وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ مُفْرِدًا ؟ أَوْ قَارِنًا " أَوْ مُتَمَتِّعًا ؟ وَأَيُّمَا أَفْضَلُ لِمَنْ يَحُجُّ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْقَوْلَ وَأَطَالُوا وَزَادُوا وَنَقَصُوا وَالْقَصْدُ كَشْفُ الْحَقِّ عَنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَتَى بِعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَوْهُ : { أَنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقُومُ كَذَا وَكَذَا حَجَّةٍ } . هَلْ هُوَ صَحِيحٌ ؟ أَمْ لَا ؟
وَأَمَّا تَنَازُعُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ فَسْخِ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ وَانْتِقَالِهِمَا إلَى التَّمَتُّعِ . فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَخْصُوصًا بِاَلَّذِينَ حَجُّوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ بَعْضُهُمْ : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرَ مَرَّةٍ بَلْ عُمَرُهُ كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ : عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَةِ أَمَا كَانَ فِي هَذَا مَا يُبَيِّنُ جَوَازَ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ . وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أنهم لَمَّا كَانُوا بِذِي الحليفة . قَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةِ وَحَجَّةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةِ فَلْيَفْعَلْ } فَقَدْ صَرَّحَ لَهُمْ بِجَوَازِ الثَّلَاثَةِ وَفِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ لِجَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ . وَأَيْضًا : فَاَلَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ مُتَمَتِّعِينَ كَانَ فِي حَجِّهِمْ مَا يُبَيِّنُ الْجَوَازَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ جَمِيعَ مَنْ حَجَّ مَعَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ تَمَتُّعًا بِمُجَرَّدِ بَيَانِ جَوَازِ ذَلِكَ وَلَا يَنْقُلُهُمْ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْمَفْضُولِ فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا نَقَلَهُمْ إلَى الْأَفْضَلِ وَقَدْ ثَبَتَ { عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : عُمْرَتُنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ ؟ فَقَالَ : بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وَأَيْضًا : فَإِذَا كَانَ الْكُفَّارُ لَمْ يَكُونُوا يَتَمَتَّعُونَ وَلَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ مُخَالَفَةَ الْكُفَّارِ كَانَ هَذَا مِنْ سُنَنِ الْحَجِّ كَمَا فَعَلَ فِي وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُعَجِّلُونَ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَيُؤَخِّرُونَ الْإِفَاضَةَ مِنْ جَمْعٍ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ . فَخَالَفَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : { خَالَفَ هَدْيُنَا هَدْيَ الْمُشْرِكِينَ } فَأَخَّرَ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى أَنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَعَجَّلَ الْإِفَاضَةَ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَهَكَذَا مَا فَعَلَهُ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْفَسْخِ إنْ كَانَ قَصَدَ بِهِ مُخَالَفَةَ الْمُشْرِكِينَ فَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَإِنْ فَعَلَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَهُوَ سُنَّةٌ فَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ الْفَسْخُ أَفْضَلَ ; اتِّبَاعًا لِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .