَا فِي قَوْلِهِ : " { صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ } . وَهَذَا عَامٌّ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ . وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ قَاعِدًا أَوْ نَائِمًا إلَّا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ نَائِمًا عِنْدَ جَمَاهِيرَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ; إلَّا وَجْهًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ لِأَجْلِ نِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْمَلُ عَادَتُهُ قَبْلَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِمَرَضِ أَوْ سَفَرٍ وَكَانَ يَعْتَادُهَا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْتَادُهَا لَمْ يَكُنْ يُكْتَبْ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالَيْنِ أَنَّ مَا لَهُ بِنَفْسِ الْفِعْلِ صَلَاةُ مُنْفَرِدٍ . وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ إذَا صَلَّى قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ . وَأَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ كَمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَصَلَّى ظُهْرًا وَإِنْ قَصَدَ الرَّجُلُ الْجَمَاعَةَ وَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ بِنِيَّتِهِ أَجْرُ الْجَمَاعَةِ وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ أَوْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ . فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يَكُونُ كَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ . وَالثَّانِي : يَكُونُ كَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا أَصَحُّ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ } وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : إنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا إذَا أَدْرَكَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ . وَمِنْ فَوَائِدِ النِّزَاعِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا صَلَّى خَلْفَ الْمُقِيمِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِلْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ . وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ كَالْمُنْفَرِدِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ .