تنسيق الخط:    (إخفاء التشكيل)
متن:
وَسُئِلَ أَحْمَد ابْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَزُورُ الْقُبُورَ وَيَسْتَنْجِدُ بِالْمَقْبُورِ فِي مَرَضٍ بِهِ أَوْ بِفَرَسِهِ أَوْ بِعِيرِهِ : يَطْلُبُ إزَالَةَ الْمَرَضِ الَّذِي بِهِمْ وَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي أَنَا فِي جِيرَتِك أَنَا فِي حَسْبِك فُلَانٌ ظَلَمَنِي فُلَانٌ قَصَدَ أَذِيَّتِي وَيَقُولُ : إنَّ الْمَقْبُورَ يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيمَنْ يَنْذِرُ لِلْمَسَاجِدِ وَالزَّوَايَا وَالْمَشَايِخِ - حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ - الدَّرَاهِمَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالشَّمْعَ وَالزَّيْتَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَقُولُ : إنْ سَلِمَ وَلَدِي فَلِلشَّيْخِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . وَفِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِشَيْخِهِ يَطْلُبُ تَثْبِيتَ قَلْبِهِ مِنْ ذَاكَ الْوَاقِعِ ؟ وَفِيمَنْ يَجِيءُ إلَى شَيْخِهِ وَيَسْتَلِمُ الْقَبْرَ وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُ الْقَبْرَ بِيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ ؟ وَفِيمَنْ يَقْصِدُهُ بِحَاجَتِهِ وَيَقُولُ : يَا فُلَانٌ بِبَرَكَتِك أَوْ يَقُولُ : قُضِيَتْ حَاجَتِي بِبَرَكَةِ اللَّهِ وَبَرَكَةِ الشَّيْخِ ؟ وَفِيمَنْ يُعْمِلُ السَّمَاعَ وَيَجِيءُ إلَى الْقَبْرِ فَيَكْشِفُ وَيَحُطُّ وَجْهَهُ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِهِ عَلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا . وَفِيمَنْ قَالَ : إنَّ ثَمَّ قُطْبًا غَوْثًا جَامِعًا فِي الْوُجُودِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ .
123456789
فَصْلٌ وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ . ( إحْدَاهَا : أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ; لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ : إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ } . فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يُكْرِهُهُ أَحَدٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَمَا قَدْ يُكْرِهُ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ وَكَمَا يُكْرِهُ السَّائِلُ الْمَسْئُولَ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ وَآذَاهُ بِالْمَسْأَلَةِ . فَالرَّغْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وَالرَّهْبَةُ تَكُونُ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ دُعَائِنَا . وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ : هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } . ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك أَوْ أَرْحَمُ بِك فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ ؟ أَلَا تَسْمَعُ إلَى مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ : إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ : إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ - قَالَ - وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ } أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَقُولَ : أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ . وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك فَهَذَا حَقٌّ ; لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ; فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى : فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ . وَإِنْ قُلْت : هَذَا إذَا دَعَا اللَّهَ أَجَابَ دُعَاءَهُ أَعْظَمَ مِمَّا يُجِيبُهُ إذَا دَعَوْته . فَهَذَا هُوَ " الْقِسْمُ الثَّانِي " وَهُوَ أَلَّا تَطْلُبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَلَا تَدْعُوَهُ وَلَكِنْ تَطْلُبُ أَنْ يَدْعُوَ لَك . كَمَا تَقُولُ لِلْحَيِّ : اُدْعُ لِي وَكَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - يَطْلُبُونَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ فَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الْحَيِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْمَيِّتُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُشْرَعْ لَنَا أَنْ نَقُولَ : اُدْعُ لَنَا وَلَا اسْأَلْ لَنَا رَبَّك وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ بَلْ الَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُمْ لَمَّا أَجْدَبُوا زَمَنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ . وَلَمْ يَجِيئُوا إلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَائِلِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا وَاسْتَسْقِ لَنَا وَنَحْنُ نَشْكُو إلَيْك مِمَّا أَصَابَنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ . لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ قَطُّ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كَانُوا إذَا جَاءُوا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَرَادُوا الدُّعَاءَ لَمْ يَدْعُوَا اللَّهَ مُسْتَقْبِلِي الْقَبْرَ الشَّرِيفَ بَلْ يَنْحَرِفُونَ وَيَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَمَا يَدْعُونَهُ فِي سَائِرِ الْبِقَاعِ . وَذَلِكَ أَنَّ فِي " الْمُوَطَّأِ " وَغَيْرِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " { لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي } وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : " { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبَوَيْهَا : وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ وَلَكِنْ كُرِهَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ : " { إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ } وَفِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْهُ قَالَ : " { لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورَ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ } . وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا : لَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَقَالُوا : إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْذَرَ لِقَبْرِ وَلَا لِلْمُجَاوِرِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا مِنْ دِرْهَمٍ وَلَا مَنْ زَيْتٍ وَلَا مَنْ شَمْعٍ وَلَا مِنْ حَيَوَانٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ : هَلْ عَلَى النَّاذِرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ : إنَّ الصَّلَاةَ عِنْدَ الْقُبُورِ وَفِي مَشَاهِدِ الْقُبُورِ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ فِيهَا فَضِيلَةٌ وَلَا إنَّ الصَّلَاةَ هُنَاكَ وَالدُّعَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَالدُّعَاءِ ; بَلْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْقُبُورِ - قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ - سَوَاءٌ سُمِّيَتْ " مَشَاهِدَ " أَوْ لَمْ تُسَمَّ وَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الْمَسَاجِدِ دُونَ الْمَشَاهِدِ أَشْيَاءَ . فَقَالَ تَعَالَى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } وَلَمْ يَقُلْ : الْمَشَاهِدَ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمَشَاهِدِ وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَسُوقِهِ بِخَمْسِ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } . وَأَمَّا الْقُبُورُ فَقَدْ وَرَدَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ اتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ وَلَعَنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ والطبراني وَغَيْرُهُ فِي تَفَاسِيرِهِمْ وَذَكَرَهُ وَثِيمَةُ وَغَيْرُهُ فِي " قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ " فِي قَوْله تَعَالَى { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } قَالُوا : هَذِهِ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ كَانُوا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا مَاتُوا عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَاِتَّخَذُوا تَمَاثِيلَهُمْ أَصْنَامًا ؟ وَكَانَ الْعُكُوفُ عَلَى الْقُبُورِ وَالتَّمَسُّحُ بِهَا وَتَقْبِيلُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا وَفِيهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ هُوَ أَصْلَ الشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ; وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ } . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَبْرَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ - الصَّحَابَةُ وَأَهْلُ الْبَيْتِ وَغَيْرُهُمْ - أَنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ ; بَلْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْجَمَادَاتِ مَا يُشْرَعُ تَقْبِيلُهَا إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ : أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَاَللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك . وَلِهَذَا لَا يُسَنُّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلُ أَوْ يَسْتَلِمَ رُكْنَيْ الْبَيْتِ - اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ - وَلَا جُدْرَانَ الْبَيْتِ وَلَا مَقَامَ إبْرَاهِيمَ وَلَا صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا قَبْرَ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ . حَتَّى تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مِنْبَرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَذُكِرَ أَنَّ مَالِكًا لَمَّا رَأَى عَطَاءً فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ الْعِلْمَ وَرَخَّصَ فِيهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَعَلَهُ . وَأَمَّا التَّمَسُّحُ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَتَقْبِيلُهُ فَكُلُّهُمْ كَرِهَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْهُ ; وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا قَصَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَسْمِ مَادَّةِ الشِّرْكِ وَتَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَهَذَا مَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ وَبَيْنَ سُؤَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي مَغِيبِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ لَا يَعْبُدُهُ أَحَدٌ بِحُضُورِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَالصَّالِحُونَ أَحْيَاءً لَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يُشْرِكُ بِهِمْ بِحُضُورِهِمْ ; بَلْ يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُونَهُمْ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَا قُلْتُ لَهُمْ إلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } { وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت فَقَالَ : أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ } وَقَالَ : " { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } وَلَمَّا قَالَتْ الجويرية : { وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَعْلَمُ مَا فِي غَد . قَالَ : دَعِي هَذَا قُولِي بِاَلَّذِي كُنْت تَقُولِينَ } . وَقَالَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ; إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " { وَلَمَّا صُفُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا قَالَ : لَا تُعَظِّمُونِي كَمَا تُعَظِّمُ الْأَعَاجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا } وَقَالَ أَنَسٌ لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ ; لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ . وَلَمَّا سَجَدَ لَهُ مُعَاذٌ نَهَاهُ وَقَالَ : " { إنَّهُ لَا يَصْلُحُ السُّجُودُ إلَّا لِلَّهِ وَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا - مَنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا } وَلَمَّا أُتِيَ عَلِيٌّ بِالزَّنَادِقَةِ الَّذِينَ غَلَوْا فِيهِ وَاعْتَقَدُوا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ أَمَرَ بِتَحْرِيقِهِمْ بِالنَّارِ . فَهَذَا شَأْنُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَإِنَّمَا يُقِرُّ عَلَى الْغُلُوِّ فِيهِ وَتَعْظِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَفَسَادًا كَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ وَمَشَايِخِ الضَّلَالِ الَّذِينَ غَرَضُهُمْ الْعُلُوُّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادُ وَالْفِتْنَةُ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَاِتِّخَاذُهُمْ أَرْبَابًا وَالْإِشْرَاكُ بِهِمْ مِمَّا يَحْصُلُ فِي مَغِيبِهِمْ وَفِي مَمَاتِهِمْ كَمَا أُشْرِكُ بِالْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ . فَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِ فِي حَيَاتِهِ وَحُضُورِهِ وَبَيْنَ سُؤَالِهِ فِي مَمَاتِهِ وَمَغِيبِهِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَيَسْأَلُونَهُمْ وَلَا يَسْتَغِيثُونَ بِهِمْ ; لَا فِي مَغِيبِهِمْ وَلَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ وَكَذَلِكَ الْعُكُوفُ .