تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ كَلَامَ زَائِرِهِ وَيَرَى شَخْصَهُ ؟ وَهَلْ تُعَادُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ تَكُونُ تُرَفْرِفُ عَلَى قَبْرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّدَقَةُ مِنْ نَاحِلِيهِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمَالِ الْمَوْرُوثِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ تُجْمَعُ رُوحُهُ مَعَ أَرْوَاحِ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَدْفُونًا قَرِيبًا مِنْهُمْ أَوْ بَعِيدًا ؟ وَهَلْ تُنْقَلُ رُوحُهُ إلَى جَسَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ يَكُونُ بَدَنُهُ إذَا مَاتَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ وَدُفِنَ بِهَا يُنْقَلُ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا ؟ وَهَلْ يَتَأَذَّى بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ ؟ وَالْمَسْئُولُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ الْفُصُولِ - فَصْلًا فَصْلًا - جَوَابًا وَاضِحًا مُسْتَوْعِبًا لِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا نُقِلَ فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَشَرْحَ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ : أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَمَا الرَّاجِحُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ مَأْجُورِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
12345
فَصْلٌ : وَأَمَّا " الْقِرَاءَةُ وَالصَّدَقَةُ " وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ كَمَا يَصِلُ إلَيْهِ أَيْضًا الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ . وَتَنَازَعُوا فِي وُصُولِ الْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ : كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ . وَالصَّوَابُ أَنَّ الْجَمِيعَ يَصِلُ إلَيْهِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ } وَثَبَتَ أَيْضًا : { أَنَّهُ أَمَرَ امْرَأَةً مَاتَتْ أُمُّهَا وَعَلَيْهَا صَوْمٌ أَنْ تَصُومَ عَنْ أُمِّهَا } . وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ العاص : { لَوْ أَنَّ أَبَاك أَسْلَمَ فَتَصَدَّقْت عَنْهُ أَوْ صُمْت أَوْ أَعْتَقْت عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ } وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ . وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ : أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَهَذَا مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالصَّدَقَةِ عَنْهُ وَالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ سَعْيِ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ مِنْ جَوَابِهِمْ فِي مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ جَوَابُ الْبَاقِينَ فِي مَوَاقِعِ النِّزَاعِ . وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ . لَكِنَّ الْجَوَابَ الْمُحَقَّقَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِسَعْيِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَالَ : { لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } فَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا سَعْيَهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَ ذَلِكَ . وَأَمَّا سَعْيُ غَيْرِهِ فَهُوَ لَهُ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ وَنَفْعَ نَفْسِهِ فَمَالُ غَيْرِهِ وَنَفْعُ غَيْرِهِ هُوَ كَذَلِكَ لِلْغَيْرِ ; لَكِنْ إذَا تَبَرَّعَ لَهُ الْغَيْرُ بِذَلِكَ جَازَ . وَهَكَذَا هَذَا إذَا تَبَرَّعَ لَهُ الْغَيْرُ بِسَعْيِهِ نَفَعَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ كَمَا يَنْفَعُهُ بِدُعَائِهِ لَهُ وَالصَّدَقَةِ عَنْهُ وَهُوَ يَنْتَفِعُ بِكُلِّ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا يَنْتَفِعُ بِصَلَاةِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَدُعَائِهِمْ لَهُ عِنْدَ قَبْرِهِ .