وَسُئِلَ   رَحِمَهُ اللَّهُ  عَنْ حَدِيثِ  يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ  قَالَ :   {   شَهِدْت حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّيْت مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ  فِي   مَسْجِدِ الْخَيْفِ  فَلَمَّا  قَضَى الصَّلَاةَ وَانْحَرَفَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ  فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ لَمْ  يُصَلِّيَا  فَقَالَ : عَلَيَّ بِهِمَا فَإِذَا بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا  فَقَالَ : مَا مَنَعَكُمَا أَنْ  تُصَلِّيَا  مَعَنَا ؟  فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا  كُنَّا  صَلَّيْنَا  فِي رِحَالِنَا  قَالَ :  فَلَا تَفْعَلَا إذَا  صَلَّيْتُمَا  فِي رِحَالِكُمَا  ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ  فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ   }  . وَالثَّانِي : عَنْ  سَلْمَانَ بْنِ سَالِمٍ  قَالَ :   {   رَأَيْت  عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ  جَالِسًا  عَلَى الْبَلَاطِ وَالنَّاسُ  يُصَلُّونَ فَقُلْت : يَا  عَبْدَ اللَّهِ  مَا  لَك لَا  تُصَلِّي ؟  فَقَالَ : إنِّي قَدْ  صَلَّيْت  وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  يَقُولُ :   لَا تُعَادُ صَلَاةٌ مَرَّتَيْنِ   }  فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ  هَذَا  وَهَذَا ؟ ؟ . 
				
				
				 فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .  أَمَّا حَدِيثُ  ابْنِ عُمَرَ  فَهُوَ  فِي الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا  مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ . وَلَا رَيْبَ  أَنَّ  هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ  وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ  إعَادَةَ الصَّلَاةِ  مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْإِعَادَةَ  إذْ لَوْ  كَانَ مَشْرُوعًا لِلصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ  كَانَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ  يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّاتٍ وَالْعَصْرَ مَرَّاتٍ وَنَحْوَ  ذَلِكَ وَمِثْلُ  هَذَا لَا رَيْبَ  فِي كَرَاهَتِهِ  .  وَأَمَّا حَدِيثُ  ابْنِ الْأَسْوَدِ  : فَهُوَ إعَادَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِسَبَبِ اقْتَضَى الْإِعَادَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ :   {   إذَا  صَلَّيْتُمَا  فِي رِحَالِكُمَا  ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ  فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ   }  فَسَبَبُ الْإِعَادَةِ هُنَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ  صَلَّى  ثُمَّ  حَضَرَ جَمَاعَةً رَاتِبَةً أَنْ  يُصَلِّيَ مَعَهُمْ . لَكِنْ  مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا  كَالشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّهَا إذَا  كَانَتْ الثَّانِيَةُ  أَكْمَلَ  كَمَالِكِ  . فَإِذَا  أَعَادَهَا  فَالْأُولَى هِيَ الْفَرِيضَةُ عِنْدَ  أَحْمَد  وَأَبِي حَنِيفَةَ  وَالشَّافِعِيِّ  فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ; لِقَوْلِهِ  فِي  هَذَا الْحَدِيثِ : {   فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ   }  وَكَذَلِكَ  قَالَ  فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :   {   إنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا  فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا  ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً   }  وَهَذَا أَيْضًا يَتَضَمَّنُ إعَادَتَهَا لِسَبَبِ وَيَتَضَمَّنُ  أَنَّ الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ .  وَقِيلَ الْفَرِيضَةُ أَكْمَلُهُمَا .  وَقِيلَ  ذَلِكَ إلَى اللَّهِ .  وَمِمَّا جَاءَ  فِي الْإِعَادَةِ لِسَبَبِ الْحَدِيثِ الَّذِي  فِي   سُنَنِ  أَبِي داود  لَمَّا  قَالَ النَّبِيُّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {  أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ  عَلَى  هَذَا  يُصَلِّي مَعَهُ   }  . فَهُنَا  هَذَا الْمُتَصَدِّقُ قَدْ  أَعَادَ الصَّلَاةَ لِيَحْصُلَ  لِذَلِكَ  الْمُصَلِّي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ  ثُمَّ الْإِعَادَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا مَشْرُوعَةٌ عِنْدَ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَمَالِكٍ  وَقْتَ النَّهْيِ وَعِنْدَ  أَبِي حَنِيفَةَ  لَا تُشْرَعُ وَقْتَ النَّهْيِ .  وَأَمَّا   الْمَغْرِبُ : فَهَلْ تُعَادُ  عَلَى صِفَتِهَا ؟ أَمْ تُشْفَعُ بِرَكْعَةِ ؟ أَمْ لَا تُعَادُ  ؟  عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ لِلْفُقَهَاءِ . وَمِمَّا جَاءَ  فِيهِ الْإِعَادَةُ لِسَبَبِ مَا  ثَبَتَ {  أَنَّ النَّبِيَّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي بَعْضِ صَلَوَاتِ الْخَوْفِ  صَلَّى بِهِمْ الصَّلَاةَ مَرَّتَيْنِ  صَلَّى  بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ  ثُمَّ  صَلَّى  بِطَائِفَةِ أُخْرَى رَكْعَتَيْنِ  ثُمَّ سَلَّمَ   }  وَمِثْلُ  هَذَا حَدِيثُ  مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  لَمَّا  كَانَ  يُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ   صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُنَا إعَادَةٌ أَيْضًا وَصَلَاةٌ مَرَّتَيْنِ . وَالْعُلَمَاءُ مُتَنَازِعُونَ  فِي مِثْلِ  هَذَا : وَهِيَ مَسْأَلَةُ  اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ   "  عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .  فَقِيلَ : لَا يَجُوزُ كَقَوْلِ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَأَحْمَد  فِي إحْدَى الرِّوَايَاتِ .  وَقِيلَ : يَجُوزُ كَقَوْلِ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  فِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ .  وَقِيلَ : يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ مِثْلُ  حَالِ الْخَوْفِ وَالْحَاجَةِ إلَى الِائْتِمَامِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا كَرِوَايَةِ ثَالِثَةٍ عَنْ  أَحْمَد  .  وَيُشْبِهُ  هَذَا   إعَادَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِمَنْ  صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا  ;  فَإِنَّ  هَذَا لَا يُشْرَعُ بِغَيْرِ سَبَبٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ  بَلْ لَوْ  صَلَّى عَلَيْهَا مَرَّةً ثَانِيَةً  ثُمَّ  حَضَرَ مَنْ لَمْ  يُصَلِّ فَهَلْ  يُصَلِّي عَلَيْهَا ؟  عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ .  قِيلَ :  يُصَلِّي عَلَيْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  وَيُصَلِّي عِنْدَهُمَا  عَلَى الْقَبْرِ لِمَا  ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ  مِنْ   الصَّحَابَةِ  أَنَّهُمْ  صَلَّوْا  عَلَى جِنَازَةٍ بَعْدَ مَا  صَلَّى عَلَيْهَا غَيْرُهُمْ . وَعِنْدَ  أَبِي حَنِيفَةَ  وَمَالِكٍ  يُنْهَى عَنْ  ذَلِكَ  كَمَا يَنْهَيَانِ عَنْ   إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ  فِي الْمَسْجِدِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ  قَالُوا ;  لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالصَّلَاةِ  الْأُولَى فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ نَافِلَةً  وَالصَّلَاةُ  عَلَى الْجِنَازَةِ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا .  وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ  يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّهُ  يُصَلِّيهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ  ;  لِأَنَّهَا  وَاجِبَةٌ  عَلَيْهِ  وَأَصْحَابُ  الشَّافِعِيِّ  وَأَحْمَد  يُجِيبُونَ بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا :  أَنَّ الثَّانِيَةَ تَقَعُ فَرْضًا عَمَّنْ فَعَلَهَا  وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ  فِي  سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ :  أَنَّ مَنْ فَعَلَهَا أَسْقَطَ بِهَا فَرْضَ نَفْسِهِ  وَإِنْ  كَانَ غَيْرُهُ قَدْ فَعَلَهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِإِسْقَاطِ  ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ يُسْقِطَ الْفَرْضَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ .  وَقِيلَ : بَلْ هِيَ نَافِلَةٌ وَيَمْنَعُونَ قَوْلَ  الْقَائِلِ : إنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا بَلْ قَدْ يُتَطَوَّعُ بِهَا إذَا  كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ يَقْتَضِي  ذَلِكَ .  وَيَنْبَنِي  عَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ  أَنَّهُ إذَا  حَضَرَ الْجِنَازَةَ مَنْ لَمْ  يُصَلِّ أَوَّلًا : فَهَلْ لِمَنْ  صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا أَنْ  يُصَلِّيَ مَعَهُ تَبَعًا ؟  كَمَا يَفْعَلُ مِثْلَ  هَذَا  فِي الْمَكْتُوبَةِ  عَلَى وَجْهَيْنِ .  قِيلَ : لَا يَجُوزُ هُنَا ;  لِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَا نَفْلٌ  بِلَا نِزَاعٍ  وَهِيَ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا وَقِيلَ : بَلْ لَهُ الْإِعَادَةُ ;  فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَمَّا  صَلَّى  عَلَى الْقَبْرِ  صَلَّى خَلْفَهُ مَنْ  كَانَ قَدْ  صَلَّى أَوَّلًا وَهَذَا  أَقْرَبُ  فَإِنَّ هَذِهِ الْإِعَادَةَ بِسَبَبِ اقْتَضَاهُ لَا إعَادَةً مَقْصُودَةً  وَهَذَا  سَائِغٌ  فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالْجِنَازَةِ . وَاَللَّهُ  أَعْلَمُ .  وَصَلَّى اللَّهُ  عَلَى   مُحَمَّدٍ  وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .